نادرة عبد القدوسفي مقال سابق قبل أشهر عدة تناولنا فيه لغتنا العربية ومحاولات تدميرها وهي اللغة الحية الأكثر تنامياً والأكثر إقبالاً على التطور وتقبُل مفردات لغات العالم دون أن تفقد خصوصيتها وجمالها وأصالتها . إلا أننا نكرر تناول هذا الموضوع للأهمية القصوى وبدافع الغيرة على لغتنا التي تعرضت للهدم شأنها شأن الإنسان العربي الذي يتعرض كل يوم للتدمير على أيدي أعداء الأمة العربية والإسلامية بهدف القضاء نهائياً على الأصل العربي ، ولا يظن أحدكم أن ما أقوله هراء أو من قبيل التخويف ، فالحقائق تؤكد كلامنا ، بل إن كل الدلائل التي تأتي بأيدي وبأفواه الناقمين على التاريخ العربي والإنسان العربي والأرض العربية تؤكد ما نقول ففي فلسطين العربية لا يتم قتل إنسانها العربي فحسب بل والزرع والمقدسات الإسلامية والمسيحية معاً والمضي نحو تشويه جغرافية الوطن والتوزيع الديموغرافي فيه . وهي نقمة جاءت نتيجة التربية الصهيونية التي تقوم مناهجها على كراهية العرب واعتبارهم دخلاء على الأرض وأن اليهود هم الأصل وهم أصحاب الأرض . هذه صورة من صور معاناة الإنسان العربي في جزء من الوطن العربي الكبير .. أما الصورة الأخرى فهي تعزيز كراهية الغرب للإسلام والعروبة من خلال الرسوم الكاريكاتيرية التي ما انفكت تتزايد يوماً عن يوم وارتفاع أعداد المواقع الإلكترونية الهدامة التي تنشر العديد من التفاهات والوقاحات السمجة عن العرب والمسلمين وبأشكال وتناولات مختلفة .. وقد جاء في مجلة “ الوعي الإسلامي “ ( إنه من السذاجة الاعتقاد بأن الرسم الكاريكاتوري لم يتوجه بصورة مؤلمة ومؤذية لمشاعر المسلمين إلا مع أزمة الرسم التي نشرتها الصحيفة الدنمركية يلندز بوسطن jyllands posten والتي صورت الرسول، بأشكال مهينة ومسيئة لشخصه الكريم، فالرسم الكاريكاتوري الموجه لخدمة عملية تشويه صورة الإسلام والمسلمين قديم ظهر أواسط القرن العشرين وعرف أوجه خلال أزمة النفط عام 1973 عندما استعمل العرب سلاح البترول كأداة للضغط على تحيز الغرب السافر والمثير لإسرائيل ضد مصالح العرب وحقوقهم المشروعة، بيد أنه لم يتم التركيز على الإسلام كدين بقدر ما تم التركيز على الإنسان العربي وحضارته، ولكن استهداف العرب في ذلك الوقت نابع من كون الإسلام لم يبرز قبل السبعينات من القرن العشرين كأبرز تحد يواجه الغرب، ولذلك بقيت صورة العرب الأكثر تمثيلاً والأبرز ظهوراً، إلا أن تخصيص الإنسان العربي برسوم كاريكاتورية مشينة ومهينة يقصد به ضمنيا الإنسان المسلم وعلى وجه أخص أبناء الخليج العربي الذي يعتبر مصدر ضخ النفط في اتجاه البلدان الغربية مع الأخذ بالاعتبار أن العرب هم ورثة تركة الإسلام الذي يدعو- بزعم هؤلاء- إلى القتل والتخريب وتهديد الحضارة الغربية وتقويض دعائمها( . وعودة إلى الموضوع الذي فتحنا باب تناوله أعلاه فإننا نفخر ولا نغالي إذا قلنا إن أصل اللغة العربية يعود إلى جنوب الجزيرة العربية أي من اليمن تحديداً والتاريخ يشهد على هذه الحقيقة .. إلا أنه بعد انهيار سد مأرب الشهير في (650-115 ق م) وبعد تدمير شبكات تنظيم الري والأراضي الزراعية والمساكن الذي غير من ظروف الحياة المعيشية خاصة بعد أحداث الفيضانات العارمة والكارثة البيئية التي نتجت عنها حالات نزوح بأعداد كبيرة من السكان والهجرة إلى المناطق الشمالية واستقرارها في يثرب ومكة والشام والعراق .. بالإضافة إلى الغزوات المتكررة على اليمن من قبل الأحباش والروم والفرس والأتراك ، الأمر الذي أدى إلى توطيد أواصر التقارب والاختلاط والمصاهرة ، وبالتالي كانت النتيجة الحتمية اختلاط اللغات المختلفة وظهور اللهجات المختلفة التي دخلت على اللغة العربية الأصل . وقد برزت لغتان أساسيتان في الجزيرة العربية هما الآرامية والعبرية مع ظهور الديانتين المسيحية واليهودية ، إلى جانب اللغة العربية التي تأثرت بهما واستعارت منهما الكثير من المفردات ، إلا أن اللغة العربية تعد الأصل في التاريخ من حيث المنشأ بين مجموعة اللغات السامية ، وتُعد الأغلب انتشارا . تعرضت اللغة العربية في مختلف العصور والمنعطفات التاريخية إلى محاولات التدمير والهدم فقد تعرض أكثر من مليون مخطوطة للحرق عندما دخل الصليبيون غرناطة وفي العراق أُغرقت مخطوطات مكتبة الحكمة من قبل التتار في نهر دجلة ، ثم جاءت القوات الأمريكية لتحرق خزانة وزارة الأوقاف أثناء الحرب وغزوها لبغداد عام 2003م.[c1]اللغة العربية والعولمة [/c]وفي ظل العولمة واستباحة الاقمار الصناعية للفضاء وظهور القنوات التلفزيونية المتعددة الثقافات التي تُشاهد دون قيد في كل المعمورة ، وظهور شبكة الاتصال العنكبوتية (NET) كوسيلة اتصال متطورة عملت على تقريب المسافات وجعل الكون يبدو كقرية صغيرة يتواصل فيه البشر عبر الأثير بلمح البصر . ولعل من نافلة القول أن هذه التطورات كان لها أثرها البالغ على اللغة العربية التي أضحت تعاني اليوم الأمرّين ، الأسباب السياسية من جهة والانفتاح على العالم الخارجي من جهة أخرى ، دون وجود المناخ المناسب لنموها ووقف سيل المفردات الأجنبية الدخيلة عليها ، فعلى سبيل المثال تُكتب اليافطات الإعلانية على المحلات التجارية وعلى المباني والمنشآت الخدمية الخاصة والحكومية باستخدام الكلمات الأجنبية ككلمات ( البنك ، الكمبيوتر ، صالون ، أوتيل ، لوكاندا ، بنسيون ، موتيل ، مول ، باص تليفون ، تاكسي ، لمبا ، أستاذ ، شذروان ... الخ) . [c1]موقفان متعارضان لكنهما واقعيان [/c]وسعياً للحفاظ على اللغة العربية وحمايتها من الانقراض ودفاعاً عنها تتكون العديد من الجمعيات والمؤسسات والمراكز الثقافية واللغوية في كثير من البلدان العربية ، وتعقد العديد من الندوات والمؤتمرات لمناقشة وضع اللغة العربية الراهن ، والخروج بحلول إيجابية تُعيد للغة العربية أصالتها وتحميها من الضياع . وفي ندوة نظمها اتحاد الأدباء والكتاب العرب قبل أربعة أعوام في قاهرة المعز بجمهورية مصر العربية حضرها لفيف من المثقفين والأدباء المصريين والعرب تم استعراض علاقة اللغة العربية باللغات الأخرى التي تجادلت معها بفعل التدخلات الأجنبية؛ وصل إلى أن أكثر ما يكشف ملامح المحاولات الحديثة لإعادة بنية اللغة مثل إعادة بنية المجتمع هو الموقف من اللغة العربية ذاتها. فنحن في العصر الحديث إزاء موقفين حديين متضادين ظاهرياً، لكنهما في العمق يستندان إلى منظور فكري/ طبقي واحد. الأول يدعو إلى إحياء العربية القديمة بصفائها ونقائها، والثاني يدعو إلى تجاهلها والكتابة بالحروف اللاتينية. رغم تعارض الموقفين، فإنهما ينطلقان من منظور مثالي يبتغيا محاكاة نموذج سابق مبهر بالنسبة لكل منهما، مع التجاهل التام (والهجوم بالطبع) علي إمكانيات الواقع اللغوية المتمثلة أساساً في العامية كلغة للحياة والكلام والإبداع الفني والأدبي والفكري، إن هذين الموقفين يكشفان طبيعة العلاقة المركبة بين التطور الاجتماعي والتطور اللغوي من ناحية، وبين التطورين في علاقتهما بالآخر ولغته من ناحية أخرى، على هذا النحو يصبح الاختلاط في اللغة ليس مجرد اختلاط لغوي، وإنما هو اختلاط مصالح طبقية أو فئوية في داخل الطبقة الواحدة. ومن هنا أيضاً لا يصبح هذا الاختلاط المعاصر معاصراً، وليس وليد اليوم، وإنما هو قائم دائماً بدرجات متفاوتة وأشكال متغايرة ومع لغات مختلفة. [c1]دور منظمات المجتمع المدني[/c]الدكتور مدحت الجيار خصص بحثه المقدم في الندوة للحديث عن “الجمعيات الثقافية الأهلية ودورها في زمن العولمة”.. قال: “تقدم العولمة (الآن) نفسها علىكل المستويات: إعلامياً (قنوات فضائية مفتوحة) وتكنولوجياً (بالكمبيوتر) وعسكرياً (باحتلال منابع البترول) وثقافياً من خلال اللعب بالمؤسسات الأهلية وتحريكها لتكون بديلاً عن المؤسسات الرسمية، وتقدم لها الدعم المالي لتضمن استمرارها في تأكيد هويات ثقافية في البلد الواحد، ثم في العالم كله. يتم هذا في الوقت الذي تخرج فيه الاحتجاجات على العولمة والهيمنة الاقتصادية واحتكار الأسواق والسيطرة على مناطق المواد الخام في العالم كله” .ومن هذه المقدمة يستنتج الجيار أنه قد “أصبح للجمعيات الثقافية الأهلية دوراً كبيراً في الحفاظ علي الهوية مرنة دون أن تتداعي أمام الإلحاح الضخم من المؤسسات الثقافية العالمية. ووجب أن تكون في كل دولة خطة قومية للجمعيات الثقافية والمؤسسات النقابية المستقلة. لأنها إجماع المثقفين من مفكرين ومبدعين وأدباء ومتذوقين، هي مستودع لفكر أي أمة وزاد يضخ قدرات هائلة من أجل الضبط الاجتماعي والحد من التعصب أو الجهل الثقافي، من أجل حياة أهلية مستقرة، ومثمرة، تقف جنباً إلي جنب مع المؤسسات الثقافية الرسمية. فهي مؤسسات ثقافية قادرة علي خلق حياة فعالة للإنسان مع نفسه ومع واقعة ومع العالم”. وفي نهاية بحثه قدم د.مدحت الجيار للندوة مجموعة من الاقتراحات تساعد في تنمية ثقافية ومردود قومي ومحلي، هي: “وجود خطة عربية تتبناها اتحادات وروابط ونوادي وأسر ونقابات الثقافة، تدرس وتعمم على كل البلدان لتري كيفية تحمل بعض مسئولياتها ولتبحث مدي اتصالها وتعاونها مع الجمعيات الثقافية الأهلية في كل بلد على حده. وجود نشرات شهرية أو فصلية لمناقشة القضايا الساخنة في كل المستويات وعلى رأسها قضايا الثقافة. التعاون مع المنظمات العربية التابعة لجامعة الدول العربية والمنظمات الثقافية الدولية التي نري حيادها في قضايا العولمة. دعوة جميع المثقفين العرب لعمل (بنك) أو مجموعة بنوك فرعية تجمع ما يمكن جمعه من المؤسسات الرسمية والأهلية، والأفراد والجماعات المختلفة، لاستثمارها وعودة ريعها علىالمنتج الثقافي العربي والأهلي منه بخاصة. فرض نسبة ضئيلة من عائدات الإعلانات في الدول العربية وإيداعها في (البنك الثقافي العربي). العناية بالطفل العربي من الآن، وتدعيمه وتوجيهه إلى التعامل مع هذه العولمة بهدف فهمها واكتشاف حلول خاصة تفيده في المستقبل” . أما الدكتور مصطفي عبد الغني قدم ورقة بحثية بعنوان “المؤسسات الثقافية ومستقبل الثقافة” ركز فيها على الواقع العربي وتدمير الهوية العربية وقال إنه حزين “لدمار مؤسساتنا الثقافية في العراق وفلسطين بشكل يجب أن ننتبه له قبل أن نتحول إلي (الهنود السمر) في عصر الهيمنة الأمريكية”. وأن غياب المؤسسات الثقافية في العراق أو فلسطين بحكم الإبادة والتخريب لا ينفصل بشكل أكيد عن مصير المؤسسات العربية في شتي الأقطار. [c1]آلية الحفاظ على الهوية العربية[/c]وفي ندوة عُرضت في إحدى القنوات الفضائية أدارها الأديب المصري المعروف جمال الغيطاني ، تحدث فيها المشاركون وهم أ . د . يوسف نوفل وأ. د. محمد أبو الفار ود. وفاء كامل حول آلية تفعيل اللغة العربية كإحدى اللغات الحية الرئيسة في العالم وكيفية الحفاظ على الهوية العربية للإنسان العربي من خلال لغته الأم ، فطالبوا بتوحيد المصطلحات العلمية والزراعية والموسيقية العربية الأصلية وبأن تعمم على الوطن العربي كله ، وبأن يتم التنسيق بين المجاميع العربية التي أضحت شبيهة بالجزر المعزولة وقراراتها حبيسة الأدراج . كما طالبوا بتدريس الطب باللغة العربية فاللغة تستمد قداستها من قداسة القرآن الكريم . وحمّلوا مسؤولية الحفاظ على اللغة العربية وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي ووزارات الإعلام العربي والجامعات التعليمية العربية والمنتديات العربية التي تُعنى باللغة العربية . [c1]اعتزاز اليهود بالعبرية [/c]إن دولة الصهاينة التي بنيت على الأرض الفلسطينية بعد اغتصابها من العرب ، تهتم باللغة العبرية أيما اهتمام ، فأحيتها من خلال تدريس مادة الطب والعلوم الأخرى بالعبرية . ونشطت حركة الترجمة من اللغات الأخرى إلى اللغة العبرية للكثير من الكتب الأدبية والعلمية العربية والإنجليزية والفرنسية والفارسية إلخ . وكذلك الحال بالنسبة للصينيين . في الوطن العربي أكثر من 300 قناة فضائية تروج للثقافة الاستهلاكية .. إضافة للإنترنت الذي لا يتم توظيفه لخدمة لتطوير الإنسان العربي ، وتنمية شباب الأمة العربية وذلك من خلال الجامعات والمنتديات والمراكز الثقافية والعلمية وتسهيل استخدام هذه التقنية التي جاءت لخدمة الإنسان وتطور مداركه لبناء مجتمعه . في هذا الصدد يقول الدكتور محمد السناجلة رئيس اتحاد كتاب الإنترنت العربي : “ هناك 11 مليون يستقبل الإنترنت في الوطن العربي ، ويبلغ عدد المدونات 27 مليون مدونة ، وفي الوطن العربي حوالي 2000 مدونة “ ويضيف : “ نحن أمام تحدٍ جديد .. وعلى منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية ورجال الأعمال لعب الدور الأساسي في الحفاظ على الهوية العربية “ وناشد بتجديد الخطاب الديني الإسلامي وإلى تطوير الخطاب الإعلامي العربي ، منوهاً إلى تعدد القنوات الفضائية في ميدان حرية الإعلام والرأي والتعبير وهي تحمل الغث والسمين في تنوعها بسبب عدم وجود رقابة على الفضائيات .. زد إلى ذلك وجود الهواتف الجوالة التي تدخل اليوم ضمن قائمة وسائل الإعلام فهي ترسل وتستقبل الصوت والصورة ورسائل إعلامية (SMS) . ويشير السناجلة إلى الفجوة الموجودة بين الإعلام العربي والمتلقي ، وأن 90% من البرامج الإعلامية العربية لا علاقة لها بالإنسان العربي وهي خارجة عن المضمون ، والإعلام العربي مقلِد للإعلام الغربي .
|
ثقافة
لغتنا العربية ( هويتنا ) هل نلغيها ؟
أخبار متعلقة