انشغلت الأوساط الكروية في البلدان التي خرجت منتخباتها مبكرا من مونديال ألمانيا 2006 في عملية إيجاد بدلاء للمدربين الذين أقيلوا أو استقالوا من مناصبهم.وعلى غرار ما نتج عن "حفلة التعيينات" التي أعقبت بطولة أمم أوروبا عام 2004 من مفاجآت عبر إسناد المهام التدريبية لبعض المنتخبات الكبرى إلى مدربين شبان تعوزهم الخبرة على الصعيد الدولي، أمثال الألماني يورغن كلينسمان والهولندي ماركو فان باستن، جاء تعيين الدولي البرازيلي السابق كارلوس دونغا مدربا لمنتخب بلاده ليكمل عقد العصر الجديد من المدربين الذين يحملون راية التغيير في كرة القدم العالمية.ولا يمكن اعتبار النزعة إلى تعيين مدربين شبان حالة جديدة، إذ عمدت بعض النوادي إلى إسناد مهمة التدريب إلى لاعبيها السابقين بعد اعتزالهم مباشرة، إلا أنه وعلى الصعيد الدولي درجت العادة أن تتجه الأنظار نحو أصحاب "الشعر الأبيض" نظرا إلى سجلاتهم السابقة وخبرتهم الطويلة التي من الممكن أن تجعلهم أكثر ثباتا وتبقيهم فترة أطول في مراكزهم.بيد أن الصورة الإيجابية التي ظهرت عليها منتخبات النخبة بقيادة الجيل الجديد، وخصوصا المنتخب الألماني ثالث المونديال، الذي انتشله كلينسمان من الحضيض بعد عامين على مأساة الخروج من الدور الأول لبطولة أمم أوروبا، دفعت بعض الاتحادات الوطنية إلى تجاهل عنصر نقص الخبرة التدريبية، فكان تعيين دونغا (42 عاما) في البرازيل وسلافن بيليتش (38 عاما) في كرواتيا، على حساب مدربين أكبر سنا طالتهم سابقا الانتقادات التي وصلت إلى حد السخرية بسبب خططهم الكلاسيكية وأفكارهم التقليدية معتبرين أنها مقتبسة من القرون الوسطى، حتى أن البعض تمادى في وصف هؤلاء المدربين وأعطاهم ألقابا مثل "الرجعيين" و"المحاربين القدامى".ولا يعد اسناد مهمة تدريب "السيليساو" إلى مدرب يفتقد الخبرة، التجربة الأولى من نوعها لأبطال العالم خمس مرات، إذ سبق أن تولى باولو روبرتو فالكاو تدريب المنتخب بين عامي 1990 و1991 لكن تجربته كانت فاشلة.من هنا، يأمل دونغا في قضاء أوقات مثمرة، وهذا الأمر ليس بعيد المنال كونه يدرك أن بإمكانه تعويض نقص الخبرة بمعرفة التعامل مع اللاعبين، لأن الضغوط تزايدت في أوساط كرة القدم الحديثة، ووجود مدرب عاصر الأوضاع الجديدة يجعله متفهما أكثر لعقلية اللاعبين خصوصا الصاعدين منهم، وربما كانت هذه النقطة سببا في تفضيل الاتحاد البرازيلي للمدرب الجديد على المرشحين الآخرين أصحاب الخبرة، وأبرزهم فاندرلي لوكسمبورغو الذي درب البرازيل بين عامي 1998 و2000 من دون تحقيق النتائج المرجوة، وباولو أوتوري الذي لقي الخيبة مع منتخب البيرو في العامين الماضيين.إلا أن قائد المنتخب الفائز بكأس العالم عام 1994، يقف اليوم أمام مفترق حقيقي في تاريخ الكرة البرازيلية بعدما استلم الراية من مدربه السابق كارلوس ألبرتو باريرا الذي كان على رأس المنتخب الذهبي في مونديال الولايات المتحدة.ويفترض على دونغا إعادة الهيبة إلى المنتخب البرازيلي بعدما فقد لمعانه في مونديال ألمانيا الذي دخله بهالة لا مثيل لها بصفته أبرز المرشحين للظفر باللقب، حتى جاءت الخسارة أمام فرنسا في الدور ربع النهائي (صفر-1) لتتنازل البرازيل عن عرش السيطرة على عالم الكرة وتدخل دوامة المستقبل المجهول.وتبدو الخطوة الأولى التي وعد بها دونغا في مكانها، مؤكدا إدخال بعض الوجوه الجديدة على تشكيلته في اختباره الأول أمام النروج في 16 آب/أغسطس المقبل في اوسلو، وهو يكون قد سار بعكس تيار باريرا الذي أغلق الباب أمام دخول وجوه جديدة قبل أكثر من سنة، رافضا منح الفرصة إلى كم هائل من اللاعبين المتألقين على الصعيد المحلي.لكن السؤال الذي يطرح نفسه حول ما إذا كانت هذه الوجوه ستأخذ أماكن بعض اللاعبين الرموز أمثال المهاجم رونالدو الذي تردد في شكل مفاجئ إمكانية استبعاد دونغا له أثناء حملة "التطهير" التي سيقوم بها، وهذه القضية مطروحة بقوة في الشارع البرازيلي.مما يؤهل دونغا للنجاح في مسعاه أنه خبر الخيبة والمجد في آن معا أثناء تمثيله البرازيل على الصعيد الدولي، إذ لا يمكن نسيان أنه أصبح"كبش فداء" إثر خروج منتخب بلاده من الدور الثاني لمونديال ايطاليا عام 1990، فوجهت إليه التهم بسبب طريقة لعبه الأقرب إلى الأسلوب الأوروبي عبر اعتماده على بنيته الجسدية القوية عوضا عن الفنيات التي اشتهر بها ابناء "بلاد السامبا".وعلى الرغم من تخوف البعض من عودة "حقبة دونغا" عبر إدخاله الفلسفة الأوروبية المختلفة نسبيا عن نظيرتها البرازيلية، وخصوصا أنه قضى سنوات طويلة في القارة العجوز (لعب مع أندية بيزا وفيورنتينا وبيسكارا الإيطالية وشتوتغارت الألماني)، وينحدر من جذور إيطالية وألمانية (اسمه الحقيقي كارلوس كايتانو بليدورن فيري)، فإن الروح القتالية التي أطلقت شهرته قد تفيد إلى حد كبير المنتخب الذي افتقد في العرس العالمي الأخير إلى الإصرار والحماسة على رغم وفرة العناصر من النوعية النادرة ضمن صفوفه.ولا يخفى أن الروح القتالية والقيادية أعادت "المحارب" بقوة عام 1994 بصفته القائد المميز بتمريراته المتقنة وتسديداته البعيدة المدى البالغة الدقة، ليسجل ركلة الترجيح الثالثة في المباراة النهائية أمام إيطاليا قبل أن يرفع كأس البطولة.وتكمن أهمية هذه النقطة أن دونغا الذي رفض عام 2000 خلافة لوكسمبورغو بسبب الشبهات التي ثارت حول الاتحاد البرازيلي، لم يبق يوما أسير الماضي متخطيا ردود الفعل السلبية التي أطلت برأسها من جديد عند تعيينه مدربا، وذلك من قبل معارضي الحداثة أمثال الحارس والمدرب السابق إيمرسون لياو الذي أبدى عدم رضاه على تعيين دونغا مدربا للبرازيل قائلا: "أفضل أن أبقى صامتا في حالات مماثلة".
أخبار متعلقة