دراسة أدبية
عبدالوهاب الحراسيفي الديوان «القطوف الدواني من شعر إبراهيم الحضراني» تتناول قصائد الشاعر الكبير إبراهيم موضوعات عديدة منها:الوطنية والقومية والغزل والشخصية والغنائيات.وهي موضوعات عادية نجدها عند غالبية الشعراء التقليديين الذين عاشوا في خضم حركات التحرر العربية وناضلوا من أجلها.لكن ما ليس بعادي هو الشاعر نفسه، فقد بلغ من الذكاء إلى حد تجاوز أمة بأسرها، وتاريخ بأكمله وبلغ من الفضيلة حد الشهادة ومن العطف حد الفجيعة. وما هذه السطور الا محاولة لبرهنة ذلك من خلال نصوص الديوان.[c1]ثورة الحضراني المتمزقة [/c]غني عن القول أن الشاعر إبراهيم الحضراني كان واحداً ممن أمنوا بضرورة الثورة على نظام الامام يحيى عام 48م وطبيعي أن يناصر كل الثورات وفي كل وقت .. إنه مع الثورة والثوار , مع كل الثورات وكل ثوراها .وتشير الى هذا كثرة النصوص التي تتناول القضايا الوطنية والقومية واستقلالهما والتي تشكل غالبية نصوص الديوان 24 نصاً وبالرغم من ذلك نرى الشاعر نادراً ما يكون عنيفاً دموياً ومنفلتاً :ما الرعد إن نبضت وإن هاجت فما[c1] *** [/c]وقع الحديد وضجة النيران“ص66”بيد أنه يعبر عن تبنيه أسلوب الثورة المتعارف عليه بالموت كمقابل أو ثمن لقيمة اخلاقية لكن دون ذكر كيفية للموت دائماً .فلننظر الى جمرة الثورة ورسالتها وضرورة تحقيقها وأهميتها التي توازي أهمية الحياة :لي آمال إذا لم أقضها[c1] *** [/c]بقيت في القلب ناراً تستعر لا أبالي جنة الفردوس إن[c1] *** [/c]فرشت لي ولا أخشى سقروأنظروا معي الى هذا المقطع البديع والذي لم يصل الى قوة صياغته ودقة تعبيره وحسن تركيبة شاعر تقليدي ثائر من قبل فقد بلغ بسبب اديبين “ بلبلين” “أومعنيين- من الاستثارة حدا يجعلنا نخاف منه :غردا أيها الشجيان حولي[c1] *** [/c]ودعاني للنواح مم ا أعاني لكما نغمة الملاك ولـي من[c1] *** [/c]عالم الفـن زفرة الشيطانرددا نغمة البلابل إني[c1] *** [/c]عن فم البوم استقى ألحانيلاحظ التصوير:عن ضجيج السكون عن وحشة الليل, عن اليأس, عن دموع العانيإن تطوفا على المجالس بالأنوار[c1] *** [/c]إني أطوق بالنيران وفجأة ينقلب بنا الى ما يبدو نقيضاً :لا , فقلبي أرق من أن يثير البؤس واليأس من بني الانسان صيغ من رقة النسائم والزهر فؤاد المدلة الفنان!!ثم هاهو يهدد :يارب الاسرة فلتنصف[c1] *** [/c]الكل بسوحك إخوانأولاً : فأقـول بــلا وعـي[c1] *** [/c]بركان بركان بركان “25”ويتأسى على فشل مشروع الثورة :آه للأيام تغتال الرؤى[c1] *** [/c]كل حال ببنيها حائلة حكمها يجري على ما تشتهي[c1] *** [/c]لا على ما تشتهيه السابلة تعكس الاشياء حتى يغتدي[c1] *** [/c]عالي الشيء يضاهـي سافلهمن معيني وأنا إجتازها[c1] *** [/c]في عراك ؟ وهي حولي صائله؟!أرفع الصوت فمن يسمعني ؟[c1] *** [/c]أين أنتم يارفاق القافلة ؟”132”ويطلب الموت - دون كيفية - ثائراً من أجل العدل والحق , بل يجد طعمه لذيذاً :هو الموت أشهى من جنى النحل طعمه[c1] *** [/c]إذا الوغد يعلو والكريم يضام”44”ويزيد في طلب الموت - وبدون كيفية أيضاً- تبعاً لزيادة شعوره الباهظ بالكرامة:لا أحب العيش إلاّ قمة[c1] *** [/c]إن تفت فالموت أعلى القمم “155”إذا نظرنا في النصوص الثائرة السابقة لوجدنا ما يلي :- إن قلة النصوص تلك تشير الى قلة ميله الى العنف والقسوة.- إن الشاعر يضع الموت في مقابل قيم أخلاقية .- أنه لايذكر- ولم يذكرأبداً- كيفية واحدة من كيفيات الموت.والحصيلة هي الوقوف على غموض موقفه الثوري في أحسن الأحوال .. بل أنه وضع الثورة بين قوسين , وأخذ يحدق فيها بريبة طول الوقت .. حتى خلص الى خلاف واختلاف عن ومع الثورة والثوار مفهوماً وأسلوباً ..وهذا يعني أن الوعي الثوري لدى الشاعر ينقسم الى لحظتين مفهوميتين مما جعله يمارس سلوكين مختلفين للثورة ..ففي الوقت الذي ينطلق الثوار - كل الثوار وأفضل الثوار - من ضرورة التغيير العام أو الشامل لوضع تاريخي “ أي التغيير السياسي الاجتماعي الاقتصادي والثقافي “ وانطلاقهم ذاك لا يخلو أبداً من طموح سياسي و “أو” مصالح اقتصادية أقول في الوقت ذاته ينطلق الحضراني من ضرورة التغيير الوجودي الكوني .وفي الوقت الذي أوصله التحديث في الثورة - بمعناه المتداول- الى رفض مفهومها بل ورفض اسلوبها بوجه خاص فالثورة بعموميتها - وهي تتذرع دائماً بخير وصالح الانسان والانسانية - تقوم على الحرب, التضحية, القتل , الضحايا, الألم , الجوع , القمع , وأحكام السجن والاعدام .. وهذا المفهوم الاول للثورة فقد أوصله التحديث ذاته .. الى أن يضع - نفسه على الاقل - شروطاً يشترطها على “الثورة” وعلى أي ثورة وعلى كل ثورة , ولا يمكنه أن ينظر إليها إلاّ من خلال شروطه وماشروطه تلك إلاّ مفاهيم وممارسات جديدة - وهذا هو المفهوم الثاني للثورة - على الثقافة اليمنية بل والعربية وهي :- المفهوم الاخلاقي للانسان والانسانية .- قيمة الوطن / المواطنة وهي تقوم على المفهوم السابق.- مفهوم الخير والاخلاق الفاضلة وهذا ليس جديداً لكنه هنا يكتسب اهميته من كونه شرط “ أي أنه ضرورة عند الشاعر”.- ممارسة نقد المقدس في الثقافة السائدة .إن هذه المفاهيم ما هي إلاّ شروط الانسان “ الحضراني” العقلية والنفسية والاخلاقية وهي في رأيي شروط مبكرة على الفكر العربي - الاربعيني - بأسره ولو نظرنا الى الشروط “ المفاهيم” السابقة لكان حاصل جمعها يساوي تصور جديد للثورة مفهوماً وأسلوباً .فلا يربط الحضراني بثوارالثورة في تطورها التقليدي - إن جاز التعبير- إلاّ بنزق ثوري تميز بالحدة , إذ يجب أن يكون حاداً لأنه - كما سنرى في كل السطور القادمة - نزق يتضمن فكراً سابحاً ضد تيار سياسة الثوار أنفسهم في اليمن وضد التوجه السياسي العربي “القومي” في ذلك الوقت.هكذا تألف - أو أنقسم- الموقف الثوري في الحضراني وما أظن ذلك إلاّ امتداداً لعذابات السؤال أو هو عذابات السؤال وتمزقاته في شكله الواقعي والسياسي وهو شكل سيتضح فيه كثيراً انقسام الحضراني وفصامه الممزق وسنبدأ التوضيح من ممارسة / أسلوب -1- الحضراني الثوري في نقد المقدس - ويعد الوحيد الذي هاجم المفاهيم المقدسة في ذلك الوقت - والذي اتخذ اشكالاً عدة منها : التمرد , الجرأة , السخرية , الصدام , والتحليل أحياناً , التجريب , التخريب والخروج على كل فكرة وشكل مقدس .فيبدأ الشاعر التعبير عن مدى ما يعانيه المجتمع اليمني من فقر ساخراً من فكرة الاضحية والحالة تلك قائلاً :ليس معي كبش أضحى به[c1] *** [/c]أركبه إن جئت في الأخرةلا تضحكوا مني ولا تسخروا[c1] *** [/c]فربما جئت على طائرة “ص77”ويوجه صدمة الى العمق الوجداني للغة التقليد - للأدب خاصة - في المجتمع اليمني بأسره , بل يصفع الجميع بشكل جديد ولغة جديدة لرؤية جديدة في موضوع جديد - سابقاً بذلك السياب ونازك الملائكة - في قصيدة التفعيلة:... لست بالمسؤول عن هذا الوجودأنا فيه درة في جبل..أو حصاة في خضم مزبد إنما جئت لأحيا .. بفؤاد كالربيع“...” تمضي في خضم الابديةحيثما تفنى الحياةيا لهذا القبر ما أوسعه“...”“...”كلها تجمع .. والطين المهين “ص85,ت1941م”إن هذا البوح .. وما أكثر بوح الحضراني - والرقة الناعمة في التعبير عن القلق من الموت والاحتجاج ضده - لهو تمرد جذري “ثورة” معرفية , إدراكية على مستوى الشكل في أول تقدير.وعلى الرغم من هذا نلمس وهنا في الموقف “ أي فكرة النص” وأثراً واضحاً للتمزق في المستوى المجرد الميثافيزيقي ومجهولاته ثم هو هروب الى الامام من القلق وإخفاق في الهروب أخيراً كما يشير الى ذلك نهاية النص .ويتابع الحضراني كفره وخروجه وتمرده على وثنية النص الشعري التقليدي مطلقاً - في الوقت ذاته- مفهوماً جديداً للوطن بكل ثقة بل وتحدي:“..” يا ابن الاقيال .. ياسيف بن ذي يزن صبرا..صبراً , صبراً . صبراً“...من يمني ... يمن الانساناليمن الانسانهذا ايماني .. يا إخوانهاتوا .. إن كان لكم إيمان”ص99إن المعنى السائد للوطن في شعور الشخصية اليمنية إن جاز التعبير هو ذلك المكان أو البيئة الطبيعية “ الارض , المناخ , التضاريس” التي ترعرع الفرد فيها وألفها . زايداً الطبيعة الثانية “ المجتمع “ الذي يعيش فيه .بينا المفهوم الجديد عند الحضراني يقوم على الآخر “ الانسان - الجماعة - المجموعة” الذي يمكن معه ممارسة وتحقيق القيم والاهداف الخاصة والتي هي في الوقت نفسه قيم انسانية خالصة “العدل , المساواة , الإخاء , الحق , الحرية ...إلخ “ولئن تعارض هذا المفهوم السائد عند غالبية المجتمع اليمني - أو حتى في ثقافة المجتمع العربي في ذلك الزمن - فقد كان الكثير من ثوار اليمن ينظرون الى طموحهم السياسي أكثر من نظرتهم الى الشعب “ الانسان اليمني” فالمفهوم الجديد في الوقت نفسه “ أي الاربعينيات” كان سابحاً ضد تيار الخطاب القومي وصادماً له .إذن مفهوم الوطنية يقوم على معنى الانسانية .. ولطالما كان الشاعر إنساناً / إنسانياً الى درجة أن رفاقه وصفوه بالرومانسي ويمنحنا إشارة شعرية لتصوره الخاص للثورة .. تصوره الاشتراطي المفاهيمي القيمي للثورة وهي إشارة فقط لأن الشاعر يمر بحالة تجتمع أو تمتزج فيها اللحظتان الثوريتان “ لحظة الثورة التقليدية ولحظة ثورته الخاصة وإنسانيته” في زمن شعوري واحد :أنا ثورة كبرى تلوح وتختفي[c1] *** [/c]أنا من أنا ؟ أنا جذوة لا تنـطفـيأنا روح جبار تئن حزينة[c1] *** [/c]تحت الأسار وما لها من مسعفأنا أنة المسكين تأخذ حقه[c1] *** [/c]كف الغنى وما له من منصف أنا خطرة الصوفي في محرابه[c1] *** [/c]عظمت ففاضت عن نطاق الاحرفلا الدهر يسعفني بما أهـوى ولا[c1] *** [/c]هذي الحيـاة بها فـؤادي يكتـفـي “ص100”لقد عبر الشعر بصدق عن ماهيته وشخصيته بل قام بتعريف شامل ومكثف لمشروعه, حيرته, انفعاله وحقيقته . لقد نجح في فهم نفسه .. طرح مفاهيمه أو شروطه “ النفسية والعقلية والاخلاقية “ ولأنه “ ثورة كبرى تلوح “ الآن فها هو يتمر على اللغة السائدة بل يصدمها بلغة ثائرة في هذا النص الغزلي :الله قد صاغك من طينة[c1] *** [/c]كسائر الناس ولا أكثر فحدثيني يا منى خاطري[c1] *** [/c]من خلق الحسن الذي يبهر من جعل الألحاظ فتاكة[c1] *** [/c]والثغر من صيره يسكر ؟من خلق الفتنة غيري أنا[c1] *** [/c]أنا .. أنا خالقك الاكبر وهكذا الى أن يوضح مادة وكيفية خلقه حين يسأل :إن تسأليني : كيف صورتني ؟[c1] *** [/c]وأنت لا تقوى ولا تقدر!فيجيب مفصلاً :خلقت هذا الحسن من خافق[c1] *** [/c]مضنى وطرف في الدجى يسهر خلقته من همسات المنى[c1] *** [/c]وكل ما أهـوى وما أكبرمن ومضات النور عند الدجى[c1] *** [/c]والليل من حولي يعكوكر “ ص122,1962م”وما أظن تلك الابيات هذا النص الغزلي إلاّ الاقوى فيما قيل من الغزل حتى ذلك الوقت ولا يسع القول في قوته إلاّ أن الغيرة قد دفعت الشاعر الكبير عبدالله البردوني -رحمه الله- الى التقليل من شأن النص حين قارنه- دون غيره من النصوص - بنص بيت للشاعر نزار قباني وإن كان البردوني محقاً في ذلك -2- فأغلب الظن أن مقارنته غير عادلة موضوعياً والمجال لا يسع التوضيح وبإمكان المهتم البحث في تاريخ النصين المقارنين من حيث الاسبقية والطرفية “ الزمكانية” العلائقية وسيجد أنها لصالح الحضراني .ها هو يضع - متمرداً- شرطاً اخلاقياً “مفهومه للانسانية” وأهميته في إدعاء صادق !! يصعب تصديقه إلاّ من كونه شعراً فهو يشدد في محبته للناس والانسان كقضية وخوفه عليهم وعلى امته خصوصاً وهذا ينسجم مع مفهومه الجديد للوطن/ الوطنية:حنانيك ياسيف المنية فأرجع[c1] *** [/c]وياظلمة الموت الزؤام تقشعيووالله ما خفت المنايا وهذه[c1] *** [/c]طلائعها مني بمرأى ومسمعي ولكن حقاً فـي فؤادي لأمتي[c1] *** [/c]أخاف إذا إذا ما مت من موته معي “ص 126”إنها ثورية جديدة وتقليدية من حيث كون الشاعر يقبل بالموت في مقابل قيمة اخلاقية وهاهو يعاود صدامه للغة والثقافة السائدة , بنص - ربما - تجريبي غارق في الغموض , يقترب كثيراً من لغة النص الشعري الصوفي الذي يتميز بالقوة:حدثيني يانجوم .. يا أرض ياشمس[c1] *** [/c]وقــل لي : من أنت ياصرصار “!!”من أنا ؟ لست تعرفـين !! فإني[c1] *** [/c]ياتفاهات “ربك” الجبار قد ذروناك يارماد هباء[c1] *** [/c]ولك المجد كله يانار “ص153”ويمعن في صدامه المتمرد بجرأة أكبر وانفلات عاصف يتجاوز المحرم والشعور به في نص غزلي قصير:لو أنني ذكرت الله مجتهداً[c1] *** [/c]كما ذكرتك يافتانة النظرلكنت أعلى من “الابرار” منزلة[c1] *** [/c]وكنت أعظم مبعوث الى البشر “ص154”إذن لطالما كان الشاعر صادماً , صاعقاً .. ولكن , ماذا لو كان هو نفسه المصدوم المصعوق!؟وما مصير تمرده ؟إن معرفة مصير تمرده تتوقف على نوعية وجهة الصدمة أو الصعقة وإن “لو” الافتراضية تتحول الى حدث واقعي في “درويش” حيث نجد أن الشاعر في هذا النص مصدوماً ذاهلاً مبهوراً أمام مظهر حضاري متطور صناعياً .. إنه “ يخر صعقاً” ويسقط حزيناً وحماسة على أمة من رماد :لو دوى المصنع لم يهدر فمي بالكلمات أو جرى النهر لما أجريت فيض العبرات ولما مزقت بالاظفار أحشائي ولا بالكلماتدونك الآهات فاسمعها وخذ منها وهات***بين جنبي عنود مثخن القلب طعينهالجوى اللافح والآهات والشعر أنينههدهدوه بالرؤى تغمض على الشجو جفونهكل قول جهوري الصوت يسليه , يعينهثم يجعل من انبهاره بالتقنية وقوتها إشارة تدين المجتمع اليمني ونظامه وسريعاً ما يقوم بشخصنة التقنية و الآلة فيحولها الى رجل يستفز به أمته اليمنية والعربية والاسلامية :ودعوا المصنع والمدفع عنهم يتكلم من هذا السطر يبدأ تمرد الشاعر بشكل جديد هو النقد بل التمرد في صوغ نقدي ساخر ومرير.إن الضمير “هم” في عنهم ... تعود الى هناك .. الى المجتمع اليمني بل الى أبعد .. الى الامة العربية والاسلامية .رجل الفولاذ كالفولاذ لا يشكو جوى لا يتألم ليختزل المقارنة بين حضارة عملية “ الغرب” وبين حضارة كلامية ساكنة “العرب”:وإذا ما نطقت كف امرئ فالحرف أعجم ويسخر جارحاً العرب:وحدوه .. فلقد أفلح من صلى وسلم ***وهاهو يميل ويتجه الى فاتنة مادحاً :أوشكت جذوتنا ياصاحبي أن تخمداغننا لحناً حماسياً يهز الجلمدا..هاته رفضاً متى ما شئت أو قل مابداأنت يا منشد لولا أنت متنا كمدا***وبعد ذلك الميل الى رجل الفولاذ ويدعوه صاحبه - وهي دعوى ليست صادقة تماماً بل إعجاب - يمعن في نقد شديد للثقافة الدينية المهيمنة على اليمنيين نظاماً وشعباً - لا يقتصر عليها - بل إن الشاعر يتخذ موقفاً مناهضاً لتلك الثقافة الساكنة تماماً إلاّ من أصوات!!:الدجى يسكب في الاذان ألحان الصوامعوالكرى يمزج بالفتنة أحلام المضاجع.. لا شراع يرعش الماء , ولا همس مزارعفاطمئني ياخفافيش ونقي ياضفادع***ويوضح تلك السكونية الحضارية بنفي ما يجب على الأمة فعله:ليس منا كل من مد الى الارض يدا[c1] *** [/c]ليس منا كل من فكر أن يبني غداويسخر :كلنا في ملكوت الله نطوي الابدا[c1] *** [/c]كم قطعنا - دون أن نرفع رجلا- فدفداوينقد سكونيتنا الفكرية المتحركة “صوتيا” والتي جعلتنا مجتمعاً خارج العصر:ما ترانا كيف نهتز فتهتز المنابر وترى الشارع بالنشوة كالبركان ثائرنحن فجرناه وجداناً أكفا وحناجرنفحات قدسيات واحلام مشاعر *** [c1]الهوامش : [/c](1) تجدر الإشارة هنا إلى أن الكاتب يروي ولأول مرة أو حالة يتم لثنائية فيها أن تقترب من بعضها إلى بعض وتتداخل كما حدث مع ثنائية الفكرة/الأسلوب،الشكل/المضمون،المفهوم/ الواقع..في شعر الحضراني الذي سيلاحظ القارئ تداخلاً،لا تعاقبا،في قراءة النصوص لتلك الشروط.كما يجب ألا ننسى أن شروط أو قيم ومفاهيم الشاعر بحيث هو ذلك الإنسان السائل الحائر الرافض المتمرد والثائر ليس سواء تمزقات جديد،كونه- أيضاً- إنسان يشترط،أو إنه إنسان لأنه يشترط.(2) في كتابة(رحلة في الشعر اليمني...) يرى(البردوني) أن(الحظراني)- في ذلك النص الغزلي- قد- “لهث خلف(نزار) و(كامل الشناوي)(وأنه) برغم هذه(الأنأنة) و(النيزره) لم يستطيع إبراهيم اللحاق بـ(نزار).فأبياته الأربعة لا تساوي هذا البيت لـ(نزار): “أنا أنا بانفعالاتي وأخيلتي تراب نهديك قد حولته ذهبا”.