القاهرة: 14اكتوبر / دالـيا فـاروق:أكد المشاركون في ندوة «الفنون والتاريخ» أن هناك صلة وثيقة بين التاريخ والفنون، وأن بداية تدوين التاريخ كانت فنية، والمؤرخ في بداية الأمر كان حكائاً وقصاصاً وذلك قبل أن يدخل التاريخ مرحلة التدوين المنهجي في العصر الحديث، كعلم من العلوم الاجتماعية التي تخضع لقواعد البحث العلمي الصارمة·وأشاروا إلى أن بداية الانشغال العربي بالتاريخ تعود إلى محاولات الشعراء لاستلهام العبر في قصائدهم فجاءت المعلقات والمطولات التي تحكي البطولات والأحداث المهمة، التي تشهدها المنطقة العربية، وأن المؤرخ الحقيقي المنهجي لكي يكون ناجحاً ومقروءاً لابد له وأن يتميز بحاسة الفنان الذي يتذوق الفن·وقال المشاركون في الندوة التي عقدها المجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مع المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية ومركز البحوث والدراسات التاريخية أنه لكي يؤرخ التاريخ السياسي لشعب بعينه، فلابد وأن تدرس الفنون والآداب المتصلة بتاريخ هذا الشعب أو ذاك ، فالتاريخ لا يمكن أن يدرس في معزل عن حياة الناس اليومية كفنونهم وآدابهم ومعمارهم وثقافاتهم·وأكد د·مهند مبيض الأستاذ بجامعة فلادليفيا بالأردن أن مدينة دمشق كحالها من المدن العربية التاريخية والدهرية ـ كالقاهرة أو بغداد والقدس وغيرهما، كانت تشهد نشاطاً اجتماعياً وثقافياً ملحوظاً في الفترة العثمانية، فنهاك استمرارية للجدل حول الموسيقى والغناء في القرنين 18، 19 و بداية هذا الجدل تعود للقرن السابع الهجري مع فتوي الشيخ "بن قدامي المقدس"، الذي أفتى بأن كل من يمارس الرقص والغناء يعد ساقط المروءة، ومع ذلك اعتبر هذا الفقيه أنه يمكن أن يكون هذا الشخص محباً لله ويجوز أن تكون له أعمال صالحة، وأضاف: أن هذا الجدل كان مستمراً في الفترة العثمانية بين الفقهاء والشيوخ الصوفية ومع هذا ووجود الأحكام الفقهية لم تحرم استمرار السماع للموسيقى واستخدام الآلآت الموسيقية.[c1]جدل فكري[/c] وأشار د·مهند إلى أن هذا الجدل استمر حتي أواخر القرن 19، لأن هناك فنوناً سائدة أخرى وآلات موسيقية شرقية كانت موجودة وهذا يدل علي أن المجتمع الدمشقي كان محباً للترفيه والتسلية ولقضاء أوقات الفراغ ونجد في التراث الدمشقي وصف الأعراس بوجود الموسيقيين والغناء، وكيفية إتمام هذه الحفلات العروسية بالتناسق مع الحرف الموجودة بها، مثل المولدية والمدخلين وضاربي الدفوف، كما استمرت الأغاني الدينية في دمشق حتى الآن مثل، "بديع وصفي" في المقامات الدمشقية، وكما استمرت الثقافة الغنائية والإنشاد في دمشق.و تحدث الباحث الحلبي محمد الأرناؤوط عن الغناء الصوفي في كوسوفو، كمظهر من التواصل بين الشرق والغرب، وقال: إن الملاحم المغناه في معرفة كوسوفو، التي تعتبر إحدى المعارك الغربية في التاريخ لما بها من غموض حول مجرياتها، وفي القرن 19 وحتي الآن هذه المعركة الكوسوفية تأخذ أبعاد كبيرة باعتبارها معركة بين الشرق والغرب وبين الإسلام والمسيحية، وبالتالي هناك من يحاول أن يستفيد ويوظفها لغايات سياسية، ولذلك في ظروف انهيار يوغوسلافيا وغيرها في 1989 نجد من يقول إن صربياً 1389 ما كانت تدافع عن نفسها، وكانت تدافع عن أوروبا والمسيحية.وأضاف: هناك حوالي 100 ملحمة حول هذه المعركة وهذه الملاحم نجدها عند عدة شعوب "الصرب والأتراك والألبان والبلغار"، ولهذا يدل علي أننا لدينا تراث ملحمي هائل، لأن الملحمة تغني في أرض المعركة وعلي الرغم من أن المعركة تمت عام 1389 إلا أننا مازلنا نسجل ملاحم علي أرض المعركة تغني حتي الآن، وهذا دليل علي أن هذه الملاحم والتراث الملحمي مازال حاضراً ومؤثراً خاصاً لمضامينه الحديثة، ورغم أن هذه المعركة قد مر عليها 600 سنة وأكثر، إلا أنه عندما يأتي موعدها 28 يونيو تنبعث مشاعره ملحمية جديدة وتغني علي أرض المعركة، وهذه الملاحم لها دور في تصعيد المشاعر القومية والدينية، وخاصة مشاعر الآن قد توظف لدى الصراع التاريخي الموجود حالياً بين العرب والألبان حول مدى أحقية كل طرف فيهما على الأرض، وهذه الملاحم أصبحت تعتبر مصدراً تاريخياً لتوثيق الأحداث والمعارك، وكذلك هذه الملاحم في معركة كوسوفو المغناه مصدر للتاريخ الوسيط وكمحرك للتاريخ الحديث والمعاصر·وأوضح: أن هذه الملاحم لا تفسر المعركة، وإنما تفسر ما حدث بعد المعركة، فإن غالبية الألبان اعتنقوا الإسلام، وبالتحديد في كوسوفو، لذلك آخذت الملاحم الألبانية صبغة مضافة ولاحقة حتى توافق دورهم في المعركة بين كونهم صاروا مسلمين في دولة عثمانية، فالخط الملحمي الألباني تحاول الآن أن توفق بين هذا التناقض، مما يدل علي أن الملاحم لها دور في شحن الحركات القومية والوطنية خلال المائة سنة السابقة.[c1]دور للأغنية[/c]ومن مصر قال مصطفي عاشور باحث التراث: إن هناك دور للأغنية الشعبية في التعبير عن حال الشعب نفسه، فأثناء الحرب اللبنانية وجدنا بعد قرابة شهر من بدء الحرب أن الفن لم يكن مساهما في هذه الحرب، مما أدى ذلك إلى فروق كثيرة بين الأغنية والبندقية، هذا بخلاف فترة الخمسينات والستينيات التي ارتسمت بنوع من التقارب بينهما، وهذا ربما يرجع إلى دور اليسار في ذلك، الذي تبني قضايا إنسانية معينة، ويدرك أهمية الفنون في التعبير عن القضايا الإنسانية، وكذلك الوطنية لكن في فترة العدوان الإسرائيلي علي لبنان سنة 2006، لم يكن هناك أي رصيد فني لمساندة الحرب وهذا يطرح تساؤلا مهماً حول الأغنية والأيديولوجيا، التي استثمرت هذه العلاقة بشكل وثيق واستخدمت وقت الأغنية للتعبير عن الأيديولوجيا، وظل الاقتران بينهم ودليل ذلك هي أغاني الشيخ إمام، حيث أكدت أغانيه على مساهمة فعالة للشعوب، وكذلك أغاني أحمد فؤاد نجم، حيث إن أغاني الشيخ إمام جعلت نظريات اليسار أكثر انتشاراً في مصر والعالم العربي ومراكز الوعي اليساري في الوطن العربي·وأشار عاشور إلى أن أغاني شعبان عبدالرحيم التي ظهرت في السنوات الأخيرة بمصر حاول البعض أن يستنسخ منه الشيخ إمام عندما حاولوا أن يغني أغنية "الكراسي" ولكن شعبان رفض وتغنى بأغنية أخرى، وبالتالي فشعبان عبدالرحيم يختلف عن الشيخ إمام نظراً لاختلاف التجربة والسياق بينهما·وفرق مصطفي عاشور بين الأغنية السياسية والوطنية، حيث إن الأغنية الوطنية لها نموذجيان هما نموذج الشيخ سيد درويش وأغاني المطرب عبدالحليم حافظ، حيث تختلف الأغنية الوطنية عن السياسية حتي لو تعلمت العديد من المضامين السياسية وبعد نكسة 67 ظهرت فنون عديدة فأول أغنية سياسية تغني بها الشيخ إمام عيسى كانت بعد النكسة بيومين، وكذلك أغاني سيد درويش المعبرة عن الحمولة الوطنية وتعبرعن كلام الشعب ولغته ومعاناته، هذا على خلاف أغاني عبدالحليم حافظ كانت مليئة بالحضور السلطوي ورمز السلطة ومزج فيها بين شخص الزعيم وقضية الوطن وكأنهم شيئاً واحداً، لكن أغاني الشيخ سيد درويش كانت أكثر تعبيراً عن الهم الوطني "وهم الاستقلال"، الذي بدوره عبر عنه أيضا الشيخ إمام "بهم الاستبداد"·