بعد سبعة أعوام على أحداث الحادي عشر من سبتمبر
متابعة وعرض/عبد الله بخاشسبع سنوات عجاف مرت على أحداث الحادي عشر من(أيلول) الكئيب الذي تعرضت له كل من واشنطن ونيويورك عام 2001م ، تغيرت خلالها ملامح العالم وموازين القوى فيه وارتسمت صيغة جديدة لخارطة العلاقات الدولية تنقسم بين محوري الشر والخير ، في حين تبدلت المعايير والأعراف والمواثيق الدولية بتدشين الحرب على الإرهاب ،وبات المحرم دوليا مباحا والمباح جرما خطيرا بحق العالم ، صيغة جديدة لألفية جديدة أعادت تشكيل الأجندة والأفكار والاتجاهات والعلاقات وفقا للمتغيرات الدولية التي طرأت على العالم و(شقلبت) كيانه بعد أحداث سبتمبر.في ذكرى الأحداث الإرهابية الأليمة التي تعرضت لها واشنطن ونيويورك، وبمناسبة مرور عام على تأسيسه نظم المركز اليمني للدراسات التاريخية ودراسات المستقبل (منارات) ضمن برنامج فعالياته الثقافية ندوة فكرية عن المشهد الوطني العربي والإسلامي بين إرهاب الدولة والتطرف الديني ، قدمت فيها أوراق عمل مهمة لمناقشة الموضوع بأبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية.وقد أشارت كلمة المركز في افتتاح أعمال الندوة إلى تبعات الحادي عشر من سبتمبر على العالم و المنطقة العربية على وجه الخصوص ،وقال رئيس مجلس الإدارة/أحمد أبو حورية في الكلمة:“إذا كان الحادي عشر من سبتمبر 2001م حدثاً مروعاً هز أركان العالم ولا تزال آثاره وتبعاته تلقي بظلالها على المشهد الوطني والعربي والإسلامي بصفة خاصة والمشهد العالمي بصفة عامة فإن هذا المشهد قد اقتضى منا التفكير والدراسة المتأنية للحدث وآثاره في ملامح المشهد الوطني و العربي والإسلامي لاستجلاء حقيقة علاقة الإرهاب بالتطرف الديني ليكون المجتمع ونُخبه وفئاته على بينة من حقيقة هذه الآفة المدمرة واستنفار الطاقات والإمكانيات للاضطلاع بدور فاعل ومؤثر لمجابهتها وتحديد مواقف واعية منها ومدركة لمخاطرها، يضاف لهذا الإسهام والمبادرة بتقديم رؤية علمية مدروسة لمتخذي وصناع القرار يتحقق بها ومن خلالها كبح جماح هذه الظاهرة الخِطرة والعمل على اجتثاثها من جذورها باعتبارها خطراً يهدد السلام الاجتماعي ومعول هدم للقيم الدينية والإنسانية الداعية للتعايش السلمي بين الأمم والمجتمعات على اختلاف أعراقها ومعتقداتها”.واشار إلى أن المركز يتوخى من هذه الفعالية التجسيد الأمثل لقيم الحوار الوطني الإنساني الجاد والمستوعب مخاطر ظاهرة إرهاب الدولة والتطرف الديني والإدراك الواعي وقال:” إننا نعيش في سفينة واحدة ولسنا بمعزلٍ عن العالم وعلى هذا الأساس ينبغي علينا أن نعمل باتجاه كل ما يُكسبنا المزيد من الاحترام والمكانة والدور المستوعب لما كانت عليه اليمن وما ينبغي لها أن تكون عليه، والعمل على تجنيب الوطن ويلات الاكتواء بنار التطرف الديني .”وكانت الندوة الفكرية التي حضرها جمع من المثقفين والباحثين والمهتمين قد تضمنت أربع أوراق عمل هامة أثريت بالنقاش والمداخلات من قبل المشاركين ونستعرض أهم ما جاء فيها على النحو الآتي :الورقة الأولى : اليمن في إستراتيجية تصدير التطرف الديني والإرهاب “الأخطار والمعالجات” تناول فيها الأستاذ / أحمد عبد الله الصوفي بطريقة نقدية تحليلية الأصوليات المحاربة وموقف اليمن تجاهها ، مستعرضا المنطلقات الفكرية الأساسية للتصدي والمواجهة .راشار إلى أن القرنين ( العشرين والحادي والعشرين ) هما من أهم وأعقد مراحل التاريخ الإنساني حيث اتخذ الصراع الدولي على المصالح والنفوذ بين الأيدلوجيات المتعارضة قناعاً دينياً اتسم بالقسوة وولد انقساماً لا يمكن مقارنته بكل أشكال الانقسام الذي سيطر على العالم خلال الحقبة الموسومة بالحرب البادرة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي. ويذكر الصوفي انه “ بصعود جورج دبليو بوش إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية كممثل لتيار محافظ اتخذ التطرف الديني والنزعة الإرهابية إحدى الوسائل لفرض الهيمنة الأمريكية على العالم وهو أمر شجع بروز وازدهار تيارات أصولية في الكيان الإسرائيلي كما دفع إلى السطح قوة تدميرية فعالة داخل منظومة العقيدة الإسلامية والعالم الإسلامي هو تنظيم القاعدة الذي يستند إلى ترسانة قيم ولاهوت عنف “[c1]الإرهاب الديني[/c] وتحت عنوان اليمن وإستراتيجية تصدير التطرف والإرهاب الديني يقول : “يواجه اليمن اليوم تحديِ التصدي للإرهاب ليس باعتباره التزاماً بتحقيق سياسة تجفيف منابعه باعتباره حاجة دولية ، بل لأن خطر الإرهاب والتطرف الديني يشكلان تهديداً جدياً لاستقرار الدولة اليمنية والمجتمع اليمني، كما يشكلان بؤرة لتقسيم المجتمع بين المذاهب والمعتقدات التي تتقاسم أفراد المجتمع لتوزعهم في جبهات صدام تهدف إلى إلغاء هيبة الدولة ونفوذها وسيطرتها، كما أن هذا الخطر بات يستهدف الاستقرار والتنمية ويمثل هاجساً مؤرقاً لعملية النمو الاقتصادي”.ويمضي قائلا: “ السؤال(لماذا الآن؟ ولماذا اليمن؟) يبدو مشروعاً إذ لاحظنا أن أحداث 11 سبتمبر قد شكلت ضغطاً على التيار الوهابي وعلى حكومة المملكة العربية السعودية التي باتت في حرج أمام الإدارة الأمريكية، كونها الموطن الرئيسي للفكر الوهابي والبيئة التي تخلق فيها هذا الفكر ،لكنها الآن وقد أصبحت هدفاً للولايات المتحدة الأمريكية فإن مقاومة تطرفها الدولي وخطرها الداخلي قضية مركزية أمام السلطات السعودية التي نشهد أنها أبدت جدية وجرأة في محاربتها. ولكن هذه الحرب التي لا أحد يعرف نهايتها لم تعد تمثل إغراءً سياسياً ولا أحد يضمن نتائجها على المدى القريب وبالتالي تبدل الموقف من التجفيف إلى التصدير،وربما كانت إيران والتيار الأثنى عشري يفكر بنفس الغاية وهو يجهز ويعد طاقة (الشباب المؤمن) لبناء معقل حربي في صعده ضمن إستراتيجية تطويق الجزيرة والخليج بحزام شيعي يجعل النفط رهينة بيدها ويؤمن خلفية كافية لتمكين القرار الإستراتيجي في المواجهة مع الإدارة الأمريكية عبر جعل اليمن ومنطقة صعده الشرارة التي تشعل الحزام الشرقي لمنطقة الجزيرة والخليج، فكلاهما أي الوهابية والاثنى عشرية تتفقان في تقييم خيار اليمن كونه يتسم بالآتي:- كثافة بشرية ومجتمع غالبيته من الشباب والفتيان. - شح في الموارد الاقتصادية وتنامي الفقر والبطالة. - تفشي الأمية يجعل الحدود بين المذاهب وحتى المعرفة الدينية نقطة ضعف.- انفصال الريف عن المدينة يسبب تمركز القيم والخدمات في مدن محددة.- ضعف نفوذ الدولة وغياب برامج إستراتيجية في مجال التحصين من التطرف.- توفر بيئة تسمح بتعدد الأفكار وتسلل الإستراتيجيات الإقليمية والدولية. “ ويخلص الصوفي في تحليله وتقييمه للموقف إلى القول “إجمالاً تشكل اليمن بيئة مواتية لإستراتيجيتين : الإيرانية المتحفزة والوهابية الملاحقة لبناء قاعدة تستهدف السيطرة على الكتلة البشرية النوعية عبر تحويل الأقلية الزيدية إلى اثنى عشرية جعفرية والتنافس مع الوهابية في اجتذاب قطاعات من الشافعية إلى هذا المذهب أو ذاك، فاليمن أرض صراع بين مذهبين لكنهما في المطاف الأخير جزءاً من حسابات إستراتيجية دولية معدة بدقة”وبنوع من النقد العلمي يناقش أهداف الأصوليات المحاربة ويعري مزاعمها بقوله: “ بنظرة فاحصة إلى هذه القائمة نجد لاهوت العنف يحدد لنفسه أهدافاً تشمل الحضارة الإنسانية كلها، فالحكم الديمقراطي يصبح بهذا المعنى عدواً لأنه حكم يعتمد على مبادئ غير ما أنزلها الله، والبرلمان يقترف إثماً كونه قد امتلك حق التشريع القانوني ووضع بين يديه المقبول من الأفعال ، والسلطان اعتداء على حق الله وجبت مقاومته، كما أن الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو اعتناق المذاهب الفكرية جرمُ اتخذه المتشددون أساساً لقرار اغتيال عدد من الكُتاب الذين صنفوا بأنهم يروجون لأفكار علمانية. المهم هنا أن هذا الفكر يضع العالم والحضارة الإنسانية والعقل الإنساني هدفاً دائماً لموجات عنفه وينفرد في تعزيز قوة حجته معتمداً على عدد قليل من نصوص القرآن وأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي كتبت في عصور متأخرة بعد موت النبي لتتولد عن ذلك ظاهرة مناهضة للحداثة والتقدم العالمي وتزعزع استقرار الدول واستقرار العلاقات الإنسانية، وهي ظاهرة لا يمكن الانتصار عليها ما لم يعاد بناء منطق ينطلق من داخل الفكر الديني”.[c1]مواجهة التحدي[/c]ويختتم الصوفي ورقته بتحديد المنطلقات الأساسية للمواجهة ويقول : “إذا كانت الحرب على الإرهاب والتطرف الديني مسؤولية العالم المشتركة دولاً وأدياناً ومنظمات وأشخاص فإن العلاج من هذه الآفة والمواجهة الرصينة لهذا التحدي يبدأ بأولئك الذين هم في قلب العاصفة الدموية العنيفة والمنطلق نحو التصدي يبدأ فردياً ووطنياً من خلال التركيز على جملة من المسائل وهي كالتالي: 1. استعادة جوهر الإسلام المختطف واستحضار الكمال المحمدي المصادر وذلك من خلال جهد منظم يستلزم إيجاد ضبط شرعي وقانوني لمفهوم الجهاد و توحيد المرجعية وتحديد معالم العقيدة في الموقف من الجهاد وتحديد محدداته وضوابطه وشروطه ، و العمل على جعل المسجد مركز تنوير وميدانا لازدهار العقل والمعرفة والتحرر من إرث التبرير واجترار خطب مضى عليها أكثر من تسعمائة عام ، و إعادة النظر في قواعد عمل مراكز تحفيظ القرآن ومناهج التعليم الديني وشروط التأهل للإمامة ، كما أن من المطلوب وضع برنامج يوسع مفهوم التعليم الديني وربطه بقيم الوطنية ومراقبة الدولة لمدى جدية تنفيذ هذا البرنامج ، وتبني إستراتيجية ضد هجوم التطرف وتجفيف منابع الإرهاب عن طريق ترشيد الطاقة الاجتماعية وتنوير المجتمع بحقيقة الحياة التي تمتد من الميلاد حتى الموت و إعادة ضبط وتوجيه دور المدرسة والإعلام .2. إن خطر الإرهاب قد جعل الدول والمجتمعات تدخل في مواجهة عالمية مع الآخر البعيد أدياناً ودولاً وفي الوقت الذي تتحمل الدولة اليمنية هذا الكم الهائل من العنف والتطرف والإرهاب فإنها في الوقت نفسه تتعرض لضغوط خارجية نتيجة هذا الإرهاب من زاويتين : الأولى : ضغط دولي أمريكي وأوربي.الثانية : ضغط سعودي وإيراني.فكل هذه الدول تصدر مشكلاتها إلى اليمن رغم أنها الراعية والمستفيدة من هذه الظاهرة خلال الحقب السابقة لذا من الضروري عقد مؤتمر إقليمي يضم هذه الأطراف لمناقشة التدابير اللازمة. وهي تتجاوز مفهوم التدبير الأمني لمعالجة وتجفيف منابع الإرهاب والتطرف باعتبارها مسؤولية إقليمية وحاجة دولية لتنفيذ برامج طويلة الأجل تكافح وتعالج قضايا الفقر الذي يشكل التربة المواتية لازدهار وتطور هذه الظاهرة بصورة أساسية، كما أنه يعتمد على النزاع المذهبي والاختلافات الدينية التي هي بدورها تتطلب حواراً عقلياً رصيناً بين المسلمين أنفسهم من جهة وبين المسلمين وممثلي الأديان الأخرى من جهة أخرى”. [c1]سبتمبر وحقوق الإنسان[/c]الورقة الثانية جاءت مقدمة من القاضي/ يحيى الماوري عن أحداث 11سبتمبر وأثرها على حقوق الإنسان ،أكد في مستهلها على أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م قد هزت الوجدان العالمي على اختلاف أديانه ومعتقداته واتجاهاته السياسية إذ أن المشاعر الإنسانية كغريزة فطرية ترفض مثل تلك الأعمال البشعة التي تنافي كل القيم والمبادئ والأخلاق. وقال :”إذا كان العالم قد فوجئ بتلك الأحداث المرعبة فإنه لم يكن يتوقع من الإدارة الأمريكية أن يأتي رد فعلها بذلك القدر الهائل من العنف والحقد المعبأ بالتحريض العنصري والعصبية الدينية ضد شريحة من المجتمع الإنساني هم العرب والمسلمون وأن تشن عليهم حرب إبادة جماعية استهدفت وجودهم الحضاري وعقيدتهم الدينية وكرامتهم الإنسانية وخرقت بذلك كل القيم والمبادئ الإنسانية والمواثيق والمعاهدات الدولية بل وضربت عرض الحائط بدستور وقوانين الولايات المتحدة الأمريكية نفسها “مشيراُ إلى استغلال الجناح المحافظ في الإدارة الأميركية تلك الأحداث ليمرر الكثير من القوانين التي تنتهك حقوق الإنسان وتجيز للإدارة الأمريكية حق التعسف والاضطهاد للأقليات العربية والإسلامية والتي أعادت إلى الأذهان بعض صور الأعمال والممارسات التعسفية ضد المهاجرين اليابانيين عقب الحرب العالمية الثانية والهجوم على (بل هاربر) وما تلاها من هجوم على (هيروشيما ونجزاكي) بالقنابل النووية، وقد اعتبر المقيمون في أميركا وأولهم العرب والمسلمون أنه تم تقنين التمييز العرقي والديني، من خلال قوانين تعطي سلطات الأمن صلاحيات التحكم في مصائرهم،وتفتح الباب لذوي النزعات العنصرية بتطبيق القانون على طريقتهم الانتقائية الخاصة.[c1]لماذا يكرهون أمريكا[/c] وقد أثارت ورقة القاضي الماوري تساؤلا جوهريا في صلب الموضوع حول أسباب كراهية العالم لأمريكا؟ وقالت :” بدلاً من أن تشرع الإدارة الأمريكية في إعادة النظر في الملفات التي جلبت السخط على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ذهب الرئيس بوش إلى أن سبب هجوم الإرهابيين على أمريكا يكمن في حقدهم على الديمقراطية والحريات التي يتمتع بها المجتمع الأمريكي!! وكأن ملفات الصراع العربي - الإسرائيلي، والتدخل في بعض القضايا الدولية بشكل غير عادل، وقضايا البيئة، والعولمة ،وسياسة التجويع والحصار الاقتصادي واستغلال البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية لخنق اقتصاديات الشعوب العربية وإخضاعها لمشيئة الولايات المتحدة والمصالح الغربية لم تخلق مشاعر عدائية إزاء الإدارة الأمريكية !.” واعتبر الماوري صعوبة المحافظة على التوازن بين أمن الدولة وحقوق المواطن بعد أحداث سبتمبر إشكالية قانونية مرتبطة بظاهرة الإرهاب التي أصبحت تهدد أمن وسلامة الكثير من دول العالم وتفرض معالجتها بإجراءات قانونية حازمة والذي قد يؤدي إلى الانتقاص من حقوق وحريات المواطنين ولهذا فقد استلزم التعامل مع الإرهاب مراعاة جوانب هامة تتعلق بمبدأ المشروعية وسيادة القانون ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ومن ناحية أخرى متطلبات حماية قيم العدالة التي يهددها الإرهاب.وتساءل عن حقيقة الإرهاب في الوطن العربي وكيف تحولت المواجهة مع الأخر إلى إرهاب ذاتي دون أن نعي أسبابا واضحة أو مبررات منطقية له ؟ وكيف تحول الصراع بين القاعدة والولايات المتحدة الأمريكية إلى صراع بين القاعدة وبعض الدول العربية والإسلامية؟ وقال :” لم تعد المصالح الأمريكية هدفا رئيسيا للقاعدة بقدر ما كانت المصالح الوطنية للدول المستهدفة - ومنها اليمن- لا تمت للمصالح الأمريكية بصلة ، ولم يقتصر الإرهاب الذاتي الموجه نحو الداخل اليمني على تنظيم القاعدة بل تقاسمت القاعدة هذه الأعمال مع جماعة الحوثي في صعده - على ما بين الفئتين من اختلاف وتناقض فكري وسياسي - والتساؤل أيضا الذي يثير الاستغراب في هذا الجانب هو الموقف الأمريكي من الجماعتين حيث يقف إلى جانب الدولة في مواجهة إرهاب القاعدة ويقف ضدها في مواجهة إرهاب الحوثيين رغم شعارهم المعلن (الموت لأمريكا ) .”[c1]القانون والإرهاب[/c]وحول موقف القانون والقضاء اليمني وشرعية التصدي للجرائم الإرهابية وحماية الحقوق والحريات العامة للمواطنين في ذات الوقت أكد الماوري إلى بعض الخصوصيات بقوله:”إذا كانت الكثير من دول العالم ابتداء من الولايات المتحدة الأمريكية وحتى اصغر دولة في العالم قد اتخذت إجراءات تشريعية لم يخل الكثير منها من المساس بحقوق وحريات المواطنين تحت مبرر الحرب على الإرهاب فان الجمهورية اليمنية - حتى الآن - لم تتورط في إصدار تشريع يمكن أن يؤخذ عليه مثل تلك المخالفات والانتهاكات لحقوق الإنسان ومرجع ذلك يعود إلى قوة النصوص الدستورية التي تكفلت بمنع إصدار مثل هذه القوانين”وقد اخذ مشروع قانون مكافحة الإرهاب اليمني في تعريفه للإرهاب بتعريف أوسع تضمن تعريف الاتفاقية العربية وأضاف إليه حيث عرفه بالآتي : ( الإرهاب كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد باستخدامها يلجا إليه الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فرديا كان أم جماعيا بهدف الإخلال الجسيم بالنظام العام أو الإضرار بالمصلحة العامة أو إلحاق الضرر بالبيئة والصحة العامة أو الاقتصاد الوطني أو بإحدى المرافق والممتلكات أو المنشآت العامة أو الخاصة أو الاستيلاء عليها أو عرقلة السلطات العامة للدولة عن ممارسة أعمالها أو تعريض امن وسلامة المجتمع للخطر أو تهديد الاستقرار والسلامة لأراضي الجمهورية أو وحدتها السياسية أو سيادتها أو تعطيل تطبيق أحكام الدستور أو القوانين أو إلحاق الأذى بالأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم وحرياتهم وأمنهم للخطر) .وتختتم الورقة بذكر أهم الآثار السلبية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر على حقوق الإنسان في الجانبين القانوني والقضائي باعتبارهما أهم الضمانات لحماية الحقوق والحريات وبالبيان الصادر عن اللجنة الدولية للحقوقيين بشأن المبادئ الحقوقية التي يتوجب التزام الدول بها في مواجهة الإرهاب وهي :مهمة الحماية واستقلال القضاء وحقوق الناس لا تمس واحترام الأعراف الملزمة ومبادئ القانون الجنائي وضمان عدم الحرمان من الحرية والمحاكمة العادلة والحقوق و الحريات الأساسية والتسوية و التعويض وعدم الترحيل وتوافق القانون الإنساني الدولي.[c1]سوق التطرف[/c]من جانبه استعرض أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء الدكتور محمد عبد الواحد الميتمي الأسباب الاقتصادية والاجتماعية المؤدية للتطرف بين الشباب من خلال ورقته المعنونة: سوق التطرف في اليمن ، حيث أكد فيها وجود علاقة عضوية بين التطرف والإرهاب فإذا شبهنا الإرهاب بشجرة تحتوي على فروع كثيرة ، فالتطرف هو غذاؤها.وقال “هناك أكثر من 100 تعريف راهن للإرهاب ، معظمها ذات مضمون سياسي ودبلوماسي وقليل منها علمي ومعرفي ،والتطرف بوصفه أيدلوجيا دولة ، أو جماعة أو فرد محمولة على استخدام العنف ، أو التهديد بالعنف من أجل تحقيق أهداف سياسية ،أو دينية ، أثنية ، اقتصادية ،أو ثقافية.”واستبعد الميتمي أن يكون التطرف بواعثه اقتصادية بحتة وقال “ هناك أكثر من مليار ونصف من البشر يصنفون على أنهم فقراء ، ولكن ليست هذه الأعداد متطرفة أو إرهابية، وهناك أيضا أكثر من مليار مسلم في العالم ، ولكن ليس كل مسلم متطرف أو إرهابي كما يحاول أن يلصق الإعلام الغربي والصهيوني على وجه التحديد بالمسلمين تلك الصفة.” ولمزيد من الإيضاح يقدم أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء التطرف والإرهاب بين مدرستين:المدرسة الأمريكية ترى أن نشر الديمقراطية وحرية التعبير من شأنهما أن يقضيا على الإحباط السياسي والحرمان من الحقوق المدنية التي تدفع الجماعات المقصية والمهمشة إلى التعبير عن نفسها من خلال التطرف.المدرسة الأوربية ترى أن التطرف والإرهاب تغذيه البطالة والفقر وغياب العدالة الاجتماعية مع عدم إغفال أهمية الحقوق المدينة والسياسية. فإذا كانت وجهة النظر الأولى - القائلة بان مستوى الحقوق السياسية يقرر درجة التطرف- رؤية صحيحة فان ذلك يعطي مبررا لأنصارها بالدعوة لقلب أنظمة الحكم الاستبدادية واستخدام القوة لنشر الديمقراطية ، أما إذا قبلنا بالرؤية الثانية - التي ترى بان العوامل الاقتصادية تشكل مدخلات فاعلة في التطرف والإرهاب- فإننا بلا شك سنجد وسائل وطرق سلمية لمنع تصاعد التطرف وانتشاره.[c1]عوامل وأسباب[/c]مشيراً إلى العوامل الاقتصادية والاجتماعية للتطرف والتي تتمثل في الفقر والمجاعة وتدني مستوى الدخل والبطالة وغياب فرص العمل والمصيدة الديموغرافية والأمية والجهل والشعور بالتهميش والحرمان، ويقول “على الرغم من الاتفاق المبدئي مع تلك المقدمات والحجج ، إلا أن الخلاف معها يظل قائما بشأن تجاهلها الديناميات الداخلية للفقر في التعبئة وتوفير الوقود للأنشطة الإرهابية شأنها في ذلك شأن الثورات الاجتماعية ، فالعامة الذين يعيشون أشكال الظلم والقهر قد لا يثورون لعقود وربما لقرون ، ما لم توجد قوى اجتماعية صاحبة هدف ومنظمة وفي الغالب متعلمة من شانها تنظيمهم وتحويل سخطهم الصامت إلى قوة بركانية مدمرة، أو كما تقول النظرية الاجتماعية للثورة بضرورة توافر العامل الموضوعي مع العامل الذاتي، والمقصود هنا بالذاتي التنظيم السياسي والتعبئة الأيديولوجية التي في الغالب تتولى تأسيسه وقيادته قوى ذات حظ وافر من التعليم والثروة.” ويضيف قائلا “ تولد العوامل الاقتصادية والاجتماعية كالمجاعة والجوع والفقر وغياب فرص العمل والأسى ظروفا غير إنسانية من شأن تعبئتها من قبل قوى منظمة أن ترسم لوحة عنف وإرهاب لمجتمعات لا تعرف العنف والإرهاب ولا تدين به أو تناصره. فحركات العنف في سريلانكا (منظمة التامييل) ، والباسك في إسبانيا ، والحركات الانفصالية في كشمير وجامي ، والحركات الانفصالية في جنوب اليمن تستغل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الإقليمية لتمرير أهدافها الخاصة وتعبئة الجمهور المستهدف.وهذه الأمثلة المعروضة تبرر وجهة النظر القائلة أن الحرمان الاقتصادي والاجتماعي ، بالإضافة إلى الحرمان السياسي والثقافي من شأنه أن يولد نزاعا ينتهي باستقطاب حاد محمول على كل احتمالات القنوات المفتوحة للعنف والإرهاب.”ويخلص الدكتور الميتمي في نهاية مداخلته إلى القول “ إن سياسة مكافحة الفقر والبطالة وتحسين مستوى دخول المواطنين ينبغي أن لا تكون مهمة إنسانية وأخلاقية، ولكن أيضا جزء رئيسيا من مهام الأمن القومي اليمني.”[c1]السياسي والديني[/c]وتحت عنوان المذاهب الإسلامية بين الأصل السياسي واللعبة الطائفية قدم الدكتور حمود العوديأستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء ورقة عمله التي تضمنت رؤية اجتماعية للمشكل السياسي المؤدلج الذي بدأ في سياق دوامة من صراع المصالح السياسية حول الاستئثار بالسلطة والثروة كجوهر والتمذهب الديني كمظلة شكلية قبل أكثر من عشرة قرون من تاريخ الإسلام والمسلمين ولم تنتهي بعد حتى اليوم، وهو ما تتبعته الورقة من خلال مذاهب السنة والشيعة - النموذج الأبرز والأشمل في سياق التاريخ والتطور السياسي والاجتماعي للمجتمع العربي والإسلامي- وكيف أنهما مجرد وجهان لعملة سياسية واحدة لا علاقة لها بجوهر دين الله الحق إلا من رحم ربي. ويقول العودي عن مسالة التمذهب السياسي في استهلال ورقته « هذا النموذج من التمذهب السياسي المنحاز لنصرة الظلم والاستبداد وتبريره بما لم ينزل الله به من سلطان كان هو التأسيس الأول لإرهاب الحاكم ضد المحكومين وهو الأمر الذي فتح الباب أمام الإرهاب المضاد بمذاهبه ومقاصده المختلفة والذي لم يتوقف عند مجرد رفع الظلم بل تجاوزه إلى دعاوى الحق المطلق في السلطة والثروة دون بقية الخلق وتحت نفس المظلة الدينية وباسمها، وما القول باعتبار الخروج على الإمام أو الحاكم الظالم بحد السيف شرطاً من شروط اكتمال إسلام المسلم طبقاً لرؤية المذاهب الأخرى إلا نموذجاً آخر لرد الفعل المتطرف والذي لا يختلف في مقدماته ونتائجه عن الفعل الأول الذي تسبب في إيجاده.» ويذكر أن الأصل السياسي للسنة والشيعة معاً واحد بقوله»هو الحديث القديم الجديد بين تيارين سياسيين عظيمين في التاريخ والتراث العربي الإسلامي بالدرجة الأولى، ومذهبين دينيين بالدرجة الثانية، تيارين تحكمهما دوافع السلطة السياسية وإيديولوجيا المصالح الطبقية قبل أن تحكمهما قواعد الدين النقية، أو الانتماءات القومية والطائفية التي تروى عنهم أو يروونها عن أنفسهم ككلمات حق يراد بها باطل أحياناً، أو ككلمات باطل يراد بها ما هو أبطل في كثير من الأحيان»[c1]سلطة ومعارضة[/c]والأمر الثاني الذي يؤكده أستاذ الاجتماع على ما سبق أيضا هو أن السنة كمرادف للسلطة والشيعة كمرادف للمعارضة ويقول» من عجائب الصدف بل وثوابت الواقع والتاريخ العربي الإسلامي لكل مدقق في مفهومي الشيعة والسنة كسياسة وأيديولوجيا أنهما لم يكونا مذاهب دينية خالصة ولا حتى مبادئ فكرية وسياسية ثابتة بقدر ما هما صفتان ملازمتان للسلطة والمعارضة، فإذا ما استبعدنا أو استثنينا الجانب الديني والفقهي البحت البعيد عن جدل السلطة وهو الأقل فإن السنة هي مفهوم مرادف لكل من يحكم والشيعة مفهوم مرادف لكل من يعارض، فكلاهما شيء واحد حينما يكونا في المعارضة وخارج السلطة تحت مسمى الشيعة ومنطلقاتها السياسية الداعية إلى الثورة والخروج على الظلم والجهاد ضده، وكلاهما في المقابل شيء واحد حينما يكونا في السلطة أو بمجرد أن يظفران بها، تحت مسمى السنة بمنطلقاتها القائمة على وجوب طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه عند ساسة السنة، حتى ولو طغى وبغى وأفسد، لأن الخروج عليه فتنة أكبر من كل طغيان أو فساد يقترفه، مقابل العصمة المطلقة للإمام الشيعي الحاكم من كل خطأ والارتقاء به إلى مصاف الإلوهية المقدسة عند ساسة الشيعة، وإذا كان وجوب الجهاد عند ساسة من يسمون بالسنة والخروج على الظلمة عند ساسة من يسمون بالشيعة هما شيء واحد من حيث الموضوع والدلالة بالنسبة لكل من يعاني من مظالم السلطة ويريد الظفر بها فإن عدم جواز الخروج على طاعة ولي الأمر والإمام المعصوم عند كلا الاتجاهين عند ما يكونان في السلطة هي القاعدة المشتركة لكليهما، فهما شيء واحد في أقصى اليمين المتسلط من أجل الحفاظ على السلطة والدفاع عنها وهما الشيء نفسه في أقصى اليسار الثوري حينما يكونان خارج السلطة وبصدد البحث عنها، مع فارق بسيط هو أن ساسة السنة أكثر واقعية وبرجماتية حينما يقررون عدم عصمة الإمام واحتمال خطأه وظلمة بل وفسقه , مقابل مثالية ولاهوتية الطرف الأخر القائل بعصمة الإمام وقدسيته، وهذا الاختلاف الجزئي في شكل الوسيلة لا يؤثر قط على جوهر ووحدة الهدف والنتيجة المتعلقة بوجوب الطاعة العمياء للإمام الحاكم وعدم الخروج عليه.[c1]ثورية ومستبدة[/c]ويمضي العودي في سبيل إجلاء الحقائق وإسقاط الأقنعة وإزالة الغشاوة عما قد ينطلي على البعض حول حقيقة التمذهب السياسي بالتأكيد على حقيقة هامة هي أن الكل شيعة ثورية في المعارضة وسنة مستبدة في السلطة ، ويفسر ذلك بالقول» إذا كان السياق التاريخي لأحداث ومتغيرات الدولة والمجتمع العربي الإسلامي قد جعل من السنة أو مفهوم السنة كيمين أكثر ارتباطاً وديمومة واستبداداً في السلطة في الغالب وأشبه ما يكون ذلك بالقاعدة العامة التي لا تخلوا من الاستثناءات، فقد ارتبط المفهوم الثوري الراديكالي المعارض بالشيعة كيسار معارض، مقابل ارتباط المفهوم الرجعي الاستبدادي للسنة كيمين حاكم، وشاع هذا التصور غير الدقيق في الفكر والممارسة العامة إلى الحد الذي جعل من مظالم وأفاعيل يزيد النكراء ودم الحسين وآل بيته الأبرياء الشعار الذي تنطلق منه كل المعارضات اليسارية للسلطة تحت مسمى الشيعة باتجاهاتها المختلفة.»ويقول في موضع آخر» تلك إذاً هي سنة وشيعة السلطة في الماضي والحاضر وربما المستقبل المنظور على الأقل ، شيعة البحث عن السلطة بأي وسيلة وبأي ثمن بدءاً من دم الحسين رضي الله عنه وحتى ركوب الدبابات الأمريكية، وسنة سلطة الاستبداد والتمسك بها والدفاع عنها ولو بالتحالف مع الشيطان ناهيك عن الصهيونية والأمريكان»[c1]سنة وشيعة[/c]ويضيف «السؤال الصعب بعد كل هذا وذاك هو هل من سنة وشيعة أخرى تغير هذا الوجه القبيح وهذه الصورة البشعة وتعيد لسنة الرسول الأعظم نقائها ولشيعة أهل بيته وصحبه طهرها ولدين الله الحق قبل كل هذا وذاك قوامه المعوج وميزانه المنكسر وروحه المكلومة وعقله المصادر؟ نعم إنها سنة وشيعة المقاومة، سنة وشيعة المقاومة التي تنطلق من وحدة الأصل والغاية بالضرورة وتنوع واجتهادات خطوط ووسائل العمل والتفكير، أصل دين الله الحق ممثلاً بكتابه الكريم أولاً، وإتباع سنة نبيه ثانياً، ومحبة أل بيته وصحبه ثالثاً، لأنه إذا كانت السنة الحقة هي الإتباع والشيعة الصادقة هي المحبة والأصل فيهما كتاب الله فإن القول بالإتباع دون محبة أو المحبة دون إتباع هو نفاق وخروج.