مع الأحداث
في حياتنا اليومية نرى الكثير من المواقف، ونسمع العديد من الأحداث، ونحس بالعديد من الظروف، وهذه المواقف والأحداث والظروف ربما كانت نتاج موروث أومعطيات وضع قانوني أو إداري أو سياسي أو اجتماعي، وفي خضم هذا كله قد يجد المرء نفسه وحيداً في زوبعة تلك المواقف والأحداث والظروف لا يقوى على مواجهتها والتعامل معها بشكل إيجابي وبناء وتسييرها لخدمة هدفه وطموحه، فلا يكون أمامه إلا الاستسلام والسير وفق ما يبثه الآخرون في نفسه من سخط على القدر وعلى الأوضاع دون أن يبذل جهداً بسيطاً في تحمل المسئولية - ولو مسئولية نفسه- فهو في نظر نفسه ضحية لكل تلك المواقف والأحداث والظروف، ومصيره مرهون بذكاء أو غباء مهندس تلك الأحداث، فهو لأجل ذلك لا يجد للسعادة باباً مفتوحاً ولا الرضى سلماً يصعد به إليه، فالكآبة فراشه، والسخط غطاؤه.. فأنّى لهذا أن يكون عنصراً فاعلاً أو لبنة صلبة في بناء المجتمع؟؟ أنّى لهذا الذي فقد ذاته في أتون الظروف والأحداث أن يرى غير النصف الفارغة من الكأس؟ومما يزيد تكريس ذلك الشعور الكئيب في نفسه - والتي ضاق أمامها الفضاء، واسود في عيونها النهار، ومر ( من المرارة) في مطعمها الشَّهْد - مما يزيد تكريس كل ذلك أنه يجد كل يوم من يغذي شعور الكآبة لديه، وأنه ضحية، وأنه لا سبيل إلى إصلاح النفوس والأوضاع البتة إلا بفناء هذه العوالم لعيش في هذا العالم وحده ينعم بخيراته ويتمرغ بنعيمه!!إن تغذية هذا الشعور قد جاء بطريقة أو بأخرى انعكاساً لنقاط الضعف لدى الآخرين وفشلهم في إدارة ذواتهم.. فرب كلمة أو موقف من هؤلاء يلقى استجابة سريعة غير متبصرة من قبله؛ يكون بذلك قد جرد نفسه من كل نقاط القوة والتميز والثقة.. كما أن قراءته لصحيفة ما أو سماع نشرة إخبارية قد يغذي ذلك الشعور السلبي بشكل مفرط، فبعض وسائل الإعلام للأسف تكرس استخدام لغة الكآبة والألم؛ بما من شأنه أن يشكل إيحاء سلبياً للآخرين بأنهم في وسط لا تحكمه إلا شريعة الغاب، فتدفعهم بذلك دفعاً للتفكير بعقلية الضحية، وأظن أن الجميع يوافقني هذا الرأي لا سيما وأن معظم المصطلحات المستخدمة من قبل تلك الوسائل لا تخرج كثيراً عن نطاق: ( سحل ، قتل - ذبح، نطح - ضرب، نهب - هدم، رجم - هرج، مرج - عفط، زبط، ... ) !!!! ولا أقصد بهذا الكلام زيادة مؤشر الكآبة لديك عزيزي القارئ!! إنما أقول: إن الحياة فيها الخير وفيها الشر، ولن نجد خيراً محضاً، ولا شراً محضاً.. فهذه حكمة الله ، ولكي لا ننجر وراء الشر فنزيده شرارة ؛ لا بد أن يتحمل كل منا مسئولية التغيير بدءاًً بتغيير الذات، وبدلاً من التفكير بعقلية الضحية، لا بد من التفكير القائم على السيطرة الشخصية.. وهنا يبرز سؤال مهم مفاده: كيف تصنع واقعك المثالي؟!أقول: إن لدى كل واحد منا نعمة عظيمة من نعم الله هي الحرية ، وهذه الحرية لابد أن تُفَعَّل في حياتنا لا من أجل تحميل الآخرين المسئولية وإلباس المواقف والأحداث لباس الكآبة والألم، بل من أجل تحمل مسؤولية على صعيد الفرد والجماعة للخروج من بوتقة الكآبة والتفكير السلبي الهدام، إلى رحاب السعادة والتفكير الإيجابي البنَّاء..وفي هذا الصدد يقول المؤلف الأميركي إستيفن ر كوفي: إن هناك مسافة بين المؤثر والاستجابة، في هذه المسافة تكمن حريتنا وقدرتنا على اختيار استجابتنا، وفي خياراتنا تلك يكمن نمونا وسعادتنا..يا له من كلام رائع ، فالمؤثر سواء كان موقفاً أو حدثاً أو ظرف - موروثاً أم طارئاً - لا يحدد مصيرك، إنما يحددها تلك المسافة بينه وبين الاستجابة له، وسواء كانت المسافة بين المؤثر والاستجابة صغيرة أم كبيرة فالمهم أن تكون أنت من تختار تلك الاستجابة بحرية تامة، فأنت بهذا الاختيار تحدد مصيرك العاطفي والعقلي والجسدي والروحي..يقول استيفن كوفي: إن هذه القدرة والحرية تقف على طرفي نقيض مع منظومة التفكير التي تعتمد على لعب دور الضحية ومع ثقافة اللوم المنتشرة كثيراً في مجتمع اليوم.. إننا بشكل أساسي نتاج لخيارنا وليس للطبيعة (الموروثات) ولا للتربية (التنشئة والبيئة) وإن كانت هذه كلها : الموروثات والثقافة والبيئة تؤثر علينا تأثيراً قوياً، لكنها لا تحدد مصيرنا، فنحن الذين نحدد مصير أنفسنا من خلال إدراك وملاحظة المسافة بين المؤثر والاستجابة، والسيطرة على تلك المسافة - والتي تمثل قدرتنا على اختيار استجابتنا لأي موقف يمر بنا- لتأتي الاستجابة واعية وبناءة..فهذه المسافة من أعظم نعم الله علينا وهي التي تميزك كبشر عن غيرك من الأحياء الذين ليس لهم عقل ولا يملكون حرية في الاختيار..إن استخدام حريتك في الاختيار بحكمة؛ يجعلك بعون الله قادر على تغيير الظروف والتأثير في الآخرين، أو على الأقل حماية نفسك من أن يؤثر فيك ضعف الآخرين..وفي هذا السياق يقول استيفن : تذكر أنك عندما تجعل حياتك العاطفية تحت تأثير نقاط ضعف شخص آخر فإنك تجرد نفسك من القوة، وتقوي نقاط ضعف ذلك الشخص ليستمر في تدمير حياتك.!!!!لذلك كله فإنك باستطاعتك أن تصنع عالمك الإيجابي، لأن حياتك من صنع أفكارك، فقط فكر بعقلك لا بعقلية الآخرين، وتحمل مسئولية نفسك من خلال التأمل في تلك المسافة بين المؤثر والاستجابة والسعي الواعي لاستخدام تلك النعمة بحكمة لكي تنال المزيد من الحرية، ولكي تستمر في النمو والتعلم والمساهمة الفاعلة الإيجابية في حياة الآخرين..فإذا قويت لديك الإرادة والحكمة، وسلكت طريق التفكير القائم على السيطرة الشخصية، وراقبت أفكارك؛ فإنك بذلك تحدد مصيرك، بل إن استخدامك لنعمة الحرية والقدرة على اختيار الاستجابة الحكيمة تجاه أي مؤثر سوف يقوى تأثير استجابتك حتى تصبح هذه الاستجابة هي التي تصوغ المؤثر، أي أنك فعلاً ستقوم بصنع العالم الذي تنشده من خلال كونك إنساناً إيجابياً ومؤثراً.. عندها فقط أستطيع أن أهنئك، فأنت بحق الشخص الإيجابي والفعال الذي يحتاجك الوطن لبنائه، والتنمية لتحريك عجلتها، والحياة لتبث فيها الخير الذي فطرك الله عليه.. يحتاجك الآخرون لتبث فيهم روح المبادرة والإيجابية، روح الحب والتكاتف والإخاء، روح العمل والبناء.. يحتاجك الآخرون لتكون لهم قدوة في إدارة الذات وإدارة الحياة وتحمل المسئولية، يحتاجونك لتغنوا سوياً بعد ذلك أغنية النجاح والأمل بيمن جديد ومستقبل أفضل..