قصة قصيرة
مهداة الى العميد ركن / المرحوم حمود ناجيتداخلت الالوان في عينيه وغلب عليه اللون الاصفر كان وجهه خليطاً لالوان الطيف وكشعاع شمس واهية تجر اذيالها قرب مغيبها وهي ترحل في بحر لجي ليس له قرار الالوان اختلطت بعتمة الليل والليل ظهر جلياً كسحاب مخلوط بماء سراب لا يظهر جليا كان يذرع الشارع باحثاً عن شيء يعلمه الا هو غاب عن الشارع كما تلاشت تلك السحب التي مرت في سماء صيف شديد الحرارة . اسدل الليل رداءه . الجبل جاثم على صدر البحر وامواج البحر تأخذ مداها الى الاعلى ثم الى الاسفل تموج ليس له قرار . اليوم عرف ان الحياة لا تستحق هذه المتاعب وانها حقيرة وملعونة ايضاً . طوى من حياته سنيناً باليه كان فيها الزمن يحسد عليه اصبح في نظر الكثيرين اليوم ماضياً سحيقاً مضت ايامه بكل ما فيها من حلو ومر تذكر الماضي البعيد بكل ابعاده الحلوة والمرة كان عملاقاً رغم امتزاج كل شي فيه كان ذلك منذ اربعين عاماً مضى عندما كان جندياً في الحرس الوطني يتسلق قمم الجبال حاملاً بندقيته التشيكية كان شامخ الرأس قدماه لا تعرف حذاء سليماً وقامته تمثل جبلاً واقفاً بذاته فهو جندي شجاع وجسور خاض اعتى المعارك في سبيل الوطن تحمل كل شي لم يبالِ بالمنغصات التي كانت تعترضه .. كان سلاحه الصبر والايمان . الشارع الطويل بدأ يطوي اسفلته كما طوى الليل رداءه طوت تلك السنين عمره واصبح ذلك الشخص الذي لا يقوى على الحركة لكنه شامخ كشموخ الجبال . بات ليلته يحسب الزمن المتبقي من عمره ويحسب الزمن الماضي تداخلت كل الازمنة سقط زمن من بين يديه . لا يعرف كيف يلملمه . لكن احس به اليوم عندما رأى قامته تأخذ بالانعطاف كعرجون نخل قديم لا يصلح لشيء نظر الى الزمن الحاضر اصبح هو ميتاً رغم الحياة التي يعيشها ويشاهدها يومياً . المستقبل بات في نظر كعباب الماء وزبد البحر الذي ينتهي في لحظة ما . عندما يقذف بها البحر الى الساحل . مات عنده كل شي حتى الازمنة والامكنة . مات في نظرة كل شي ء لا يبالي لما حصل نظر الى ساعته كانت تطوي عقاربها كما طوى الزمن عمره المتهالك اطلق تنهيدة تذكر فيها ايامه البالية زمان كان الانسان له قيمته وله قدرته على العطاء اما اليوم فالواقع يختلف تماماً حروب اقتتال تدمير حرائق .. الخ ( أين الانسان كما يدعون . لا قيمة له زمن ماتت فيه كل القيم والمبادئ ) . ضحك واطلق زفرة احس بها في قلبه ان الزمن الماضي لا زال محفوراً في قلبه ومشدوداً الى ذاكرته كخريطة قديمه لا يظهر عليها سوى خطوطها لا زال يحتفظ بها . تذكر ايامه الاولى عندما كان على رأس اول دفعة في الحرس الوطني كان كنخلة طرية يانعة تعطي ثمارها كل حين ادبر الليل بكل همومه وغاب معه ذلك اللون الاصفر الباهت واختلطت جميع اللوان لا تستطيع ان تميز بينها وبين ضوء الصباح الباكر حيث يبدد الخيط الابيض الخيط الاسود عند الفجر تداخلت الكلمات اصبحت حروفها مبعثرة لا تعرف مطالعها او تفك رموز حروفها حروف مبللة بدموع الاسى والحزن الجاثمة على صدره الذي لا زال شامخاً رغم مرور الزمن نظر الى المرآة كان وجهه متجعداً من تأثير الزمن .. دقنه لم تعرف الموس من فترة طويلة لقد طالت لحيته وابيض شعره في الماضي عندما طال شعره كان اكثر وسامه اسدل الليل ظلامه ونشر الصباح نوره الوضاح وهو ذلك الشخص القادر على العطاء دائماً ولا يبالي بشي الزمن القادم شده للزمن الماضي وراح ينصب قامته المتبقية . الزمن قاسياً عليه فقد اكل عليه الدهر وشرب . نهض معلنا شموخه وعظمته كالجبال الذي مرَّ عليها سنيناً يحرس من فوقها الوطن هو ملاؤه . تذكرها من ... الى هو يعرفها حجرا . حجرا لم يستطع الوقوف كما اراد اسقط دمعة ساخنة كانت حارة كحرارة شمس تموز اللون الاصفر بدأ يظهر عليه من خلال شمس الصباح تذكر السنين التي مرت من عمره الزملاء الذين لا ينساهم ابدا سقطوا شهداء في احلك الظروف من اجل الوطن وانتصار الثورة والجمهورية في الماضي تساءل بينه وبين نفسه هل لا زلنا نذكرهم او نتذكرهم اذا جاء من يذكرنا بهم ؟ لا يوجد فوارق وامتيازات في ذلك الزمن فالكل واحد وفي خندق واحد لا يعرف الخندق احد ولا من اين جاء !! الموت والحياة سواء في خندق واحجد تذكرهم جميعاً وتذكر تلك الجبال ، وديانها وسهولها . كانت كسراب يحسبه الظمآن ماء الان ظهرت كحقيقتها سهل منالها وصعب منالها سهل الذين فتحوا جيوبهم وبطونهم فنالوها سهلة اما الاغلبية فهم الذين وقفوا هناك ظلوا اوفياء للوطن وظلت اعينهم ترصد العدو القادم وقف عند مفترق الطريق وضع خارطة للوطن كله لم يفرط بشبر منه وقف شامخاً قال : الدنيا لا زالت بخير رغم مرور الزمن فالطيبون لا يزالون موجودين على وجهها الالوان ظهرت على وجهه ارتفع كجبل نقم وشمسان شمر ساعده واحدث ضجة كقنبلة موقوته آن انفجارها . راح يتخطى الزمن المتبقي من عمره تداخلت تلك التجاعيد بعضها ببعض وشكلت خارطة الوطن بكامله شق طرقه معلنا انه لا زال ذلك الجبل الذي لا ينثني نهض مسرعاً يضرب الارض برجليه بقوة نهض كنخلة صلبه ارجلها في قعر ماء ليس لها قرار شد امتعته وقف يعانق الارض ينظر بأم عينيه الى قدرته على الصمود والتحدي لزمن آتٍ ينتظره البحر بدأ يضرب بأمواجه الجبل الذي امامه تتداخل الامواج والجبل لا يبالي لما حوله مد يديه ورفع قامته شامخاً كالجبل الذي امامه . حمرة الشفق الاحمر اعطته حيوية جديدة نهض بعزيمة لا تلين واقفاً كما هو الجبل امامه تحدى الزمن حيث وقف على الارض شامخاً لا يبالي لما حوله ضحك ضحكة تجاوبت معها كل الامكنه .. بدأت الشمس بالظهور رفع قامته كان قوياً لكنه سقط على الارض بقامته شامخاً كالجبال وواضحاً وضوح الشمس وهي جلية شاهده على كل الناس الذين ظل امامهم كما هو شامخاً .