محمد فؤاد وبما جعل العولمة ذاتها تسبق تقدمها السياسي فرق الموسيقى الثقافية، وتتعثر حركتها أمام الخلفيات الثقافية للشعوب، وبما جعل «الفرانكوفونية» تنشأ فى مواجهة «الأنجلوفونية»، و»الأمركة» تنشأ لوراثة «الأنجلوفونية» سعيا لقيادة حركة «العولمة».والأمر فى النهاية هو شكل من أشكال المواجهة بين قوى الإستعمار القديم وقوى الهيمنة الجديدة بالثقافي وصولا إلى السياسي، وبالسياسي وصولا إلى الاقتصادى، وبالاقتصادي للسيطرة على ثروات شعوب العالم لتحقيق أهداف الرأسمالية الدولية بالانتصار النهائي على الاشتراكية، وتنصيب وحيد القرن الأمريكي إمبراطورا للعالم، وفقا لنظرية نهاية التاريخ التى روج لها «فوكوياما».لكن هذا التنافس المحموم لإعادة تقسيم النفوذ فى العالم، وخاصة فى شرقنا العربي، الإسلامي والذي ينفذ إلى السيطرة السياسية والاقتصادية عبر البوابة الثقافية يجد في مواجهة نفاذه سعيا لنفوذه، مواريث ثقافية عريقة لحضارات ورسالات لديانات سماوية عميقة الجذورلدى الشعوب يصعب اقتلاعها بما تشكل حوائط صد أمام هجمات الغزو الثقافة أو الوصاية السياسية يصعب تجاوزها، مما يجعل التناقض طبيعيا بين الثقافات الغربية والثقافات القومية للشعوب، وبالتالي بين السياسات الغربية والسياسات العربية، وبما يفرض على الطرفين إما الحوار وإما المواجهة.ولا تتورع بعض القوى الاستعمارية الكبرى في محاولاتها لفرض الهيمنة على خيارات وثروات غيرها من الشعوب عن القيام بالمغامرات الفاشلة لإعادة الاحتلال من جديد بوسائل الغزو العسكرى لفرض الأنماط الثقافية الغربية والغريبة على شعوب الحضارات الأخرى تطبيقا لأفكار «صراع الحضارات» التي روج لها «هانتنجتون».غير أن هذه المغامرات العسكرية كثيرا ماتتخفى وراء شعارت ثقافية، ولافتات سياسية و إنسانية تستهدف بها تذويب مناعة الشعوب ضد التبعية بكل أشكالها فى محاولة لتطويع «القابلية للاستعمار» خصوصا لدى الأجيال الجديدة البعيدة نسبيا عن قيمها الحضارية والدينية، لتستسلم فى حالة من الاستلاب الثقافي، إنبهارا بالقيم العصرية الغربية الحديثة بفعل الصورة النمطية البراقة التى تروجها عبر وسائل الاتصال الجديدة بفعل ثورة تكنولوجيا الاتصالات.وحتى تحت لافتات الحوار بين الحضارات أو الحوار بين الثقافات التى نراها وسيلة لإحلال الحوار بدلا من المواجهة بين الأنا والآخر، تحاول تلك القوى الاستعمارية القديمة بأوهام استعادة النفوذ القديم، والقوى الاستعمارية الجديدة بأحلام الهيمنة الجديدة فى ظل العولمة، فرض نماذجها وأنماطها وقيمها الثقافية، التى هى نتاج لسياق حضارى مغاير خصوصا لشعوب مازالت قيمها الثقافية النابعة من معتقداتها الدينية البناءة ومن ميراثها الحضاري المبهر عصية على الذوبان فى الآخر.وفى الوقت الذى تستعصى فيه الثقافة «الآرابوفونية» على الذوبان فى «الفرانكفونية» وفى «الأنجلوفونية» وفى «العولمة الأمريكية»، تشعر فيه الأمة العربية الهائلة الثراء بالقيم الدينية التي نزلت من السماء على أنبياء من أبنائها، وكا نت أرضها هى حاضنة رسالاتها، وشعبها هو المبشر بها فى العالمين ترتطم محاولات الاستعمار الجديد والهيمنة وغارات الغزو الثقافي من قوى أوروبية ليست لها عمق الجذور، وأمريكية ليست لها أية جذور حضارية.
|
ثقافة
اقواس
أخبار متعلقة