عمر عبدربه السبع هل كان تفجير السفارة العراقية في بيروت ووفاة زوجة الراحل نزار قباني (بلقيس) سبباً مقنعاً لشاعر مرهف مغادرة الوطن العربي إلى لندن حتى إن ظل يكتب بالعربية شعراً ونثراً أو يوصي بدفن جثمانه في دمشق المدينة التي عاشها بكل جمالها. يا شام: إن جراحي لاضفاف لهافامسحي عن جبيني الحزن والتعباوارجعيني إلى أسوار مدرستيوارجعي الحبر والطبشور والكتبادمشق ياكنز احلامي ومروحتيأشكو العروبة أم أشكو لك العرباوماذا عن الشاعر السوري علي احمد سعيد (أدونيس) المقيم في باريس؟! الذي يرى أن مظاهر التخلف في العالم العربي أمام أمم العالم الآخر يقع على عاتق المؤسسات التي لم تستفد من تقدم العلوم التكنولوجيا.ففي محاضرته "معوقات الحداثة في الثقافة والشعر العربي" يقول إن النص الشعري لا يمكن المساس به تماماً كالنص الديني، ومن ثم يصبح الإنسان مقيداً أسير أفكار ومعتقدات ان الإنسان قد تحول في النظام الوحداني إلى مجرد آلة وبدا كأنه لا يفكر لا في الحرية ولا في التقييد ولا حتى في المعرفة. وتساءل أدونيس أيمكننا بعد ذلك ان نقول ان الإنسان كائن يكتشف ما ليس معروفاً وأنه يملك رأياً متبصراً ومعلناً في الموروثات الدينية؟ فنحن جميعاً نذكر الرأي الإسلامي الذي يقول إن القائل برأيه خطأ حتى وان كان صواباً، ورأي الطبري أن المعرفة حسب الموروث اعتقاد وليس اعتناقاً وهكذا فان الآلة تصبح ماضياً وحاضراً بلا حضور، زمنها تكراري وتسبح في النهر ذاته إلى ما لا نهاية ذلك ان الآلة نظام مغلق لا يفهم الحداثة والقدامة.. ويضيف أدونيس إن مشكلة الحداثة أصبحت اليوم مشكلة عربية، ونتجه إلى الغرب لمساعدتنا على حل مشاكلنا.ويستطرد أدونيس في موضوع مشكلة انعدام الذاتية وفي التمسك بفكرة الصوفية لخروج الثقافة من مأزقها فيقول: "إننا نعرف جميعاً ان قتل الخارجين باسم الإسلام أدى إلى نبذ التصوف والعالم الداخلي، وأصبحنا نعيش عالماً يستر الحقيقة، وأصبح لا يوجد وجود للحقيقة.. ومن وجهة نظره انه من الأفضل فصل الدين عن الدولة وذلك للوصول إلى الحداثة المطلوبة، وأن الدين ليس دنيا فهناك أفراد يؤمنون بالوحدانية وأناس لا يؤمنون ومع ذلك يعيشون جنباً إلى جنب".ويحزن أدونيس عندما لا يرى من بين مليار مسلم مفكراً واحداً يقرأ القرآن بنظرة متفردة، مع تأكيده إن المجتمع المسلم في حاجة إلى تأويل جديد للنص القرآني وفهمه فهماً صحيحاً، لا يقول السالفة القدامى: الأخذ بالنص كما هو.المعروف عن الشاعر أدونيس إنه رشح لأكثر من ثلاث مرات لنيل جائزة نوبل في الآداب وكان من أبناء جلدته من يجلده بالكثير من الإساءات وحملات التشويه، حيث خلص البعض إلى أن أفكاره النقدية للتراث العربي نوع من الود والتقرب إلى المؤسسات الغربية المانحة للجائزة ويتهمه البعض بأن كتبه فيها تعريض بالإسلام وبالذات الإلهية وتلميحات بالكفر والزندقة.يقول أدونيس ان الانجيل ليس كلام الله، ومن يؤمن بالانجيل سيقع في تناقض لان مفهوم الله في الانجيل مختلف.وتقول شيماء سامي: "أدونيس يثير "اللغط" في ندوة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة" وعندما لاحظ انصراف الجمهور عنه قبل نهاية الندوة لسوء الفهم في ما يتعلق بالدين الإسلامي فقال: "إنني هنا لا أنظر إلى النص الديني في ذاته وانما في تأويله أي انني لا أناقش الوحدانية كرؤية وإنما من حيث ممارستها أريد أن أؤكد انني لا أدخل في البحث الديني أياً كان فأنا أحترم الدين فالايمان أو المعتقد مبدأ فردي خاص احترمه وإذا لم أحترمه لا نكون احراراً.. أنا لا أناقش الدين وانما أناقش الممارسة الدينية عبر التاريخ وعبر اليوم فليس من حق أي إنسان أن يرفض دين أي إنسان ومن هذا المنطلق فأنا لا يمكنني أن أرفض الإسلام وانما أرفض الممارسة ذاتها".تذكر الصحف اللبنانية أن أدونيس غادر بيروت عند الطوفان وذهب يلاطف عواصم أخرى، فمحاضرة أدونيس في مسرح المدينة كانت جافة على مدينة بيروت: "بيروت اليوم أهي مدينة حقاً أم أنها مجرد اسم تاريخي مأوى لا وطن، مدينة بلا مدينة فكان تجارة لا حضارة انها أكذوبة تعلوا لنفضها وننفض منها".ولكن أدونيس ختم محاضرته عن بيروت بأنها صورة مصغرة عن المشرق كله يقول أدونيس: "عند المسلمين بشكل عام ميل أن يكون القارئ واحداً والقراءة واحدة، كأن المسلمين لديهم عقل واحد في جميع العصور لا يتغير هذا العقل ويعتقدون ان هذا اغناء، بالعكس هذا إفقار للنص وإفقار للإسلام وإفقار للبشر ايضاً، لذلك ليس لدينا ثقافة إسلامية.. ويرى ايضاً أن المسلمين أخذوا كل منجزات التقنية واستخدموها، لكنهم يرفضون المبدأ العقلي الذي أتى بهذه المنجزات؟ ومن أقواله التي يغلو في طرحها: أنه يجب قراءة القرآن قراءة عصرية لكي لا يعزل عن العالم فهو ـ أي أدونيس ـ يثور لكتاب أنشأ هذه الحضارة العظيمة وهذا الكم الإسلامي الهائل يغيب الاجتهاد فيه للتعريف بعظمته وقيمته.الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي تطرقت في كتابها "الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث" إلى غرابة تسمية ديوان "مهيار الدمشقي" لأدونيس فهي لا تريد أن تؤكد شعوبية أتهم بها أدونيس فالشعوبية في نظرها توجه لمن هو ليس عربياً، لكن عنوان الديوان ذو قرائن مباشرة بمهيار الديلمي، مهيار الشعوبي المشهور الذي كان يفتخر بأبيه كسرى ومجد الفرس.واسم أدونيس الذي يفتخر به أيضاً ما هو إلا اسم فينيقي أطلقه عليه ذات يوم زعيمه أنطون سعادة منظر الحزب القومي السوري صاحب مفهوم السلالة الحضارية في مجتمعنا العربي، حيث يشير إلى تراكم حضارات مختلفة كانت سابقة على الحضارة العربية الإسلامية في المنطقة التي انتهينا إليها ومنحتنا لغتنا العربية التي نفخر بها وبفضله ترسخ لدينا إيمان بأننا عرب بالمعنى الثقافي ونحن كذلك جزء من هذا الكل الحضاري الذي يشمل الحضارة الفرعونية والسومرية والفينيقية.يقول بعض النقاد ان أغاني مهيار الدمشقي نشر عندما كان أدونيس قومياً سورياً عدواً بالغ العداوة لكل ما هو عربي وكان يعتقد أن الفتح العربي لسوريا أجهز على سوريا السريانية النصرانية القديمة، حتى كلمة الدمشقي كثيرة الاستخدام في الأدبيات النصرانية التاريخية، حتى ان أحد أولياء النصارى يدعى "يوحنا الدمشقي".وحتى كتابة "الكتاب" يرى النقاد أنه أسهب في ذكر السلبيات وتعقب التاريخ الدموي للعرب والمسلمين.. فأدونيس يؤكد أن المصادر التاريخية قد ذكرت هذه السلبيات وأن تاريخنا ليس حالة فريدة شأنه شأن مختلف الأمم فيه السلبي والايجابي لكن هذه الأمم تخلصت من أسس الاستبدادية فيه ومن الطاقة الظلامية فيه لذلك لا يتهم أبناءها بارتكاب جرائم إرهابية أما نحن فقد تم اختصار صورتنافي صورة "الإرهابي" وللأسف هذه الصورة موجودة في صلب البنية الثقافية العربية.يرى أدونيس أن هناك محاولات كثيرة لاغتياله معنوياً، وان من يحاولون اغتياله معظمهم عاشوا في ظله وبعضهم يعتبر الجرأة على محاولة للتحرر من ألادب.. وأدونيس يقول عن نفسه أنه "حجة ضد العصر" أي ضد عصر النفعية المحدودة المكرسة لقواعد المردودية التجارية لكنه ضده باسم يوتوبيا عالم قادم سوف يحصل الشعر فيه مرة أخرى على حقوقه وسوف يصبح الإنسان فيه أكثر آدمية.وفي منتدى باشراحيل بالقاهرة تم مناقشة الأستاذ أدونيس في كثير من الأمور الخلافية منها إيمانه بالشهادتين إذ قال نعم لا إله إلا الله محمد رسول الله عشرات المرات، وعن الغاء النحو العربي والكتابة باللغة الدارجة كان أدونيس من أنصار اللغة الفصحى وإن الخطأ ليس في اللغة ذاتها وإنما بالعقل الذي يستخدم هذه اللغة "أنا عندما أحكي الدارجة أشعر بأن عقلي تقلص وصغر، وأفكاري تقلصت وصارت محدودة، لذلك لا أستطيع أن اكتب بالدارجة إطلاقاً.. فالمشكلة أكثر تعقيداً من كونها فصحى ودارجة وتسهيل وتبسيط أعمق لذلك اعتقد كل النظريات حول اللغة العربية الان هي نوع من الهرب من مواجهة مشكلة العقل الخلاق، الخلق طاقة على الابداع وطاقة الخلق عند العرب هي المضمحلة لذلك يريدون تصوير اللغة وانزال اللغة إلىمستوى هذه الطاقة وتنزيل البشر إلى هذا المستوى لذلك مشكلتنا مع الطاقة الإبداعية مع طاقاتنا الخلاقة وليس مع لغتنا، اللغة هي أعظم لغة يمكن أن يتخيلها الإنسان!القرآن نزل بلغتنا، ونحن نستحقها، لانها نزلت علينا من السماء بهذا الأسلوب إنما يجب ان نثبت أننا نستحقها.فالشاعر علي احمد سعيد المشهور بأدونيس شاعر ومفكر كبير ومثير للجدل.. ولم تعد الهجمات الشرسة عليه من بعض الأقلام تثير مخاوفه، فهو قد تجاوز هذه المحنة ولقاءه الأخير مع الصحفي السعودي داود الشريان تؤكد ان العالم العربي أصبح الآن أكثر قرباً من تخوم الفكر الأدونيسي ورؤاه عن الحداثة الفكرية.. يقول عنه أدوارد سعيد: "الشاعر الذي لا يهاب.. وقال عنه مكسيم رودنسون أدونيس ليس منفصلاً عن بلاده ولا يقف ضدها، انه يبتكر وطناً صديقاً كالدمع إلى جانب الوطن القائم اليوم.وهكذا تنقلب كتابات أدونيس بين مناصر معارض، وبين من يرفعه إلى السماء ومن يجعله في الدرك الاسفل.المراجع:1/ أدونيس يثير اللغط في ندوة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. شيما سامي2/ أدونيس لصحيفة الاهرام: معظم الذين يحاولون تشويهي عاشوا طويلاً في ظلي.3/ أدونيس في مسرح المدينة: لو عرفهم أكثر، ملحق صحيفة السفير 7/11/2003م عباس بيضون4/ منتدى باشراحيل ـ القاهرة ـ مناقشة مع الأستاذ أدونيس والأساتذة عبدالله محمد باشراحيل، ابراهيم زقزوق5/ سجال أدونيس وسلمى الخضراء الجيوسي حول أغاني مهيار وسريان الدمشقي، جريدة الحياة 9/8/2003م6/ أدونيس والوهابية وجهاً لوجه في ضفاف الخليج، صحيفة 14 أكتوبر العدد 13339 الاحد 12/3/2006م7/ أدونيس الضوء المشرفي سيحتاجه القرن القادم، آراء مفكرين في أدونيس.
|
ثقافة
الشاعر علي أحمد سعيد (أدونيس) - حمّال أوجه
أخبار متعلقة