أبوبكر أحمد باقادرلقد فتحت الدراسات الحضرمية في إطار المحيط الهندي مجموعة من الاسئلة والقضايا النظرية ستذكر بعجل على أمل أن تفتح شهية الدارسين العرب من المهتمين بدراسة اليمن الاهتمام بها والقيام بالدراسات والبحوث فيها علماً بأن هذه القضايا هي من خير اهتمامات باحثين غربيين في وقتنا الحاضر.من أهم القضايا مسألة انتشار الاسلام في جنوب شرق آسيا .والقرن الافريقي وشرق ووسط افريقيا والاسئلة تدور حول من الذي كان له السبق واليد الطولى في نشر الاسلام ؟ كيف توسع انتشار المذهب الشافعي مذهب الحضارمة في هذه المناطق علماً بوجود مذاهب اخرى منافسة وبالذات الحنفية ؟ما دور الحضارمة في تحريض المسلمين على مقاومة الاستعمار الغربي ولماذا كانت السياسات الغربية وبالذات الهولندية والبرتغالية عدائية وصارمة وهل كان مثلاً سنوك هورخورنية الذي تتبع تأثير الاسلام على سكان اندونيسيا المستعمرة الهولندية آنذاك الى مكة وكلماته الغاضبة والعنيفة ضد الحضارمة دليل على وجود سياسة ضد هجرة الحضارمة ؟ وكيف تمكن الحضارمة , رغم امتداد وازدهار الاستعمار الغربي , التسويق والتجارة في هذه المنطقة من العالم ؟أما المسألة الثانية فهي حول نشاط ومهارة الحضارمة مقارنة بالسكان الاصليين الذين كان ينعتهم الاوروبيون بالكسالى ومن ثم الجدل الذي أثاره عالم الاجتماع من اصول حضرمية حسين العطاس حول اطروحة ماكس فيبر حول قيم واخلاق العمل وتقديم الادلة على أن التجار الحضارمة في معظم المستوطنات التي هاجروا إليها تمكنوا من اظهار تمتعهم بقيم واخلاق العمل التي تمكن من نمو الرأسمالية مما يجعل اطروحة فيبر المقارنة للأديان لا يمكنها أن تدخل الاسلام في تعميماته ولقد أثار جدل العطاس نقاشات موسعة لا تزال مستقرة بعد .وتقدم أورليك فريتاج جدلاً من نوع آخر حول امكانية مقارنة ظاهرة التجار الحضارمة المهاجرين مع غيرهم من الجاليات التجارية المهاجرة مثل التجار الصينيين والاسكوتلنديين واليونان والشوام والهنود ولقد سعت فريتاج الى إظهار أوجه الاتفاق وكذلك التميز الذي أمتاز به الحضارمة مؤكدة بالذات على جوانب التمسك بأهداب الدين الاسلامي والقدرة على إقامة شبكات تعاونية بين التجار الحضارمة فيما بينهم ومع من تعاملوا واتجروا معهم ولقد سعت فريتاج ايضاً لإعادة النظر في أهم مقولات اطروحة ماكس فيبر من حيث نشأة الرأسمالية موضحة أن المعتقدات الطائفية إنما هي تفسير واحد من تفاسير أخرى لأنواع أخرى من الرأسمالية تميزت بوجه إنساني متدين وقدمت النموذج الحضرمي شاهداً على ذلك .ولقد تميز المجتمع والثقافة الحضرمية التقليدية بنظام اجتماعي تراتبي تمييزي يقسم المجتمع الى أربع طوائف يرثها أفراد المجتمع جيلاً عن جيل وهم : طبقة سادة العلويين الذين لهم الزعامة الروحية والسطوة والزعامة والجاه وبعدهم الشيوخ من ال عمودي ومن على شاكلتهم ولهم السيادة الزمانية والرئاسة والمال وبعدهم طبقة البدو والمحاربين ثم يأتي بعد الجميع طبقة المساكين “ الجعلاء” من الفلاحين والعمال والعبيد ومن على شاكلتهم ويفترض الثقافة الحضرمية التقليدية قبول افراد المجتمع هذه المنزلات الاجتماعية الطبقية وعدم تجاوزها والافراد بها وبالذات في العلاقات الاجتماعية ومنها الزواج على وجه الخصوص والشبه واضح جداً بين هذا النظام الطبقي التراتبي وبين نظام الطبقة (caste) المعمول به ديناً في الهند ولم استطع بعد أن أقف على أدلة تؤكد أن حضرموت تبنت الهندوسية ديناً في فترة من فتراتها التاريخية القديمة يمكن أن يعزي إليه هذا النظام صحيح أن العلاقات بين الهند وحضرموت قديمة واصيلة لكن النظام الطبقي هذا بقي في الهند بسبب ديني والسؤال ما الذي جعله قائماً ولفترات طويلة ولعل اصداءه التقليدية بتقسيماته المقيته لا تزال باقية فهل هذا بسبب صلات هندية لكن غير دينية .توضح دراسة عبدالله بوجرا كيف أن هذا النظام وما ترتب عليه من اجراءات ومعاملات وعلاقات اجتماعية هو من الاسباب التي ستؤدي “ كما تبين من الدراسة “ الى تصدع وتفكك المجتمع الحضرمي وزوالها ويظهر أن ما ذهبت إليه دراسة بوجرا صحيح إذا ما أخذنا ما حصل في حضرموت عند فترة الاستقلال ولنا عودة لهذا الموضوع من الناحية التنظيرية .ورغم وجود نظام الطبقات التراتبية إلاّ أن الحكومات المحلية التي حكمت حضرموت من النصف الاول من القرن العشرين إنما كانت لأسر تعود أصولها الى طبقة البدو ولقد تشكل نظامهم في الحكم في دولة (القعيطي والكثيري والواحدي) وجميعهم من خارج منطقة حضرموت على شكل حكم الراجات الهندي حيث تحكم اسرة معينة منطقة. لقد اعترفت السلطات البريطانية لهؤلاء السلاطين بنفس السلطات والنفوذ الذي كان لسلاطين الهند بل أن الملفت للنظر وجود علاقات عميقة ومتجددة بين هؤلاء السلاطين وسلاطين من الهند فهل هو نظام هندي استزرع في حضرموت ولا يوجد شبيه له في بقية مناطق الجزيرة العربية إنه أمر يستحق الدراسة والتحليل ويقودنا الى مزيد من الاسئلة عن نوعية العلاقات السياسية والثقافية والاجتماعية بين الهند وجزيرة جاوا مع حضرموت في اشكال عديدة من التنظيمات الاجتماعية .والقضية التي درسها عبدالله بوجرا حول التراتبية الطبقية كنظام اجتماعي سياسي في حضرموت سبب مشاكل عديدة في المهاجر وعلى وجه الخصوص في جنوب شرق آسيا في قضية الخصومات التي وقعت بين السادة العلويين وبقية المهاجرين الحضارمة والتي عرفت بقضية صراع جمعية العلماء وجمعية الارشاد والتي استمرت لسنوات طويلة وكانت ذات آثار مدمرة لكثير من الانجازات الحضرمية الفكرية والتجارية ولقد كانت هذه القضية مثار اهتمام وتدخل العديد من الملوك والرؤساء العرب وبعد تدخل الشيخ عبدالعزيز الرشيد موفد الملك عبدالعزيز وتدخل لواء بحري ومواقف الشيخ السكورتي من القضايا التي لا تزال وثائقها الاصلية محدودة الانتشار وتستحق الدراسة والبحث لمعرفة اسباب الخلافات العربية – العربية وكيف أن آثارها ليست مدمرة فقط وإنما كارثية اعطت الذرائع والامكانات لتدخل القوى الغربية ليس فقط على السيطرة على الفرقاء وإنما تقليص نشاطاتهم وأهميتهم ومما يؤسف له أن هذه القضايا إنما هي من اهتمامات الدارسين الغربيين كجزء من تاريخ الامبراطورية البريطانية وليس من تاريخنا السياسي والاقتصادي الحديث وتتكرر المآسي في شرق افريقيا ولعل شخصية مهمة مثل الشيخ السميط صاحب التأثير السياسي والفكري الكبير في كينيا وتنزانيا وما حولها من اقطار الساحل الافريقي تشير الدراسة حول تأثير التجار العرب في افريقيا وتصديهم مع الافارقة للاستعمار الغربي وكيف أن الحضارمة الذين لم يحكموا مباشرة وإنما كان الحكم للعمانيين وبعض الفرس كانوا موضع احترام وتبجيل ومن ثم تأثير ديني وثقافي واقتصادي في كل المنطقة ورغم الرق أو من استغلال السكان الافارقة الاصليين وأن الافارقة الى يوم الناس هذا يذكرونهم بخير إلاّ أن الإشادات والفخر الذي نجده في بعض الدراسات الحديثة حول الموضوع تجعلنا نتساءأل متى سيقوم باحثون بتقديم الصورة الصحيحة عن هذه الاوضاع .وأخيراً هناك العديد من الدراسات الحديثة التي تقدم العديد من الاسئلة ومن ثم الدراسات الاكاديمية حول ظهور الدولة الحديثة في شكل جمهورية اشتراكية وأسباب ذلك ؟ وكذلك طرح العديد منهم أسئلة حول الادوار السياسية والنضالية للجاليات الحضرمية في الصراع السياسي الحديث في حضرموت ولعل دراسات بكييرغرولورنس سميت وفريتاج وآخرون حول قضية أدوار الجالية الحضرمية الحديثة وبالذات في الخليج ونجاحاتهم التجارية ومن ثم تأثير ذلك على الظروف السياسية هي من القضايا الملحة على الساحة السياسية وربما كذلك في تشكيل مدى تأثير الجالية المهاجرة بالاوضاع القائمة .
|
ثقافة
بعض إسهامات الحضارمة في الثقافة العربية ( 2000 - 1700م) .. (2-2)
أخبار متعلقة