الامير عبداللة الفيصل
نجوى عبدالقادر مرّ عام منذ رحيل علم بارز من أعلام الأدب السعودي الحديث، الشاعر الكبير عبدالله الفيصل، ذلك الشاعر الذي عمل - طوال حياته - لتثبيت راية الأدب والشعر،وإثراء الحياة الثقافية والأدبية من خلال إنشائه المؤسسات الثقافية والأندية الرياضية ودعمه لها..الأمير عبدالله الفيصل هو ذلك الشاعر الوجداني الذي عرفته الأوساط الفنية والأدبية في الجزيرة العربية وخارجها حيث ملأت أشعاره الغنائية الساحة الفنية في مرحلة ازدهار الأغنية العربية في عموم الوطن العربي.أما الاتجاه الوجداني في الشعر العربي الحديث فقد كان في مرحلة، ازدهاره وتطوره عندما ظهرت شاعرية ذلك الأمير الموهوب، ومرحلة ازدهار الشعر الرومانسي الوجداني هذه تمتد من بداية النصف الأول من القرن العشرين وحتى بدايات النصف الثاني منه - كما يقول الأستاذ عبدالقادر القط في كتابه “الشعر الوجداني في الأدب الحديث” وفي هذه المرحلة ظهرت دواوين شعر رومانسية لعدد كبير من الشعراء الشباب الذين حاولوا أن يثبتوا خطاهم في طريق الشعر الرومانسي واستطاعوا أن يلحقوا بركب هذا التيار الجديد المتأثر بالشعراء الرومانسيين في الغرب وخاصة شعراء فرنسا.وكما نعرف فإن أهم شعراء الرومانسية العرب خليل مطران و«جماعة أبو للو» أحمد زكي أبو شادي، وإبراهيم ناجي، وعلي محمود طه، وأبو القاسم الشابي ولاننسى«جماعة الديوان» التي سبقتهم في تأثرها بالرومانسية الغربية «العقاد والمازني وشكري» وشعراء المهجر الأمريكي (إيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة) وأخيراً شعراء لبنان مابين الحربين العالميتين: سعيد عقل - يوسف غصوب - نتاجاتهم.لقد صادفت هذه الرومانسية، والرومانسية الرمزية التي تميز بها شعراء لبنان، هوى يانعاً في نفس الأمير عبدالله الفيصل الذي قرأ الشعر العربي قديمه وجديدة وحفظ منه الكثير والكثير.كما صادفت هذه الرومانسية روحاً شعرية غنائية سماعة للشعر النبطي، حفاظة له، وكيف لا؟ وقد كان الشاعر الشاب عبدالله الفيصل قد ساهم في إثراء الشعر الرومانسي الحديث ومهد لأدباء الحجاز طريق الاقتحام في هذه المرحلة التي تتميز بالشعر الرومانسي الذي جاء بتأثير من المدرسة الرومانسية في الغرب .. يقول الشاعر صلاح لبكي وهو يضيء مابين السطور ويقدم شاعراً رومانسياً أصيلاً ومطبوعاً إلى الشعر العربي المعاصر في عام 1952م عندما صدر ديوان «وحي الحرمان»:هو ذا!محروم الذي يطالعك أمله وحبه وفرحه وبؤسه في هذه الصفحات التي تملأ يديك وعينيك وقلبك! ولماذا إلحاحك؟لعل أعمق ما في مأساة محروم أنه لا يستطيع إلا طلال عليك إلا من وراء أمير شاب، في مقتبل العمر، غني، وزير لوزارتين، من أسرة حاكمة فهو لا يعرف ما وراء معاملة الناس له، هل يكرمونه لنفسه، لأنه إنسان يستحق عن جداره، أو لأنه يتمتع بالمركز الخطير والنفوذ الكبير والمال الوفير..وياما أفجع هذا الحرمان الذي يحول دون المرء وحقيقة مايكنه الناس له كإنسان! ياما أوجعه! يأبى إلا أن يظل صاحبه رهين غربتين: غربة نفسه في الأرض، وغربة مؤاخاته لمن لا يعرف مدى الصدق في مؤاخاتهم له! لكم يجب أن يكون هذا المحروم محروماً!لنتركه يأسو جراحه بما يؤتيه الله من صبر وأناة. إننا لن نجد إلى دفع هذا الشك عن قلبة سبيلاً، اللهم فأدم نعمتك عليه، وزده منها ما دامت تزيده كل يوم حباً يحاول أن يدرك به من الطمأنينة ما لاقبل له بإدراكه عن طريق ثناء الناس عليه وتقديرهم له وتغنيهم بما فيه، اللهم زده منها ما دامت تتفجر في قلبه خيراً وجمالاً وشعراً.إن جميع قصائد الفيصل في ديوانه “وحي الحرمان” تؤكد لنا صدق معاناته وآلامه، كإنسان وهبه الله فيضاً من الأحاسيس والمشاعر النبيلة المرهفة فهو يهتف بالحب في أسمى معانيه .. ويعصف بقلبه الشوق والحنين إلى أشياء أهمها الحنين إلى الماضي[c1] هاهو الماضي لقلبي ولعيني قـــــد تجـــــلى ليتني، بل ليت شعري إذا عــــــاد وهــــــــــلا أجد الآمـــــــال يقظى والمنى أبهى وأحلـــى؟ أجزاء الوصـــــل مني ياحبيبي! منك صــــد؟ وأنا الأحـــــرى بعطف منك ما استجداه سهـد كلما حاولــــت نسيان غـــــرامي بــــات يبـدو.. فاذكريني بالذي كان فقلبـي بــــــــك يشدو[/c]ويجنح به الخيال إلى عالم مثالي لايرى فيه غلا الصدق والطهر والعفاف والوفاء:[c1]يامبعث الطهر يا أصل الجمــال ألا أرجو من الدهــر إرجاع الـذي كانـا لا تستمع للذي قد قال خانكـــــــم فإن في قولــــــــه زوراً وبهتـانــــاأنساني الوصل ما لاقيت من زمني في سالف العهد آلاما وهجــــرانـا[/c]- وفاء الشاعر عبدالله الفيصل لذكرياته وإخلاصه لها إخلاصاً شديداً.- إحساسه بالمكان: ملاعب الطفولة والصبا ومراتع لهوه وحبه وفرحه وألمه، “ “ معالم لا زالت محفورة في قلبه - مرسومة في عينيه:[c1] أين المصيف وأيام بــه سلفت؟ وأيــن ياطيــــــر أحبابي وخلانـي أين الجبال التي تكسو أعاليـهـا بمذهب من كثيف السحب هتـان؟ وأين مني “شهار” أين هضبته؟ ياحبذا فيـــــه أفراحــي وأحزاني![/c]سمات رومانسية وجدانية تميزت بها قصائد “وحي الحرمان” وجميع هذه السمات لا تشير إلا إلى شاعر عرف كل معاني الحرمان، ومن يتحمل كل هذا الوجد والألم والعذاب لا نستطيع إلا أن نطلق عليه “شاعر الحرمان”:[c1]وقد كاد الشباب لغير عود يولي عن فتى مني غير آمن وهأنا فاتني القدر الموالي بأحلام الشباب ولــم يفتنـيكأن صباي قــــد ردت رؤاه على جفني المسهد أو كــأني [/c]عندما أو كلت إليه مسؤوليات ومهام وطنية لم يتهرب منها، وكان لزاماً عليه أن يتحملها وحده وهو الجديد بها .. وإن كان للشباب أحلامه وأمانيه وآماله فإن للوطن واجبات وحقوق وتضحيات وهنا تتجلى الفروسية في أجمل صورها، وتلبية لنداء الوطن يرفض الشاعر عبدالله الفيصل نداء الحب والشعر والجمال في لحظة انفعال نفسي ترتسم فيه صورة الشاب الحالم وقد استيقظ فجأة من غفوته على صوت أكبر من الحلم وأقوى من خفقات القلب:[c1]لا الصد يشجي ولا لقياك تسعدني فما أنــا مثـل ماقــد كنت تعهدنـي فلا البلابل تسبيني صوادحهــــا في مطلع النـور إن غنت علـى فنن ولا الزهور إذا ما الطل بللهـــــــا توحي لي بالشعر أو بالحسن تفتني وما أنا بالذي تغريــــــه بارقــــة من الوصـــال ولا الهجـران يهدمنيفقد نسيت من الأيام أعذبهــــــا كمـــا تناسيت آهـــــات تعــــذبني ونسيت ما كان من حب وموجــدة شغلت عنها بما يصبولـــــه وطني! [/c]