أقواس
عندما كتب الرائع الراحل/ يوسف السباعي روايته الذائعة الصيت/ أرض النفاق ربما في الخمسينات أو الستينات من القرن الماضي، ومثلت في فيلم جميل أدى بطولته المرحوم الخالد/ فؤاد المهندس، لم يكن يخطر بباله أن هذه الرواية. سوف تنتشر عالمياً لتقدم رؤية الكاتب في مسألة الفساد والنفاق اللذين يضران بالبلد، أي بلد كان ويخلخلان أي تطور أو ازدهار.. وهي العبقرية السباعية التي قدمت رؤية صالحة لأي أو كل زمان ومكان.. وقد صدق السباعي عندما قدم تلك الرواية للناس.. وقد يكون تقبلها، حينها، على مضض لكنها اليوم تكتسب رواجاً عالمياً، من حيث شخصيتها لعناصر الفساد وسماسرة النصب والنفاق الرخيص في كل مناحي الحياة.. أرض النفاق اعتمدت في عناصرها معالجات لأوضاع المجتمع القائمة على فرضية مجتمع (الهاي هاي) و (البلدي أوي) وهو ما جعل الناس (الهاي) لا ينظرون إلى (الدون أو البلدي) ما حتم على هؤلاء المساكين اللجوء إلى عطار يصنع تمائم السعادة والصراحة.. الشجاعة والنفاق.. لكي يستطيع الواحد ملاءمة ما يناسب احتياجاته.. وكان أن ظهرت حبوب الصراحة والنفاق حتى القمة فاعليتها.. فالنفاق يجعل من في المرء في مركز مرموق بسبب من الدونية التي يتبعها ويطري بها على الآخر الذي هو - ناقص أيضاً - لتقبله ما ليس فيه من صفات ولكنه ستمرئ أن يظل المنافقون يتملقونه ويمد حرفه بما ليس فيه من أخلاق وقيم، لكن كل شيء وله نهاية، وهو ما يوقع الطرفين في حبال وشراك بعضهما بعضاً.. والصراحة لها حبوب أيضاً، لكنها مؤلمة وعلى العكس من حبوب النفاق، لأنها تفضي إلى كشف المستور، وتحويل كل أمور النفاق والتملق إلى حقيقة ماثلة ما يجعل الأمور تنقلب رأساً على عقب، ويصبح الممدوح مذموماً.. حتى في جنازة أحد المتوفين كانوا يصفونه بالطيب والحنون والكريم وذي الخصال الحميدة، لكن بعد أن شرب الناس من ماء النهر الذي رميت فيه أكياس حبوب الصراحة كاملة.. تحولوا إلى الضد وبدأوا يشتمون الميت ويصفونه بأقذع الصفات والألفاظ النابية، لأن الصراحة فد حتمت عليهم أن يقولوا ذلك، بعد أن كانوا ينافقون الرجل ليل نهار بفضل تلك الحبوب التي كانوا يتناولونها للنفاق والتملق.. وهلم جرا..لذلك تظل هذه الرواية فاعلة حتى اليوم، وتقدم أنموذجاً لحياة مليئة بالصدق والكذب، النفاق والصراحة.. وغير ذلك.. إن عبقرية المؤلف كانت ذات بصيرة وعبقرية فذة وتلك الرواية ما هي إلا تعبير عن معاناة ومشاكل الناس التي لا حصر لها.. فهل فهم الناس ذلك؟!