أضواء
اعذروني لأنني متوترة. كلما نزلت إلى الخبر عبر شارع الظهران أشعر بالتوتر. ثمة شيء في السحن واللكنات واللغات والملابس يهاجمني. ثمة انكسار في وجوه الشباب يكسر قلبي... تجربتنا المعاصرة في البناء التنموي تقصر عن متطلبات الفخر. إذا تجاوزنا النظر إلى الأرقام في حد ذاتها - عبر التفاخر المعتاد كم أصبح لدينا من المدارس والجامعات والمستشفيات مقارنة بما كان لدينا قبل عشرة أو عشرين أو خمسين عاما، إلى التساؤل عن قدرة الغالبية من خريجينا ومهندسينا وأطبائنا على الأداء المهني المتميز والتجديد، ثم إذا تعدينا ذلك إلى التساؤل الأهم: حتى متى نستطيع مواصلة إدارة منافع الوطن اعتمادا على الكفاءات المستوردة - دون احتمالية توطينها وتوطين مؤهلاتها؟ والسؤال: هل يمكن الاستمرار مع النسبة المحدودة لليد العاملة المؤهلة من المواطنين إلى أولئك الذين نستعين بهم بعقود مؤقتة تصدر دخولها إلى الخارج؟ فسنرى الآمر من زاوية نظر أخرى هي زاوية القلق.أسئلة موجعة لا يمكن الاستمرار في تجاهلها أو تأجيلها ولابد من التصدي لها..مع الأسف تجربتنا في النمو والبناء الاقتصادي لا تحمل الفخر للفرد بل لجهود الحكومة في دعم الفرد اعتمادا على دخل الدولة من مورد واحد هو النفط. نصدره ولا يستطيع مجتمع الطاقة العالمي الاستغناء عنه.لا أعلم من ألوم أكثر؟ آباءنا الذين لم يأتوا من تاريخ صناعي تقني وكفاهم أننا نحمل شهادات بغض النظر عن تخصصاتها؟ أم الحكومة التي ظلت توظف حتى لم يبق موقع في القطاع العام غير ما يخليه المتقاعدون؟ أم نحن أنفسنا؟كان الأمر سهلا واستحليناه، بارك الله في النفط وأطال عمر آبارنا واحتياج الصناعة العالمية لزيت الوقود والتشغيل.ومع فائض الطفرة تحولنا في آن إلى ميدان استعراض للوجاهة الشكلية، وسوق «محاولات « للثراء السريع. بدأ التسابق في السبعينات بصفقات العقار على الورق، وتلاه تناقض بذخ وتشدد الثمانينات، واستجدت في التسعينات مضاربات الأسهم دون استيعاب أسس اللعبة.والجانب الأسوأ فعلا أننا استسهلنا الاعتماد على الاستقدام، دون تدقيق ومعايير جيدة للاختيار والتقييم، فالغالبية تتخير بدواعي التوفير أدنى مستويات التأهيل والحالة المادية. وهي غالبا ترتبط بمستويات متدنية أيضا في الخلقيات والقيم. وهكذا أدخلنا ظاهرة التوتر والجريمة إلى مجتمعنا عبر أكثر من باب: ملء البلد بعمالة مستوردة أغلبها من تحت خط الفقر والمهارة؛ والبطالة في فئة الشباب المواطن - وهي النسبة الغالبة بين السكان، خاصة أن العقدين الأخيرين لم يتركا متعة مجازة غير متعة الإنجاب، وهذه رفعت تكاثرنا فوق المعدل العالمي.- فإذا أضفنا عامل إغلاق نوافذ التفكير والترفيه أمامهم، في انعدام المتاح لهم عدا متعة تحدي من يمنعون «المتعة» أو مطاردة من يتهمون بها.. نجد أننا خلقنا ميدانا للانشغال بمتعة الجريمة ومبررا لاستمرارها بدلا من القضاء عليها. كما قلت: توتر متعدد الأسباب لابد من علاجه. [c1]* عن / صحيفة ( الوطن ) السعودية[/c]