مع الأحداث
يقال أن الابتسامة جواز مرور لقلوب الآخرين وبريد لا يخطئ عنوانه خصوصا عندما تكون صافية رقراقة وخالية من التصنع والتكلف، وهي نوع من القربى والصدقة التي قد يثاب المرء عليها في حياته،إلا أن واقع الحياة اليوم يقول بعكس ذلك فالابتسامة الصادقة أصبحت معدومة من حياتنا كانعدام الغاز في أيام العيد ،وزمن الابتسام الصافي قد ولى مع أصحابه منذ زمن،وما تبقى على السطح من مط الشفاه وجذبها فهي مجرد حركات استعراضية لا اقل ولا أكثر تماما كتلك التي يفعلها مذيع التلفزيون أو نجم المسرح من باب الطلة الحلوة على الجمهور،وإن وجدت تلك الابتسامة فقد تسجل من نوادر العصر.الم تتحول ابتسامة الطبيب في وجوه مرضاه إلى وجوم، وابتسامة المعلم في وجوه طلابه إلى صراخ، وابتسامة المدير في وجوه موظفيه إلى عبوس، وابتسامة السياسي في وجوه ناخبيه إلى تجهم؟هذه هي الحقيقة التي نعيشها اليوم في معظم الأحوال،ومن يدعي بخلاف ذلك يجامل نفسه، فقلما تجد اليوم ابتسامة حقيقية لوجه الله مجردة من كل أشكال الزيف والخداع والتملق والاستدراج،واقرب مثال يتكرر أمامنا ذلك الموظف الذي تقف أمامه طالبا إنهاء المعاملة فلا تجد منه سوى الامتعاض و طول الانتظار في حين يستقبل آخر أو أخرى بابتسامة طولها متر في متر وكأنه ملاك،فبين ما نرسمه على تجاعيد وجوهنا وبين ما تعنيه نفوسنا مسافات شاسعة في عالم تتملكه المصالح الشخصية إلى ابعد حد.وتعجب أن تجد بعض الدعاة يظهرون على الناس في مواعظهم وأحاديثهم بوجوه جامدة مشدودة وكأنهم منذرو حرب ظنا منهم بان في ذلك هيبة العلماء ووقارهم، مع أن ذلك يبدو تزمتا لا التزاما فلقد روى أبو الدرداء رضي الله عنه قائلا :« ما رأيت أو ما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدث حديثا إلا تبسم » و في حديث آخر عن عبد الله بن الحارث قال: « ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه و سلم»، وقال جرير البجلي، رضي الله عنه: «ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إلا تبسم في وجهي» ويحثنا خير البشر صلى الله عليه وسلم على التبسم فيقول : « تبسمك في وجه أخيك صدقة» و يصف حسن الخلق فيقول : « بسط الوجه و بذل المعروف و كف الأذى» و يقول : « كل معروف صدقة و إن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ...»كما أن العبوس و الغلظة ليست من الدين في شيء خاصة في مقام الدعوة إلى الله.وتوصف الابتسامة عادة بالسحر الحلال الذي لا يقاوم بل يذهب البعض إلى القول بأن الابتسامة الصادقة من أهم الوصفات السحرية لكسب اهتمام الآخرين، فالشخص الذي يبتسم كثيراً يؤثر تأثيراً إيجابياً على الآخرين أكثر من الشخص الجدي بشكل دائم، كما يعتبر أستاذ التنمية البشرية الدكتور إبراهيم الفقي الابتسامة الصادقة من الضروريات في العلاقات الإنسانية، وفي تكوين الصداقات الناجحة، وفي بناء الصرح العائلي، وفي كل علاقة إنسانية وذلك لما ترمز إليه الابتسامة من حب ومودة تجاه الشخص المرسلة إليه، فهي أشبه ما تكون برسالة حب صادقة إلى المرسل إليه!و الابتسامة واحدة من أسرار الجاذبية الشخصية للإنسان، وإحدى لغات جسده التي تعطي رسالة للشخص الآخر عن تقبله وارتياحه له ودفء مشاعره مثلما تشعره أيضا بالحقد والاستخفاف والتهكم حيث يتميز الإنسان بأنه المخلوق الوحيد الذي يضحك ويبتسم.لقد وجد أن البسمة أفضل عملة متداولة بين الناس لتقريب وجهات النظر اجتماعيا، ولإنجاز المعاملات الدنيوية إداريا، بل تعتبر أفضل جواز سفر إلى قلوب الآخرين وعقولهم، وكثيرا ما تلجأ شركات الدعاية والتسويق لتوظيفها لكسب ثقة جمهور المستهلكين أيضا، ربما انطلاقا من المثل الصيني القائل: (الرجل بوجه غير باسم لا ينبغي أن يفتح دكانا).و يقول ديل كرنيجي - وهو من علماء النفس المشهورين - في كتابه( كيف تكسب الأصدقاء و تؤثر في الآخرين) :إن ما يقال أن سر النجاح يكمن في العمل الجاد و الكفاح فلا أؤمن به متى تجرد من الإنسانية اللطيفة المتمثلة في البسمة اللطيفة، ويذكر (وليم ستينهارت ) أحد أشهر رجال البورصة في نيويورك في مذكراته أن سر نجاحه في الحياة يعود إلى الابتسامة المشرقة , وأنه قبل نجاحه كان عابس الوجه قليل الابتسام، فيما يرى (ستيفان جـزال ) أن الابتسامة واجب اجتماعي ،إذ أنها أفضل لغة يتداولها البشر فيما بينهم.ويحتاج الإنسان عادة إلى الراحة الجسدية والنفسية، وبخاصة في حياتنا المعاصرة، حيث يمثل الضحك والتبسم والسرور جزءًاً من المناعة النفسية التي تحول بيننا وبين التأثر بما نتعرض إليه من ضغوط في هذه الحياة وما أكثرها، إذ تعتبر الابتسامة بلسماً حقيقياً للشفاء من الأمراض، ومتنفساً هادئاً لأصحاب التوترات العصبية والاضطرابات النفسية، وكم يود المريض أن يرى ابتسامة الطبيب المعالج أو الممرضة المشرفة على علاجه، أو من أقاربه وزواره،لأن الابتسامة في وجه المريض من أجمل الصدقات خصوصا عندما تكون لأحد مرضى القلب أو السرطان فلها أهمية كبرى في بعث الأمل في نفسه وفي تماثله للشفاء، ولهذا سمي الطبيب حكيما لترفقه ومداراته، لأنه يعرف حالة المريض ووطأة المرض.ولاشك بأن في الأدب والفن الساخر شعرا ونثرا ورسما ومسرحاً ما يساهم في كسر حالة البؤس والإحباط والتوتر للناس وزرع البسمة الأصعب في وجوههم ترويحا عن النفس وتنفيسا لها من منغصات الحياة اليومية.وان كانت الحياة الزوجية لكثير من الأسر قد أصيبت اليوم بالشلل والملل التام نتيجة تقادم العمر وغلاء المعيشة فان حبة تبسم صافية كفيلة بمحو آثار الرتابة و الكآبة من حياتهم، وجعلها متوهجة من جديد بمشاعر الحب والألفة والصفاء بين الزوجين.وأخيراً فان الحاجة إلى الابتسامة لا تقتصر على الزوجين فقط، وإنما الجميع مطالبون بممارستها مع من يعرفونهم ومن لا يعرفونهم، فلن نخسر شيئا إذا ابتسمنا لبعضنا..فقط ابتسم وستكون سعيدا..