العنوسة.. أسباب وملابسات!! (2-1)
إعداد/ محمد فؤادتختلف الأسباب، وتتعدد العوامل التي تؤدى وتساعد على انتشار ظاهرة العنوسة، وتصب كلها في بوتقة البعد عن ديننا الحنيف، أو جهلنا ببعض أحكامه، أو سوء فهمنا للحكم- الساهية وراء الأوامر والنواهي التي يأمرنا بها الله- عز وجل- وتوضحها لنا السنة الكريمة، فكلما زاد اقترابنا وتمسكنا بتعاليم ديننا الحنيف إيمانا قولا وفعلا كان في ذلك النجاة من الوقوع في أزمات ومشكلات الحياة المعاصرة بتطوراتها السريعة المتلاحقة.ومن الأسباب التي تقف وراء ظاهرة العنوسة:-1 عضل النساء. أي منع المرأة من الزواج يكفئها فإذا تقدم لها خاطب كفء منعت منه إما من قبل وليها أو لتدخل قصار النظر من النساء والسفهاء بحجج فاسدة كالقول بأن الخاطب كبير السن أو فقير أو متدين متشدد. وبهذا تهدر المصالح، وتضيع المسئولية، وتحرم المرأة من حقها الشرعي في الزواج في الوقت المناسب، وتفقد دورها الفعال في المجتمع بتكوين تشارك في مسؤوليته، وتنشئة جيل يعتمد عليه.. ومما يزيد المشكلة رفض ولي الأمر تزويج الفتاة بوضعه شروطا تعجيزيةفي المهر والمتطلبات التي ينوء بحملها أي شاب في العمر، أو طمعه في راتب الفتاة فيختلق الأسباب لرفض الزواج متناسيا بذلك قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: « إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ))وفي منع المرأة من الزواج يكفئها ثلاث جنايات: جناية الولي على نفسه بمعصيته الله ورسوله، وجناية على المرأة حيث منعها من كفئها وفوت عليها فرصة الزواج الذي هو عين مصلحتها، وجناية على الخاطب حيث منعه من حق أمر الشارع بإعطائه إياه، ومثل هذا الولي تسقط ولايته على المرأة وتنتقل إلى من هو أصلح منه ولاية عليها، بل إذا تكرر هذا العضل منه صار فاسقا ناقص الإيمان والدين لا تقبل شهادته على رأي جمع من العلماء، كما أن الولي قد يمنع تزويج الفتاة بحجة أن لها أختا أكبر منها، والنتيجة أن تعنس الاثنتان أو يرفض تزويجها بجعلها خادمة لإخوانها الذكور، ولا يسمح لها بالزواج إلا بعد أن يتزوج الأبناء، ولا يوجد دليل شرعي على ذلك أو على مراعاة الترتيب في الزواج.-2 ومن معوقات الزواج وسبب تأخيره رفع المهور وجعلها محلا للمفاخرة والمتاجرة لا لشيء إلا لملء المجالس بالتحدث عن ضخامة هذا المهر دون تفكير في عواقب ذلك، ولا يعلمون أنهم قد سنوا في الإسلام سنة سيئة عليهم وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، وأنهم حملوا الناس عنتا ومشقة يوجبان سخطهم عليهم وسخريتهم منهم، وإن ضخامة المهر تسبب كراهة الزوج لزوجته، وتبرمه منها عند أدنى سبب وإن سهولة المهر تسبب الوفاق والمحبة بين الزوجين وبها يوجد البركة في الزواج.-3 ومن الأمور التي نفرت من الزواج تلك المعوقات التي ابتدعها الناس وتمادوا فيها حتى أثقلت كاهل الزوج من تكاليف باهظة لشراء مصاغات وأقمشة، والمبالغة في تأثيث المنزل، والإسراف في إقامة الولائم، وضياع الأموال هدرا، ومنها أيضا إقامة الحفلات في الفنادق وقصور الأفراح ، وما يتبع ذلك من قضاء ما يسمونه»شهر العسل ، ويصبح الزوج مكبلا بقيد من الديون الثقيلة التي تمتد سنوات وسنوات.وتعد هذه المعوقات التي تقف حائلا أمام الزواج من أسباب عزوف الشباب عن الزواج، وتأخير سن الزواج، وتأيم كثير من الفتيات، وتفشي ظاهرة العنوسة وما يتبعها من آثار سلبية على الأسرة والمجتمع ككل، وتلك العوائق من جانب ولي أمر الفتاة وهو أحد أطراف القضية التي تشمل ولي الأمر، الأم، الفتاة، الشاب، وهم أطراف عملية الزواج أو العزوف عنه. فولي الأمر يجب أن يحافظ على الأمانة التي حملها من فوق سبع سماوات، وأن يتقي الله في أولاده جميعا ولا يفرق في المعاملة بين الذكور والإناث كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم «. رواه البخاري ومسلم. والأنثى أحق بالشفقة والرحمة حيث إن عصمتها بيد ولي أمرها.وبعض الآباء يكونون سببا في عنوسة الفتاة بأن يقول: بنتي لولد عمها، والبنت لا تريد ولد عمها، ويفرضه عليها، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «لا تنكح الأيم حتى تستأ مر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت «. رواه مسلم.وهو ما يسمى عند بعض القبائل «بالتحجير» ويعد هضما لكرامة المرأة التي عززها الإسلام ورفع مكانتها.كما أن بعض الآباء يشترط نسبا معينا «أو بلدا معينة» ويرد كثيرا من الخطاب بحجة أنهم أقل منهم نسبا أو ليس من قبيلته، أو من بلده على الرغم من أن المعيار هو التقوى والدين كما قال تعالى: {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (سورة الحجرات، الآية:13).ولقد تزوج عليه الصلاة والسلام من زينب بعد أن طلقها مولاه زيد بن حارثة، كما زوج محمد عليه الصلاة والسلام فاطمة بنت قيس لأسامة، وتزوج المصطفى الكريم من صفية بنت حيي بن أخطب وكانت ابنة يهودي. كما أن بعض الآباء يشترطون شروطا شكلية ربما لا يستطيع الشاب تحقيقها مثل أن يكون لديه سيارة، أو تكون معه شهادة مثل شهادة البنت أو أعلى، أو عنده سائق أو خادمة، أو يكون له منزل بمفرده بمواصفات معينة وغيرها من الأمور التي تؤدي إلى العنوسة.أما الطرف الثاني فهو الأم ودورها العظيم حيث تقع عليها مسئولية تربية بناتها وفق التعاليم الدينية السمحة مستنيرة في ذلك بالأحاديث النبوية الشريفة، وعليها أن تغرس في نفوسهم أثناء التربية الحب والدين، أما المال فليس شرطا فهو يأتي ويذهب بالإضافة إلى التحلي بالصبر والآداب العامة، والاهتمام بالثقافة والعلم، والاعتماد على النفس في شؤون المنزل والحياة العامة ومواجهة المشاكل والعمل على حلها بالصبر والأناة وعدم الاعتماد على الخدم كلية وأن تقنع بالقليل، فالسعادة وراحة البال لا تتحققان بالمال والمظاهر الشكلية، ولكن بالخلق والدين والإيثار والقناعة والود والرحمة.وعلى الأم ألا تختلق العوائق والشروط التعجيزية أمام زواج الفتاة أو الشاب، فالاعتدال مطلوب في كل شيء من الناحية الجمالية والمادية، والمظاهر الشكلية، بما في ذلك مظاهر التفاخر والتباهي بأشياء لا تغني ولا تسمن من جوع، فالعبرة بالدين والأخلاق والسلوك السوي والاستقامة، فالتيسير مطلوب، قال عليه الصلاة والسلام: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا».أما الطرف الثالث فهو الفتاة، وعلى هذا الطرف تقع المسئولية للنهوض بمستواها الثقافي والجمالي، جمال الأخلاق، وجمال الخلق، فالأخلاق تتمثل في الاحتشام، والمحافظة، والنظر للبعيد والقادم من الأيام كما أدق عليها أن تتعلم المهارات المنزلية، وتزن الأمور بالعقل قبل العاطفة و ألا تغالي في الصفات المطلوبة والصورة الخيالية لفارس الأحلام، فالكمال لله وحده، ولا يوجد إنسان تتوافر فيه كل الصفات الشكلية والجوهرية من دين وخلق والتزام، وألا تجعل هذه الرغبات الخيالية وغير المنطقية عقبة أمامها تحولها مع مرور الأيام إلى عانس برفضها كل خاطب لا تنطبق عليه هذه الأوهام وتكابر حتى يلحقها قطار العنوسة الذبول والندم.