سلوى اللوباني زهرة الخشخاش أحدث أعمال الكاتب المصري خيري شلبي، صادرة عن دار الشروق لعام 2005، نشرت بعض مقتطفات منها في بعض الصحف وأثارت ضجة كبيرة، تناولت الرواية أحداث تقع بين فترة الحرب العالمية وثورة 52، تدور حول الشاب "بهاء" وتعرضه لعالم غريب، فمن خلال صداقاته وعمله في الاسكندرية التي انتقل اليها تاركاُ بلدته الصغيرة وعائلته، يرى عالماً ملئ بالعلاقات الغريبة، والصفقات السياسية والتجارية، والغش التجاري، وجمعيات يهودية ومنشورات صهيونية، وعالم الغرز والحشيش والمخدرات بانواعها، الرواية مثيرة مليئة بالاحداث على مدى 500 صفحة، تنقل القارئ الى تجارب غير معتادة باسلوب سلس وبسيط.بهاء ووالدهوالده شاعر سياسي ومثقف واع بالتاريخ، جعبته التربوية مليئة بالكثير مما يريد زرعه في قلب وعقل بهاء قبل أن يغادره للدراسة والعمل عند "عنتر بك الشماشرجي"، فكل ما ادخره من معلومات وقيم تربوية وأخلاقية يريد تزويده بها، تزويده باكبر قدر من المعلومات والمعارف، كان ينتهز الفرص ليفتح مع بهاء اي موضوع أو امر من الامور التي قد تعترضه في الدراسة أو تصادفه في العمل، بهاء اعتبر نصائح والده له "كالفيتامينات".بهاء وغرز الحشيشغرز الحشيش التي عرفه عليها صديقه حمادة بعد انتقاله الى الاسكندرية، حمادة التي كانت سيجارة الحشيش رفيقه وغرز الحشيش مكانه المحبب، فبنظره الحشيش لا يؤدي الى الادمان كالخمر والافيون، غرز الحشيش التي كانت مباني قديمة من العصر المملوكي تضم تكية ومكانا للصوفية ومعهداً لدراسة القرآن الكريم ومساكن للطلبة، فجار عليها الزمن وأصبحت الان غرزة للحشاشين... "الغرزة ساحرة... عبارة عن كهف ضيق مظلم لا يغري بالدخول اليه على الاطلاق، لكنك ما ان تدخله حتى تراك منجذبا كأن مغناطيساً يجذبك بقوة لتمشي وسط الظلام في سكة لولبية لا تتسع الا لجسدين".بهاء وحمادة لقاءات بهاء وحمادة تؤرخ لمراحل من حياتهم، فكل لقاء بينهما كان حمادة يقص على بهاء حكايته العجيبة مع والده ووالدته، صديقه حمادة الوحيد في البر المصري كله وربما في العالم يحمل شخصيتين باسمين مختلفين، في كل البيانات في سجلات الحكومة لكل منهما بطاقة شخصية خاصة بحيث يستطيع ان يرث خاله يوسف القططي وأباه هاني بك معا بشرع القانون، فوالدته قيدت اسمه في السجلات بعد ولادته باسم أخوها تحت اسم يوسف، ووالده قيده باسمه تحت اسم أحمد، فهو يحمل اسمين وديانتين وهما اليهودية والاسلام، يتحدث حمادة عن والديه بعمق الى حد الفناء في شخصيتهما، واحيانا يتكلم عن امه مثلما يتحدث العاشق عن معشوقته الوحيدة في الحياة، واحيانا اخرى يلعنها باعتبارها مجردة من مشاعر الامومة بل من كل المشاعر الانسانية، يتحدث عن ابيه باعتباره الاب الرحيم الحنون، وبعد برهة يعتبره من انذل خلق الله، فهو طفل كان في حضانة ام ممرورة من الاب كارهة لذكراه، انساقت وراء رغبتها العنيدة في الكيد لطليقها فاكثرت من اقامة الحفلات التي في نهايتها تستقبل بعض الرجال في مخدعها تحت سمع وبصر الطفل التعيس، فمسحت من ذاكرته صورة الام، ووضعت بدلا منها صورة الانثى المثيرة.. "لا احترم والدتي هي التي قضت على امومتها في نفسي ولفتت نظري الى المرأة فيها"، وخيوط الامومة انقطعت بينه وبين والدته منذ ان القت به في حضن زوجة خاله وانصرفت الى حياتها، زوجة خاله التي لا مانع لديها من انفاق كل اموالها على الجمعيات اليهودية وفقراء اليهود اليمنيين والمصريين، فأصبح حمادة يتعاطف مع ايتام الشوارع لا يجد فرق بينه وبينهم، ويروي لبهاء قصص وحكايا حول مساعدة والدته وجدته للجمعيات اليهودية، فأم والدته يهودية ايطالية بينما أم خاله يوسف يهودية مصرية، كانت جدته وامه يقومان بنشاط مكثف لتشجيع فكرة الوطن اليهودي ويدفعون اموالا طائلة لشراء بيوت الفلسطينين ويرحلونهم الى البلاد العربية، يقومون بجمع التبرعات من رجال الاعمال اليهود والاثرياء. بهاء والثنائيالثنائي مصطفى عبد العزيز(مسلم) و توني رزق (يهودي من مواليد حوش النجار في الاسكنرية) وهما ليسا مجرد اصدقاء فحسب بل انهما في الواقع شخص واحد ولكن من صورتين متباينتين.."لم أر في حياتي اتحاداً بين شخصيتين الى هذا الحد.. ان الخاطرة تلمع في عيني احدهما فسرعان ما تصير فكرة في دماغ الاخر"، الاتصال بينهما روحي وسحري، كان هذا الثنائي يتحكم ببضائع السوق ليستفيدوا من بيعها بثمن اعلى من المعتاد، ومن خلال عمله مع هذا الثنائي كانت الخواطر المقلقة تداهمه وتنذره بالسوء ان بقي واقعاً تحت تأثيرهما، فهو يمكن أن ينسى دراسته وكليته وينسى أهله، اي يصبح في مهب الريح، كان مصطفى يجذبه بقانونه..."الحياة تبدو غاية في السهولة والسلاسة شرط ان يتعلم الانسان لغة الاسواق، مفردات الاشياء، اختراق السكك الى امعاء المسؤولين بجميع مستوياتهم بجميع الاشكال المبتكرة، يمكن ان تصبح مليونيراً في ساعات معدودة"، قانون مصطفى ان تكون فاهماً لمنطق الحياة العملية خبيرا بدروبها، ومن خلال العمل معهما اكتشف عالم المال والتجارة، ان اليهود يمتلكون معظمه في مصر (في ذلك الوقت)، فمصانع عنتر بك لا يملك فيها سوى نسبة 35 وبقية الاسهم في شركته لعائلات يهودية مثل ال موصيري، ال كورييل، وان كل المصانع والشركات في مصر لا تخلو من المال او العقل اليهودي، بنك مصر ساهموا في تأسيسه وشاركوا في مجلس ادارته، وكيف وضح له الثنائي مصطفى وتوني ان اليهود المصريون مرحب بهم اما اليهود الطلاينة والروس والبلغار والمجريون فانهم خبراء ابتزاز وتهريب. بهاء وسوق العملاشتهر في السوق العام وخاصة في حي سوق السمك، اكتسب شهرة بانه مورد بضائع وتنوعت المجالات التي عمل بها ونال خبرة وافية، مجال المنسوجات، مجال الحدايد، مجال البقالة، كان دفتر توفيره يمده بآمال عريضة في الانفاق على دراسة جامعية وتاجير مسكن في حي راق وبناء مكتبة منزلية غنية كمكتبة عمه اسماعيل... "دفتر التوفير كان بيعث الاطمئنان الى نفسي... ولذة عميقة كلما أعدت الحوالة الى والدي نظراً لعدم حاجتي لها، ومن ثم بدأت ارسل لوالدي حوالات بريدية بمبالغ لا بأس بها، ولكنه كان يعيد ارسالها لي طالباً مني التوفير لنفسي"، واجبر أعمامه بوقف الهبات المالية التي كانوا يمدونه بها، الى أن اضطر الى سحب اخر رصيد لديه فالسوق كالبحر قلاب، ففي تلك الفترة كانت الاضطرابات تعم البلد، المجتمع الطلابي يمور بثورة عارمة ضد الانجليز والقصر والاحزاب والاساتذة، وتناحر وتصادم بين طلبة الاخوان المسلمين وطلبة الوفد والطلبة الماركسين والاشتراكيين والليبراليين، يفجرون قضايا عديدة منها قضية الاسلحة الفاسدة التي وزعت على جنود مصر ليحاربوا بها اسرائيل في حرب 48 فارتدت عليهم هم بدلا من ان تقتل العدو، وتنديدات بقتل حسن البنا، واعمال عنف وتخريب.بهاء والشماشرجيةانتشرت اشاعة عن قيام ثورة شيوعية قريباً في مصر، فسارع الشماشرجية بتهريب اموالهم الى الخارج، وبالفعل قامت ثورة ولكنها ثورة الضباط الاحرار عام 52، وانكمش العمل الى حدود ضيقة الى ان أصبح الشماشرجية والعاملين معهم بدون عمل، فاهتدى عنتر بك الى تأسيس شركة الغزل والنسيج والصباغة وهي شركة مساهمة مصرية... "الشمارجية وامثالهم لهم العذر في ان يفعلوا كل الموبقات ليبقوا ابد الدهر أسياداً، يملكون الثروة والسلطة ورغد العيش، تكونت ثروتهم في الاصل من تهريب البضائع والسلع الحيوية أثناء الحرب العالمية وتخزينها للبيع في السوق السوداء"، كان بهاء مبهورا بقوتهم ومالهم ونفوذهم الى أن اكتشف عملهم بتهريب المخدرات وتوريطه به.بهاء وعمه اسماعيل:عمه اسماعيل كان اقرب الناس الى قلبه وعقله ونفسه، يستمتع معه بالمناقشات الفلسفية الادبية العلمية السياسية، يروي عطشه الى المعرفة، ويوقظ في اعماقه ميولا فلسفية مثيرة مشرقة، بدأ بهاء مشواره برفقة والده وانتهى برفقة عمه اسماعيل بعد أن.....رواية تستحق أن تُقرأ...ليتعرف القارئ على مصير بهاء بعد هذه التجارب والعوالم الغريبة.
|
ثقافة
خيري شلبي وزهرة الخشخاش
أخبار متعلقة