د. يحيى قاسم سهلالعنوان أعلاه هو عنوان كتاب د. احمد علي الهمداني الصادر عن الهيئة العامة للكتاب صنعاء، وقد اشار المؤلف في مطلع الكتاب بأن: "الحديث عن تاريخ الحركة الأدبية ـ الثقافية في بلادنا أمر في غاية الصعوبة فلا توجد مراجع في هذا المجال وانما ذهبنا نفتش في أخابير المؤلفات وصفحات المجلات والجرائد نتوخى الدقة في الاحكام والصدق في الاستنتاج".وتبرز القيمة الأساسية لهذا الكتاب في كونه يوفر مسحاً شاملاً للنهضة الثقافية والأدبية في عدن، انه بمثابة دليل من الممكن للباحث المتخصص ان يعود إليه في أية لحظة لتدقيق أو لمراجعة معلوماته، كما يمكن للباحث غير المتخصص ان يستعين به لبلورة تصور عام حول المشهد الثقافي في اليمن عموماً وبصفة خاصة عدن.ويوفر الكتاب إمكانية نموذجية للاطلاع على تاريخ الحركة الثقافية ـ الأدبية وبداية نشوءها وتطورها في عدن والتي تبدأ بحسب المؤلف: (في منتصف الثمانينات من القرن التاسع عشر وذلك حين اصدر الأستاذ عبدالقادر محمد المكي "ناظر اشغال بلدية عدن" كتابه (النهر الفائض في علم الفرائض والإيضاح في حقوق النساء واحكام النكاح عام 1886م في جزءه الأول..) بمعنى ان الحياة الأدبية في عدن كانت قد أزدهرت قبل قيام الأندية الثقافية، كما هو سائد عن الكثير من المثقفين في بلادنا.. وهذا ليس تقليلاً لدور الأندية الأدبية والمراكز الثقافية التي نهضت بدور عظيم في تطور الحياة الأدبية والثقافية وكان (نشوء النقد الأدبي في عدن بنشؤ النوادي الأدبية وذلك لان هذه النوادي أنشأت حالة ثقافية راقية..).ورصد المؤلف هذه الحالة الثقافية الراقية والمتمثلة في الاماسي الشعرية والمحاضرات الأدبية والمناقشات الاجتماعية والآراء النقدية التي تناقش الأدب العالمي وكذلك علم النفس والفلسفة والموسيقى والوظيفة الاجتماعية للأدب ناهيك عن الاتصال العميق باللغة الانجليزية وأجادتها وتوظيفها توظيفاً يدل على معرفة طاقتها التعبيرية ان صح القول.هذا وأشار المؤلف إلى أن: "عدن في الثلاثينيات قد بلغت شأناً عظيماً في الحياة الفكرية الحديثة وطارت شهرة اقلام أدبائها وشعرائها إلى اقطار الوطن العربي المختلفة وأصبح لأدبها انصار ومروجون يجعلون من أدب المنطقة نموذجاً للتطور الأدبي في الجزيرة العربية كلها". واستدل بشهادات على هذا القول إلى القول: "ولعل هذه الحقائق تدفع بنا إلى ان نرى ان النهضة الأدبية الحديثة في عدن قد واكبت هذه النهضة العربية زمناً وأن تختلف عنها في مدى قوتها وطغيانها على أشكال الحياة المختلفة".ولم يعن المؤلف بدراسة النهوض الثقافي والأدبي في عدن فحسب، بل ناقش الآراء النقدية التي عنيت بدراسة وتقييم هذا الحراك الثقافي والأدبي الذي شهدته مدينة عدن.وتناول الباحث الصحافة بوصفها "اللون الإعلامي المتميز الذي ساعد على اتساع رقعة الحركة الأدبية الثقافية.." مشيراً إلى دور الصحافة في اكتشاف كثير من الأدباء والنقاد واحتضانها (للمحاورات الأدبية والمناقشات الفكرية والخصومات النقدية التي طورت من النقد وخلقت جواً ملائماً لتقبله".وبحسب المؤلف بلغ عدد الصحف والمجلات في عدن منذ الحرب العالمية الثانية حتى الاستقلال ما يقارب ستين صحيفة ومجلة، هذا من جهة ومن جهة أخرى، لم ينس المؤلف الإشارة إلى دور "صحيفة (فتاة الجزيرة) وأصحابها الذين حملوا أعباء الحركة الأدبية ردحاً من الزمن.." وكذلك صحيفة (المستقبل) التي "استطاعت ان تكسب انتشاراً واسع النطاق وان تجذب إليها اهتمام المجلات الأدبية في الخارج وتحظى بتقديرها البالغ بما تنشره من روائع الأدب والفن".إلى جانب ذلك يصوب الكتاب النظر إلى المطابع والمكتبات بوصفها .. "من العوامل الأساسية الحاسمة التي ساعدت على إثراء الحركة الثقافية ـ الفكرية في عدن.."ويمر الباحث على بعض ملامح النقد في صنعاء مشيراً إلى: "ان النقد في صنعاء أستطاع ان يخترق جدار الصمت والعزلة ويضرب الحصار المفروض من حوله ويحطم اسواره المنيعة" ملمحاً إلى دور مجلة "الحكمة" و"البريد الأدبي" وغيرهما من الصحف التي صدرت وقدمت بعضاً من الأعمال النقدية الناضجة.وبحسب المؤلف فأن الحركة الثقافية والفكرية والأدبية والنقدية في عدن بدأت في مستوى الحياة الفكرية الحديثة في مصر والشام والعراق وغيرها من البلدان العربية.ذلك بشأن القسم الأول من الكتاب والموسوم "الحركة الثقافية في اليمن بعض الحقائق والتفاصيل" أما القسم الثاني فقد جاء بنفس عنوان الكتاب وقد أوضح المؤلف وتحت عنوان " الريادة الزمنية" أهم مميزات حركة الأدب اليمني المعاصر، وهي "ارتباطها ارتباطاً وثيقاً لا يقبل الانفصام بالثورة اليمنية، بالحركة الوطنية اليمنية على امتداد مساحتها المكانية وفضاءاتها الزمانية منذ ان واجهت اليمن الغزو الأجنبي التركي والاحتلال البريطاني". وبلغت الانظار في هذا الإطار إلى أهمية التحري والدقة في البحث عن الحقائق، إذ أن غياب الحقائق ينجر عنه أخطأ رهيبة، وأوضح الأمثلة على ذلك بمناقشة علمية رصينة وجادة.ولم يغب عن الباحث الإشارة إلى أن التغييرات الثقافية والاجتماعية والسياسية كانت بسبب تحول عدن إلى مركز تجاري ـ اقتصادي.ويلمح الكتاب إلى الحركة الوطنية اليمنية كلها في الشمال والجنوب وبصرف النظر عن اختلاف اتجاهاتها في الجنوب عنها في الشمال في الستينيات فان الأدب لم ينفصل عن الثورة ولا يمكن عزل احدهما عن الآخر..الخويترسم الباحث خطى الريادة الإبداعية لعدن في خطوطها العامة ممهداً السبيل للباحثين الشباب لمواصلة البحث في.. "الحياة الفكرية في عدن بكل اتجاهاتها المختلفة والمتناقضة التي تحركت في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من مجال ليخلص إلى القول: "عدن كانت رائدة في عدة اتجاهات داخل الحركة الوطنية اليمنية وداخل حركة الفكر اليمني المعاصر."واقل ما يمكن قوله في هذه العجالة، أن د. احمد الهمداني في كتابه هذا، أو كتبه الأخرى التي أثرى بها المكتبة اليمنية، يعيش حالة صوفية يتماهى فيها مع المشهد الثقافي في عدن ولكن لا لذاتها، بل لان عدن هي عين اليمن وثغره الباسم.As- sahal @ HotmailL