أفكار
ثمة عالمان عربيان كبيران يشتركان في الكنية والاسم والنسبة أو اللقب ، أما الأول وقد توفي قبل نهاية النصف الأول من القرن التاسع الميلادي بثلاث سنين وهو ( أبو عبد الله محمد بن موسى الخُوارزمي ) المؤسس الأول لعلم الحساب الذي ينعت بالأستاذ ، ويصفه “ الدكتور محمد عبد الرحمن مرحبا “ في كتابه “ الموجز في تاريخ العلوم عند العرب “ بأنه “ في المقدمة من أهل الحساب والرياضة في التاريخ الإنساني “ ويقول إنه “ يرجع الفضل إليه في وضع بحوث الحساب وضعاً علمياً ، وقد ألف كتاباً في الحساب كان الأول من نوعه من حيث الترتيب والمادة وقد ترجم إلى اللاتينية ،وكان أول كتاب دخل أوروبا في هذا العلم وبقى زمناً طويلاً مرجع العلماء والحاسبين ، ولا تزال صناعة الحساب عند الأوروبيين تسمى بنسبتها إلى هذا الرياضي العربي العظيم ، وقد صار بعدئذ لقبه “ الخوارزمي “ بحسب نطق الأوروبيين له ، مصطلحاً على اللوغاريتم أي عدد الأساس ، أو الأس الذي يرفع إليه الأساس لينتج ذلك العدد .ونحن نتداول هذا المصطلح بحسب نطق الأوروبيين له وهو “ اللوغاريتم “ ليكون بذلك بضاعتنا التي رُدَّتْ إلينا وللعلامة ( أبي عبد الله محمد بن موسى الخُوارزمي ) كتاب مشهور آخر هو ( الجبر والمقابلة ) فعُدَّ به المطلق الأول لاسم الجبر على هذا العلم وكما يقول “ الدكتور محمد عبد الرحمن مرحبا “ فإن هذا اللفظ “ الجبر” انتقل من العربية كما هو إلى جميع اللغات الأوروبية الحديثة دون تغيير أو تحوير في الإنجليزية والألمانية والإيطالية والفرنسية والروسية .وأما الثاني فهو ( أبو عبد الله محمد بن أحمد الخُوارزمي ) صاحب الكتاب الموسوعي الأول عند العرب في المصطلحات العلمية وهو ( مفاتيح العلوم ) الذي توفي قبل موفَّى القرن العاشر الميلادي بثلاث سنين ، وقد جاء تلبية لحاجة العرب في ذلك الوقت الذي عاش فيه كما يقول عنه “ الدكتور جودت فخر الدين “ إلى المصطلحات العلمية بعدما توسعت العلوم وتعددت الثقافات “ .ويقول “ أبو عبد الله محمد بن أحمد الخُوارزمي ) نفسه عن كتابه إنه “ أراد أن يكون جامعاً لمفاتيح العلوم وأوائل الصناعات ، متضمناً ما بين كل طبقة من العلماء من المواصفات والاصطلاحات التي خلت منها أو من جُلَّها الكتب الحاضرة لعلم اللغة “ .ولكن ، وبعد أن مضى نحو ألف عام على ما أنجزه هذان العالمان للعلم والحضارة الإنسانية ، هل أضفنا - نحن العرب - إلى ما حققاه من مكتشفات علمية أسهمت في رقي الإنسان في كل مكان ، وهل أفدنا منها مثلما أفاد الأوروبيون ؟ ، وهل تمثلنا بقول الشاعر القديم “المتوكل الليثي “ : ( نبني كما كانت أوائلنا / تبني ونفعل مثل ما فعلوا) إننا لم نبْنِ شيئاً ولا اقتدينا بهم فلم نفعل مثقال ذرة مما فعلوا ، وإنما بقينا - لا حراك بنا جامدين - نندبُ حظنا العاثر ونتغنى بالأمجاد ليس غير.