محمد نوّار مدير مركز (رامتان) الثقافي في القاهرة :
أجرت اللقاء في القاهرة : نادرة عبد القدوس / تصوير : أسامة عبد الجليل كنت على موعد بمدير مركز طه حسين الثقافي بعد أن حدثني عنه الكاتب والصحفي خالد محمد غازي الذي التقيته في مكتبه بوكالة الصحافة العربية التي يرأس مجلس إدارتها ،و ما يمثله المركز من أهمية ثقافية متميزة في مصر . و قبل الموعد بساعة كنت انتظر الأخ محمد نوّار بدار جهاد للنشر والتوزيع الذي يملكه منذ أربعة عشر عاماً . كنت أخشى أن يمر الوقت وأنا في طريقي إليه ، فالقاهرة مدينة لا تنام ، ومزدحمة دوماً فيتسرب الزمن منك دون أن تحقق نصف مبتغاك،فكيف لو كان موعدي مع ضيفي الواحدة بعد الظهر ؟! أي في ذروة الازدحام ، وكيف الحال أيضاً لو كنت لا تعرف شوارع القاهرة الداخلية والفرعية ؟! إذ تجد نفسك ساعتها تخرج من شارع إلى شارع آخر ومن زقاق إلى زقاق ، وربما تقودك قدماك للمكان الذي تنشده ، لكنك لا تلحظه وتظل هكذا تلف حوله حتى يهديك الله إليه .. وهذا ما حدث لي في هذه المدينة الساحرة .. [c1]قبل الموعد المحدد [/c]وبعد نصف ساعة رن جرس الباب ، قامت لتفتحه إحدى الموظفات في الدار التي كانت قد ضيفتني بفنجان من الشاي المطبوخ بالطريقة المصرية . كان هو الكاتب و الصحفي والناشر محمد نوّار صاحب أبحاث ودراسات عدة نشرت في كتب عن عدد من دور النشر منها الهيئة المصرية العامة للكتاب التي قامت بطباعة ونشر كتابه الموسوم " إبداعات المرأة المصرية " المقدم من مكتبة الأسرة ضمن سلسلة الفنون برعاية السيدة سوزان مبارك صاحبة وراعية فكرة القراءة للجميع التي تحظى في مصر العربية بالكثير من الاهتمام الحكومي والشعبي . والكتاب يتحدث عن نماذج من الفنانات التشكيليات المصريات المنتميات إلى أجيال مختلفة ، نرجئ عرضه إلى أيام أُخرى . كما للأخ نوّار خبرة طويلة في العمل الصحفي في بلده مصر وفي سلطنة عمان حيث انتدب للعمل هناك للاستفادة من خبراته في الإخراج الصحفي . [c1]مدرسة "رامـتان" [/c]من لا يعرف "رامتان" عميد الأدب المصري د. طه حسين ؟ وهي التسمية التي أطلقها على فيلته التي انتقل إليها مع زوجته سوزان عام 1955م ، الكائنة في منطقة الهرم بالقاهرة . وقد اشترتها وزارة الثقافة المصرية من ورثته بثمن زهيد لتغدو متحفاً يؤمه الزوار من كل أصقاع الدنيا ، ليروا عن كثب متعلقات الأديب الراحل وكتبه التي يربو عددها عن الثلاثة آلاف كتاب ، ويستشعروا خطواته المتأنية في كل الأرجاء ، ويتمتعوا بأجمل الأوقات في الركن الذي كان يحب الجلوس فيه وينعم برائحة حشائش وأشجار حديقته الخضراء المحيطة بالفيلا ، وتشنف آذانه إلى صوت الكروان .. كان هذا المكان من أحب الأمكنة في سكن الأديب الضرير الذي أمتعنا بمؤلفاته . ورامه هو مكان لاستراحة المسافر في البادية ، وقد قرر الأديب الراحل أن يكون له سكن ولإبنه مؤنس سكن فأسماهما معاً رامتان أي رامه له ورامه لابنه . وما هي مدرسة رامتان إذاً ؟ أما هذه فهي تسمية أطلقتها صحيفة الأهرام المصرية قبل عام تقريباً على مركز طه حسين الثقافي الكائن في حرم الفيلا التي تقترب أعمال الترميمات والصيانة لها من الانتهاء استعداداً لاستقبال الزوار، ذلك أن المركز يلعب دوراً ثقافياً تنويرياً وتربوياً في ذات الوقت . وللتعرف على دور هذا الصرح الثقافي وما يمثله من أهمية في المجتمع المصري كان هذا اللقاء بالأخ محمد نوّار الذي أطلق اسم "رامتان" على المركز الثقافي عام 1996م حين عُهِد إليه إدارته من قبل وزارة الثقافة المصرية بعد الانتهاء من بنائه ، وذلك تيمناً بـ"رامتان" طه حسين ، وخشية من اندثار كلمة "رامتان" من الذاكرة ، كما أخبرني ، وحباً كذلك لهذا الأديب التنويري الذي بذل جل جهوده وتحدى معارضيه من أجل الحركة التنويرية في مصر والتي بدأها بالتعليم .[c1]استراتيجية جديدة للمركز[/c]يقول الأخ محمد نوّار : " في بداية قيادتي للمركز ، والذي تم بناؤه حديثاً ، كان لابد من إعداد المطبوعات والمطويات والكتب التي تتحدث عن الأديب الراحل طه حسين .. إضافة إلى وضع استراتيجية خاصة جديدة .. يمكن العمل بها طوال عشرين عاماً ، وحالياً نقوم بتنفيذ الكثير منها . ومن الأفكار التي وضعتها ولم تنفذ هي تحويل أعمال الدكتور طه حسين إلى مقطوعات موسيقية أي تسمية كل قطعة موسيقية باسم عمل من أعمال الأديب الراحل الأدبية الإبداعية ، على أن تُقدَم دعوة للشباب المتخصص في الموسيقى للمشاركة في مسابقة لاختيار أفضل عمل موسيقي يتناسب مع أعمال الأديب الراحل الإبداعية ، والغرض من ذلك خلق حالة إبداعية بين الشباب والدفع إلى الابتكار . . كما أننا ننفذ حالياً مسابقة طه حسين السنوية للشباب في مجال القصة القصيرة والشعر والدراسات النقدية، والأخيرة نربطها دائماً بعميد الأدب د. طه حسين ، ومنذ ثمان سنوات حتى اليوم قدم العديد من الشباب دراسات نقدية قيّمة عن أعماله ماعدا الدورة الأخيرة الاستثنائية حيث تم اختيار ـ بمقترح مني ـ عميد الرواية العربية نجيب محفوظ ليكون مادة المسابقة في الدراسات النقدية بين الشباب وقد أردت من هذا أن يكون بمثابة التكريم من "رامتان" عميد الأدب العربي لعميد الرواية العربية ". [c1]* وهل تنشر أعمال الشباب الفائزة؟ [/c]- نعم تنشر .. وقد تبنت الهيئة العامة للكتاب طباعة ونشر أشعار الشباب الفائزين في كتب تقوم هي بإصدارها ، إضافة إلى تقديم جوائز نقدية وشهادة تقدير وميدالية . والميزة في هذه المسابقات أن مركز رامتان قدم للساحة الأدبية أسماء جديدة منها مثلاً صفاء النجار الروائية الزاحفة إلى القمة هذه الأيام . وبالمناسبة من الفائزين أيضاً شابة سعودية وآخر عراقي وذلك في سنوات ماضية .. [c1]* وهل هذه المسابقة يتم الإعلان عنها على المستوى العربي ؟ [/c]- لا .. فهي داخلية في إطار جمهورية مصر .. وهؤلاء الشباب العرب كانوا يقيمون في مصر. * ولماذا لا يتم الإعلان عنها عبر وسائل الاتصال المختلفة ومنها ( الإنترنت ) حتى يطلع عليها الشباب العربي في كل مكان ويتسنى له المشاركة ؟ أليس ذلك أفضل ؟ - سؤالك مهم جداً وفيه الكثير من الصحة .. فالمسابقة لم تأخذ حقها كاملاً من الدعاية الواسعة .. وقد برزت لدي فكرة لتنظيم ملتقى للشباب العربي وذلك في الذكرى العشرين لوفاة الأديب طه حسين .. عسى أن يتحقق . [c1]مواسم ثقافية [/c]* وما هي الأنشطة الأخرى التي يقدمها مركز رامتان الثقافي غير المسابقات الفكرية والأدبية ؟ - لدينا مواسم ثقافية متمثلة بالندوات والملتقيات الثقافية والفنية والفكرية والأدبية كل يوم أحد ، وقد بلغت حوالي ثلاثة وعشرين موسماً ثقافياً يشارك فيها كبار العلماء والمفكرين والمثقفين والفنانين والسياسيين .. فمثلاً نظمنا موسماً كاملاً عن طه حسين فقط تضمن تقريباً إحدى عشرة ندوة .. كما نظمنا موسماً آخر عن العولمة .. ولأول مرة في الوطن العربي تتم مناقشة مفهوم العولمة وتأثيراتها على المجتمعات العربية في مركز رامتان ، كان ذلك عام 1997م .. إذ لم يكن مفهوم العولمة يناقش بعد في أي منطقة عربية بهذه الصورة، وقد نظمت له تسع ندوات متتالية . وقد ناقشنا الكثير من القضايا في مختلف المجالات حتى العلمية منها. وهذا الموسم ننظم ندوات المتابعة النقدية لدراميات رمضان في دورتها التاسعة ، التي تتم فيها مناقشة أبطال ومؤلفي ومخرجي المسلسلات والأفلام العربية التي لها رجع الصدى في المجتمع (مقدماً لي دعوة للحضور إلى ندوة الأحد حيث تكرس لمناقشة أبطال ومؤلف ومخرج ومنتج مسلسل الدالي الذي عُرض في شهر رمضان هذا العام ) الهدف منها إشراك الجمهور في الحوار الهادئ والتعبير عن رأيه في الأعمال الفنية التي تعرض على الشاشة وفي الممثلين والكتاب والمخرجين والمنتجين وكل ما يتعلق بالعمل الفني.. كما أن الهدف الآخر من عقد هذه الندوات تعزيز الشعور لدى الفنان بأنه واحد من الناس وأنه محاسب أمام الآخرين على ما يقدمه لهم من فن .. وقد حدث أن غضبت يسرى الأسبوع الماضي من نقد الجمهور لها في الندوة التي نُظمت لمناقشة مسلسل قضية رأي عام الذي عرض أيضاً في رمضان .. لأنها اعتادت على مجاملة الناس والتصفيق لها حيثما حلت ، وفوجئَت ببعض الأسئلة غير التي توقعتها .
[c1]رسالة المركز الإنسانية والاهتمام بإبداعات الأطفال[/c]- ما هي الرسالة التي يحملها مركز رامتان من خلال نشاطاته المختلفة ؟ المركز يحمل رسالة إنسانية عميقة ولا نستثني فيما نقدمه أهم قضية في وطننا العربي ، القضية الأم ، وهي القضية الفلسطينية .. فنحن ننظم الكثير من الندوات التي تكرس عن الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني . ذكر محدثي في سياق تناوله لنشاطات المركز اهتمام إدارة المركز بالأطفال من خلال تنظيم ورش عمل إبداعية لهم تساعدهم على الخلق والابتكار وذلك أثناء الأجازات المدرسية الصيفية ، وتشمل هذه الورش التدريبية والتعليمية فن الرسم والأشغال اليدوية والقراءة والخط العربي والموسيقى والغناء وإلقاء الشعر، وذلك تحت إشراف كوادر متخصصة .. إضافة إلى تنظيم الرحلات المجانية إلى متاحف ومعارض الفنون التشكيلية في عدد من محافظات الجمهورية . ويضيف الأخ نوّار: " في كل عام نقوم بتنظيم هذه الورش الفنية للأطفال وقد بلغ عدد المشاركين في صيف هذا العام (210) طفل وطفلة .. ويتم تكريم المبرزين منهم في المجالات المذكورة كما نقوم بعرض إنتاجهم في الرسم ، وعدد منهم يقوم بالعزف والغناء وإلقاء الشعر في الندوات التي ينظمها المركز ". ولم يتفق معي الأخ نوّار على تعليم الطفل التعامل مع الكمبيوتر في المركز ، لأنه ـ كما قال ـ مؤمن بضرورة توفير فرص ليمارس الطفل هوايته ويبدع وألا نشغله بهذه التقنية التي تمنعه من ذلك . كما أكد أن المركز مفتوح أمام هواة الفن المسرحي وأمام مؤسسات المجتمع المدني والحكومي لتقيم نشاطاتها المختلفة مجاناً ، كما أنه مفتوح لإقامة معارض للفن التشكيلي أمام المصريين والعرب والأجانب بالاتفاق مع وزارة الثقافة المصرية. [c1]لابد من رامتان ولو طال السفر[/c]ولكن طموح الأخ نوّار المتميز بإبداعاته الأدبية والبحثية وكتاباته الصحفية وإدارته الناجحة للمركز لم تقف عند هذا الحد فهو يحلم "بأن يصبح مركز "رامتان" الثقافي مرجعية لكل مثقفي العالم العربي والعالم ككل .. فعندما كان يُسأل بعض المثقفين العرب عن أي الأماكن التي زارها في القاهرة ؟ يرد "رامتان" ، وكان ذلك في حياة الأديب طه حسين .. ويقصد بذلك أنه التقى الأديب وتحدث معه وتُعد هذه الزيارة علامة بارزة في حياته ومصدر فخر له .. وكما يقول الشاعر لابد من صنعاء ولو طال السفر .. نقول أيضاً لابد من رامتان ولو طال السفر" يضحك محدثي وشاركناه الضحك أنا وزميلي أسامة ، المصور الصحفي في وكالة الصحافة العربية ، الذي كان منشغلاً بالتقاط الصور أثناء المقابلة . [c1]نفخر بفاروق حسني[/c]وفي ختام الحوار الشيّق نوه الأخ محمد نوّار إلى الدور البارز الذي يلعبه وزير الثقافة المصري فاروق حسني في تذليل الصعاب التي تواجه المركز ومده بكل دعم لتنفيذ فعالياته المختلفة ، كما إنه ـ أي الوزير الفنان التشكيلي ـ لا يعترض على أية أفكار معارضة للسلطة وناقدة لأداء الحكومة أو للأنظمة العربية وحكامها يتم التعبير عنها في الندوات والمحاضرات التي ينظمها المركز ، ويضيف نوّار : " لم يحدث أن وجه الوزير بكيفية إدارة النقاش أو تدخل يوماً في مضمون أو عنوان الندوات طوال العشر السنوات من عمر المركز .. وهذه حقيقة نعتز بها ونفخر بأن يكون لنا وزير ثقافة مثقف وواعٍ ومدرك لأهمية التعبير عن الرأي بكل حرية وشفافية ، وهو يتابع نشاطات المركز على الدوام " . [c1]معلومات عامة [/c]- تصدر عن المركز نشرة غير دورية (رامتان) تتحدث عن نشاط المركز وتقوم بنشر ما تمت مناقشته في ندوة الأحد الأسبوعية ، كما تقوم بنشر برنامج المركز الثقافي والفني والفكري ومختلف نشاطات المركز . - تم جمع كل ما نشر في أعداد هذه النشرة طوال الفترة الماضية في (14) كتاب، قامت بطباعة الكتب وإصدارها الهيئة العامة للكتاب في مصر . - كل نشاطات المركز موثقة في تسجيل مرئي ( فيديو) إضافة إلى الكتب . - لا يتم عرض الأفلام السينمائية أو التلفزيونية في المركز . - مبنى المركز متواضع و يتكون من دورين فقط ، الدور الأول يشمل قاعة كبيرة للندوات والمعارض والورش التدريبية ، أما الدور الثاني فهو مخصص لمكاتب إدارة المركز.