د. زينب حزام في شهر رمضان المبارك تقام الأمسيات الثقافية والإبداعية، لتصحيح بعض المفاهيم التي فرضت على الثقافة والأدب العربي الإسلامي، وذلك للمناقشة العقلية والمقارنات الواقعية التي تؤكد وتنفي ، وتضيف وتقدم المعلومات المفيدة، وفي الأمسيات الرمضانية التي تقام بعد صلاة العشاء وتستمر حتى ساعات متأخرة من الليل وأحياناً إلى وقت السحور يتبادل المثقفون والشعراء والأدباء الأفكار والنقد البناء حول الأدب والشعر وتأثير الإسلام على ذلك أن العلاقة بين الدين والفن ليست بالأمر العابر أو الشكلي ، ولكنها عملية دقيقة بحيث تستدعي المراجعة دائماً، فالدين كمفهوم عام يتحلق حوله الفنانون ، لأنه يقدم التشويق الروحي الذي يسعى إليه الفنان وهذه حقيقة اجتماعية لايمكن تجاهلها. ومنذ الأزل نجد الفن يلامس الدين ، لأنه يعطي الفنان شعور التدين ويدفع القلق الروحي والاجتماعي، لم يكن الشعر في الجاهلية يخطئ أو يتجاوز حالة الشعور الديني ، لأن الحاجة إلى الدين ضرورية لأنها تهدي الإنسان إلى عبادة الله والدعوة إلى طريق الخير، وكان الشعراء قبل الإسلام يمرون بحالة التدين والبحث عن الاستقرار النفسي والديني حتى يستطيعوا إيقاف الظلم والألم والعزلة والخشوع عند الموت فها هو طرفة تستبد به وحدته وخوفه فينمو تحديه: [c1]فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي فدعني أبادرها بما وملكت يدي فلولا ثلاث هن لذة الفتى وجدك لم أحفل متى قام عودي[/c] إن هذين البيتين يمثلان الموقف الإنساني المعبر عن تجربة شعورية واحدة، ورؤية الإنسان للحياة وتصور قصة الإنسان على الأرض ممتع ولذه الحياة التي قدمها الشاعر لم تصرفة عن رؤية الحقيقة المختفية وراء المظاهر الخادعة والشاعر والفنان يجسدان واقع العصر الذي يعيشان فيه سواء من الناحية الدينية أو النفسية والاجتماعية. إن دلالة هذه المواقف تعطي هاجس القوة وتدفع حاسة الشعراء المخترقة لحاجز الظاهر إلى إدراك الجديد القادم. إننا من خلال هذه المقدمة المتواضعة تؤكد أمر العلاقة بين التدين والفن، وهي علاقة إنسانية تناغم فيها المشاعر وتتبلور الحاجة، فالإنسان يسعى إلى عبادة الله وحده لا شريك له ليشعر بالأمن والاستقرار.لقد كان الشعر في صدر الإسلام يحارب أعداء الإسلام ، وكان الشعراء يلخصون أفكارهم من الآيات القرآنية التي تدعو إلى التوحيد وعبادة الله وحده لاشريك له وتستطيع أن نلخص هذا بمايلي: أن القرآن أخذهم بجماله وشريعته .ربط المشركون بين النبوة والشعر مما جعل القرآن ينزه نفسه عنه وقد اعتبر الشعر تقليداً جاهلياً بحيث انحرف الناس عنه. محاربة أعداء الإسلام له بالشعر جعلت الشعر كريهاً إلى نفوسهم خاصة ما يتعلق بهذه الحرب.اتجاه الشعر إلى العقائد أنزله عن مستواه وجعله في موقف المعادي للإسلام.ويتابع هذا الرأي الأستاذ محمد الكفرواي في كتابة (الشعر العربي بين التطور والجمود) . إن لغة القرآن كانت مقدسة ومعجزة، ولعل الجيل الأول من المسلمين قد ظنوا أن مجرد التفكير في محاكاتها أو النسيج على منوالها يعد تحدياً لقوله تعالى (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) - (الإسراء - الآية 88 )ومهما كانت الآراء إلا أننا نستطيع القول إن الشعراء المسلمين قاموا بكتابة الشعر والتفاخر فيما بينهم ومن شعراء المسلمين حسان بن ثابت وعبدالله بن أبي رواحة وكعب بن مالك. وعلى سبيل المثال نجد حسان بن ثابت ينشد قصيدته في عاصمة الإسلام يثرب مدينة الرسول. لقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بقول شعر فقال الحسان: ( قل وروح القدس معك ) وقد سمعه من الذين مدحوه. وهناك أخبار تشير إلى علمه عليه الصلاة والسلام بالشعر وارتياحه واستحسانه له. وروى أن مسلماً الخزاعي قال شهدت رسول الله صلى الله عليه واله - وقد أنشده منشد قول سويد بن عامر المصطلقى: [c1]لا تأمنن وإن أمسيت في حرم إن المنايا بكفي كل إنسان وأسلك طريقك تمشي غير مختشع حتى تبين ما يمنى لك الماني [/c]إن فترة نضوج الشعر الممتدة من بداية العصر العباسي وحتى زمن المعري أي طوال ثلاثمائة عام، قد مرت بفترات ضعف فيها الشعر العربي، ومن الطبيعي أن تتفاوت الدفقات الفنية بين العصور لظروف كثيرة وأحياناً متكررة، ومن ثم فلا يمثل هذا أي خلاف في مسيرة الفن وتطوره. وهذا الجانب سيثمر ثمرة أخرى هي امتداد للشعر الديني بتنوع أنماطه ونعني هنا شعر المتصوفة فهذا الشعر ينبع من الإحساس الديني المرهف، وقد يكون هذا الشعر امتزج بعدة تيارات إلا أن ذلك لا يصرفنا عن قول أنه فرع من فروع هذا التيار الذي تشكل في صدر الإسلام، ومن ثم يمكن القول إن الشعر الصوفي والشعر الديني هو الفرع الذي انتصب متفرداً يذكر بهذا الأصل الأول ، ومع مرور الزمن تداخلت القيم القديمة بالجديدة ، وهضم المجد دون التيارين فخرج شعر يمثل هذه البيئات والعصور المختلفة، فهو شعر إسلامي يحمل في داخله أثر هذه الحركات الكبرى. وهكذا نستطيع من خلال هذه النظرية أن نقيم الحياة الأدبية في صدر الإسلام على أساس فني دون إهمال الأحداث التي صاحبت هذه المراحل وأثرت على التطور الفني العربي. وفي الوقت الحاضرة ، برزت العديد من حركات تحرير الشعر من القافية والأوزان وسمحت إلى حد كبير بدخول المزيد من الشعر الرديء وأيضاً الدعوة إلى التعقيد حتى أصبح التعقيد اللغوي والشعري زياً مقبولاً ومطلوباً، وظهرت حركات تحرم الفنون الإنسانية، مع أن الفنان هو الإنسان يجمع فضائل الحضارات والثقافات كلها ويحترمها وبالإمكان تسخير الفنون، من فن تشكيلي وموسيقى ورقص شعبي ومسرح وسينما ضد العنصرية والإرهاب، وهناك العديد من الأفلام السينمائية التي شرحت تاريخ الرسالات السماوية مثل الفيلم السينمائي قصة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وفيلم (الرسالة) وجميعها تقدم للمواطن العربي التاريخ الإسلامي بصورة صحيحة وواقعية .. إن رسالة الفنان المسلم تقديم صورة مشرفة عن المجتمع المسلم وتاريخ الأمة الإسلامية، إنه الضمير الجمعي لهذه الأمة.