أطياف
تحدث كثيرون وتحدثنا معهم عن الحريات وحقوق المرأة ، وعقدت لهذا الغرض مؤتمرات وندوات عالمية .. وفي كثير من أحاديثهم وأحاديثنا نجد إما التطرف أو التمييز ، كل بحسب انحيازه لخلاصة أفكاره وثقافته وانتماءاته ، تعبنا ولم يتعبوا من ترديد الشعارات ليلا و نهارا ، وانقسمنا بين من يدعو الى حرية المرأة والدفاع عن حقوقها ، ومن يدعو الى التمييزضدها وامتهان حقوقها . . من نافل القول ان قضية الدفاع عن حقوق المرأة بدأت في الثامن من مارس عام 1908 حين قامت النساء اللاتي يعملن في مصنع النسيج في شيكاغو بمظاهرات ضد الظلم والاضطهاد والقهر الذي عانين منه ، وقد ظلت المرأة ولاتزال تكافح للحصول على حقوقها والدفاع عن مكتسباتها وبضمنها حريتها . وعليه يجب علينا أن نفهم قضية المرأة وتحررها وقبل أي شيء آخر يتعين أن نعي ونفهم ما هي الحرية بمفهومها وجوهرها وحدوده وقيمها ، وفي السياق ذاته يجب أن نعرف ونحدد أين تكمن حرية المرأة التي تبحث عنها بحسب تعريف الحرية وجوهرها الحقيقي. الحرية حق الفرد الذي يمكنه من اختيار وتقرير طريقة حياته و وإكتشاف معنى وجوده على أن لا تتجاوز حريته حرية الآخرين ومراعاة ثقافاتهم ومصالحهم وطريقة تفكيرهم وحياتهم .إذا الحرية حق فردي لكل إنسان يعيش على هذه الأرض وليس من الصواب أن يعلق الفرد أخطاء فهمه ونظرته المغلوطة على شماعة هذه الحرية ، فالخطأ ليس في الحرية وممارستها ولكن يكمن الخطأ في كيفية فهمها وممارستها . بمعنى أن الحرية لا تتحقق إذا كان العقل مستعبدا ً ، والتفكير غير مستقل .وفي هذا الشأن لنتأمل حرية المرأة إلى أي مدى وصلت قضيتها. يقال عندما يزيد الشيء عن حده ينقلب إلى ضده، وهذا ما تعلمنا إياه الحياة وما تعلمنا إياه التجارب خصوصاً في هذه الظروف الراهنة التي يعاني منها هذا العصر من ظواهر سلبية القت بظلالها السلبية على المجتمعات واثقلتها بمشاكلها، ففي الشرق أدت ظاهرة التطرف الديني والمجتمعي التقليدية إلى المبالغة في حبس المرأة في المنزل ومنعها من العمل أو التعليم بذريعة درء مخاطر اختلاطها بالرجال وإثارة الفتنة، والمثير للدهشة أن المجاهدين في أفغانستان اختلفوا على السلطة وتقاتلوا فيما بينهم عندما وصلوا إلى الحكم واغرقوا أفغانستان بالدماء والخراب ،فاختلفوا في كل شيء لكنهم اتفقوا على المرأة حيث اجمعوا على حبسها في المنزل وحرمانها من التعليم والعمل .وفي الجانب الآخر اتجه التطرف العلماني في الغرب إلى الإفراط في فهم حرية المرأة حتى أن المرأة أضحت مجرد جسد وسلعة يتاجر بها في أسواق الدعاية والإعلانات والسياحة ، كما أدى الإفراط الهائل في دمج المرأة بالنشاط الاقتصادي والسياسي للمجتمع الصناعي الحديث إلى قطع صلة المرأة العاملة بالأسرة والمنزل حتى وأن كانت تعمل في مجالات انتاجية وعلمية وتنجز أعمالا ً جادة وبناءة ، الأمر الذي تسبب في ضعف العلاقة الزوجية وضعف علاقة الأسرة بالأطفال الذين أصبحت تربيهم مدارس ومجمعات متخصصة بتقديم العناية والخدمات الانسانية للطفولة ، ولم يعد بمقدور الزوج والزوجة وأطفالهما أن يعيشوا حياة إنسانية مشتركة إلا في أوقات الإجازات.بحسب كل ما تقدم من الواضح أننا أمام مشهدين متناقضين تكون المرأة فيهما هي الضحية الأولى نتيجة للفهم الخاطئ لحرية المرأة . ففي المشهد الأول يتم المبالغة في الدعوة إلى حرمان المرأة من حريتها بحبسها في المنزل وتفريغها للأعمال المنزلية والأطفال والعلاقة الزوجية وخدمة الذكور من أفراد عائلتها ، ومنع دمجها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحرمانها من حقوقها في العمل والتعليم.وفي المشهد الثاني تجري المبالغة في إخراج المرأة من المنزل والتعامل معها كجسد أحيانا وككيان اجتماعي مندمج في المجتمع على حساب الأسرة أحياناً أخرى.نلاحظ في المشهدين أن المرأة ضحية للعدوان على قيم الحرية وطمس أبعادها الانسانية بفعل تأثير الثقافةو العادات والتقاليد الاجتماعية القديمة أو النظرة المادية لثقافة الحداثة . مع الأخذ بعين الاعتبار أن تبعية المرأة للرجل على مدى التاريخ وقهرها أوجد إرثا ً ثقيلا ً من القيود التي تحول دون ممارسة نشاطها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي بحرية و بشكل متزن. يبقى القول أنه على الرغم من اختلاف وجهات النظر بين معظم الايديولوجيات والثقافات المختلفة إلا أنها وحتى الان لم تستطع أن تحدد الصيغة القانونية لاستحقاقات المرأة، وكيف يمكن ذلك ولم تستطع المرأة نفسها من التحرر من ضعفها وسيطرة الفكر الذكوري على مر العصور ، فهي من خلال نظرتها إلى قضية تحررها لاتزال تنظر إلى هذه القضية من خلال الرجل وترى أن حريتها بيد الرجل وتطالبه أما بالدفاع عن حريتها أو بمنحها هذه الحرية.