طبول المواجهة بين المناطق الرمادية والزوايا الحادة:
ثمة أبعاد متعددة لمفاعيل المشهد السياسي الراهن الذي يتسم بحراك لا يخلو من التجاذبات والتناقضات بين السلطة والمعارضة مع وجود مساحة مشتركة للحوار والتكامل على أساس قواسم مشتركة يحميها دستور الجمهورية اليمنية ونظامها السياسي الديمقراطي التعددي القائم على التداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات ، في ظل ضمانات دستورية تكفل التعددية الحزبية وحرية الصحافة وحرية التعبير، وتؤكد على مبادئ المساواة بين المواطنين رجالاً ونساء في الحقوق السياسية والمدنية . من نافل القول إن التجاذبات السياسية أصبحت سمة بارزة في المشهد السياسي للبلاد قبل وبعد كل محطة انتحابية منذ الانتخابات البرلمانية عام 1993م وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية والمحلية عام 2006م على نحو ما تناولناه في العدد الماضي . وبوسع المحلل الموضوعي تحليل أبعاد الحراك السياسي الراهن للسلطة والمعارضة من خلال رصد اتجاهات المباراة القائمة بين الخطابين السياسيين لكل من حزب الأغلبية ، الذي فاز بأغلبية أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية لعام 2003م والانتخابات الرئاسية والمحلية لعام 2006م، وأحزاب الأقلية المعارضة التي يضمها تكتل " اللقاء المشترك " .في هذه السياق يركز الخطاب السياسي لحزب الأغلبية على إبراز النجاحات التي تحققت في مجال تطوير العملية الديمقراطية ومواصلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجهود المبذولة في مجال الإصلاحات المالية والإدارية والقانونية ، على طريق تعزيز الديمقراطية واستكمال شروط وأسس بناء الدولة الوطنية الحديثة ، وزيادة مشاركة المجتمع المدني في إدارة شؤون الدولة والمجتمع .ويبدو جلياً من الخطاب السياسي لحزب الأغلبية الذي فاز بأغلبية كبيرة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية تركيزه على الاهتمام بدعم وتطوير دور مؤسسات المجتمع المدني، بما يضمن تحويلها إلى مدارس ديمقراطية تنتصر لقيم الحوار وترفض الإقصاء والإلغاء والمكايدة والإنفراد.ولا يخفي الخطاب السياسي للحزب الحاكم تطلعاته لتوفير بيئة سياسية وقانونية وثقافية واقتصادية توفر ضمانات احترام حقوق الإنسان وحماية السلم الأهلي ، واغلاق منابع العودة إلى عهود الشمولية والصراعات الدموية على السلطة والثروة والنفوذ ، حيث يؤكد الخطاب السياسي للحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام ) على ضرورة التزام القوى السياسية بمكافحة ثقافة العنف ومحاربة الإرهاب ومعالجة ظاهرة حمل السلاح من خلال الأطر الدستورية والقانونية ، وترسيخ قواعد العدالة في حياة وسلوك هيئات الدولة ومنظمات المجتمع المدني والأفراد.ومن أجل تحقيق هذه الأهداف يشدد الخطاب السياسي للحزب الحاكم على ضرورة إصلاح القضاء وسن القوانين والتشريعات لمعالجة ظواهر الثأرومكافحة حمل السلاح والاختلالات الأمنية ، وتطوير مناهج التعليم ورعاية ودعم المنظمات والهيئات الوطنية المتخصصة بحماية حقوق الإنسان ومكافحة الفساد والحفاظ على الثروة الوطنية والمال العام وتوظيفها لخدمة أهداف خطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.صحيح أن الخطاب السياسي للحزب الحاكم يعطي مساحة كبيرة لإبراز التطور المتنامي في مسار العملية الديمقراطية الجارية في البلاد لجهة مساهمته في تعزيز وحماية الديمقراطية كشريك في بناء وتطوير النظام السياسي الديمقراطي التعددي ، وتأكيد مبدأ الفصل بين السلطات وتطوير نظام السلطة المحلية . لكنه لاينفي الحاجة إلى الإصلاح المؤسسي والإصلاح الاقتصادي والمالي وتحسين بيئة الإدارة الحكومية والممارسة الاقتصادية ومناخ الاستثمار وتعزيز مبدأ اللامركزية الإدارية والمالية والاستمرار في تطبيق البرنامج الشامل للإصلاح الإداري والوظيفي بما يضمن حيادية الوظيفية العامة وإنهاء الازدواج الوظيفي وإخضاع التعيينات والترقيات والتنقلات لشروط الوظيفة العامة وتوفير تكافؤ الفرص بين جميع الموظفين رجالاً ونساء.وبقدر ما يتحدث الخطاب السياسي لحزب الأغلبية عن النجاح الذي تحقق تحت قيادته للسلطة في مجال تطوير وتحديث البنية التحتية للقطاعات الإنتاجية والخدمية في مجال النفط والمعادن والطرقات والمواصلات والكهرباء والمياه والنقل البحري والبري والجوي والصحة والتربية والتعليم والزراعة والري والسدود والسياحة والموانئ والمطارات وغيرها من المجالات الحيوية التي غيرت صورة الحياة في عموم الوطن الموحد منذ قيام الجمهورية اليمنية والتحول نحو الديمقراطية التعددية في الثاني والعشرين من مايو حيث كان الحزب الحاكم شريكاً أساسياً وتاريخياً في صنعها ، بقدر ما يتحدث أيضا عن تطلعاته وتوجها ته لمواصلة بناء اليمن الجديد وضمان مستقبل أفضل لابنائه في الداخل والخارج من خلال إدارة حديثة تخدم المواطن وتعزيز دولة المؤسسات، وبناء إدارة اقتصادية تضمن مستوى معيشياً أفضل ، وتنفيذ خطط وبرامج تنموية تستهدف الحد من البطالة ومكافحة الفقر، وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي ومكافحة الفساد وإيجاد بيئة استثمارية جاذبة ، وبناء أرضية ملائمة لبناء معرفي وتعليم نوعي جيد وخدمات صحية نوعية أفضل ، وصولا إلى بناء مواطن حر ووطن ديمقراطي مستقر يتوافر على طفولة سعيدة وشباب قادر على المساهمة في مسار التنمية ومشاركة أوسع وتمكين اكبر للمرأة في كافة الميادين.وإذ يعترف الخطاب السياسي للحزب الحاكم بوجود مصاعب موضوعية واختلالات ذاتية تعترض طريق تطور العملية الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وفق الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها من خلال وجوده في الحكم، فإنه يبلور رؤية متميزة في صياغة مهام قابلة للتحقيق بعيداً عن مخاطرالسياسات التي تنزع نحو القفز على الواقع وإحراق المراحل، حيث لا يخفى الخطاب السياسي للحزب الحاكم نقده الشديد للخطاب السياسي المعارض الذي يتهمه بإدمان تعاطي الشعارات غير الواقعية ، وتسويق مهام غير قابلة للتنفيذ، ناهيك عن وجود اختلافات جوهرية بين الخطابين لجهة الموقف من المرأة وزيادة مشاركتها في الحياة العامة بما يمكنها من الفوز بنصيب اكبر في المقاعد البرلمانية والمحلية وزيادة نصيب المرأة في شغل المناصب الوزارية والدبلوماسية والقيادية في مؤسسات وأجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المدني، وتحييد المساجد عن الصراعات السياسية والتجاذبات الحزبية والمباريات الانتخابية ومنع توظيفها لخدمة العمل الحزبي ونشر الأفكار المتطرفة والدعوات المذهبية التي تلحق الضرر بالوحدة الوطنية، و تهدد السلم الأهلي وتقوض مبادئ التعاون والتضامن والحوار والتعايش السلمي بين الشعوب والأمم والثقافات والحضارات المختلفة في العالم المعاصر.. ناهيك عن الاتهامات التي يوجهها الحزب الحاكم من خلال خطابه السياسي لمعارضيه بشأن الإفراط في استخدام الديمقراطية لأغراض المكايدات السياسية والحزبية ، وتشويه الحقائق أمام الرأي العام الداخلي والخارجي ، وممارسة مختلف أشكال الابتزاز السياسي ، والابتعاد عن الثوابت الدستورية والوطنية في القضايا التي تمس الوحدة والنظام الجمهوري، على نحو ما سنأتي إليه عند تحليل أبعاد ومفاعيل الخطاب السياسي المعارض في مقالنا القادم بإذن الله. [c1]* نقلاً عن /صحيفة ( 26 سبتمبر )[/c]