محمد سالم الحدادمن لم يعرف أحمد جابر العفيف شخصياً فقد سمع بأذنه ورأى بعينيه ما قامت به تلك المؤسسة والمدرسة الأدبية والمنبر العام لجميع المبدعين في شتى المجالات الأدبية والفنية والتشكيلية. في أحد مؤتمرات اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ، كان يقف خارج بوابة قاعة مركز الدراسات والبحوث الأستاذ محمد النصيري مدير عام مؤسسة الأستاذ احمد جابر عفيف ، وقد أتى إلينا نحن الأدباء وأخذنا واحداً واحداً على انفراد وسلم لنا برنامج مؤسسة العفيف السنوي ورغبنا بالحضور إلى المؤسسة لنحضر إحدى الأمسيات التي تقام كل يوم ثلاثاء عصراً ويشير إلى رقم الهاتف التابع للمؤسسة إن رغبنا في الاتصال. أنا بدوري أخذت البرنامج وتصفحته وبعد انتهاء المؤتمر عدت إلى مأرب ، وبعد عدة أشهر كنت في صنعاء في الاتحاد وقابلت الأستاذ محمد النصيري وعاتبني لماذا لم احضر إلى المؤسسة واستفسرته عن العنوان فأعطاني العنوان ، وفي يوم الثلاثاء توجهت إلى هناك كانت المؤسسة تقع بالقرب من السفارة الفرنسية وأشار لي احدهم إلى الباب وطرقت الباب عدة مرات وفي المرة الأخيرة طرقته بشده ففتح الباب وفوجئت برجل يفتح الباب طاعن في السن يلبس نظارة حمراء فخاطبني قائلاً ماذا تريد؟ قلت أريد مؤسسة العفيف. قال: المؤسسة يقع بابها هناك وأشار إليه ثم أردف قائلاً: وأعلمك أننا لا نقبل من يمضغ القات .فاستحييت من قوله هذا وعدت إلى إحدى اللوكندات عندما اخبرني ان الموعد في الساعة الرابعة . وعندما اقترب الموعد غسلت فمي من بقايا القات وصعدت الدرج العالي المؤدي إلى المؤسسة في الطابق الثاني واستقبلني الأستاذ محمد النصيري وقادني إلى مكتبه وحدد لي موعداً لإقامة أمسية شعرية وجئت في الموعد المحدد يوم الثلاثاء وأقمت أمسية شعرية وكان الأستاذ احمد جابر عفيف موجوداً في الصفوف الأولى والأستاذ إبراهيم الحضراني رحمه الله وحشد كبير من الأدباء من الجنسين وعند انتهاء الأمسية صافحني الأستاذ العفيف وشد على يدي وتغيرت نظرته لي تلك التي قابلني بها آنذاك على باب المنزل عندما كان ممتعضاً لا ادري هل هو ممتعض من شكلي أم من تصرفي عندما طرقت باب المنزل . وبعد ذلك تكررت زياراتي للمؤسسة وكنت أحضر افتتاح البرنامج السنوي واحضر ايضاً في ختامه... وكنت أتسلم البرنامج السنوي كل عام وعندما يأتي يوم الثلاثاء وأنا في صنعاء افتح البرنامج واعرف أمسية من تكون هذه الليلة من خلال البرنامج الذي احمله في حقيبتي وقد قدمت عدة أمسيات شعرية في المؤسسة بالإضافة إلى حفلة توقيع كتاب ( فنون الزامل والمهيد في اليمن) وقد قدم دراسة عن الكتاب الأستاذ احمد ناجي احمد، وكانت أمسية جميلة لذلك التوقيع تناولتها بعض الصحف. الجدير بالذكر أن الأستاذ احمد جابر عفيف رحمه الله كان يفرض دقة المواعيد ويتمتع بدقة العمل وإتقانه وإبرازه عبر الصحف والقناة الفضائية ، ويسعى إلى إشهار كل من أقام أمسية شعرية أو ندوة أدبية أو عملاً فنياً أو تشكيلياً.ولا أنسى احتضانه لي بعد أن قدمت أمسية شعرية عوضاً عن احدهم ادعى انه من مأرب ولم يأت في الموعد المحدد (وهو قبل الفعالية بيوم أو عدة ساعات) وقال لي بعد أن ترجلت عن المنصة بعد انتهاء الأمسية: (يا ابني هذه المؤسسة في ذمتك أنت وأمثالك الذين يحافظون على مواعيدهم) وعانقني وهو يقول شكراً لك لقد قمت بالواجب. وقد شاركت في إحدى الندوات التي أقامتها مؤسسة العفيف على مدى ثلاثة أيام واشتركت فيها بدراسة مطولة نشرت بعد ذلك في الصحف. كنت حريصاً على الحضور كلما جاء يوم الثلاثاء وأنا في العاصمة صنعاء. الطريف أن موعد أمسية الأستاذ الشاعر عباس الديلمي كانت في ليلة ممطرة ، حيث بدأت السماء تمطر بغزارة في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر وانتظرت أترقب وقوف المطر ، وتوقف المطر في تمام الساعة الثالثة عصراً وامتلأت الشوارع بالسيول المتدفقة وتوجهت نحو مؤسسة العفيف من جولة الثلاثين ولم أصل إلا قبيل موعد الأمسية بخمس دقائق فقط وكنت مبللاً بالمطر وعندما رأى الأستاذ عباس الديلمي قلة عدد الحضور قرأ أربع قصائد فقط وتوقف وخاطبته لماذا تتوقف ؟ألا ترى أننا جئنا من أماكن بعيدة لنستمع لأمسيتك الشعرية فتعذر بأنه لم يصطحب ديوانه الشعري فهرع احد العاملين في المؤسسة واحضر ديوان الأستاذ عباس الديلمي ، وأكمل الأستاذ عباس أمسيته الجميلة. الأستاذ العفيف رحمه الله سخر منبر مؤسسته لجميع الأدباء وخدم بذلك المبدعين والشعراء والكتاب والفنانين التشكيليين وقد صقل هذا الصرح مواهب جمة. واستطاع أن يقوم بعمل جبار لم تستطع أن تقوم به بعض الوزارات . رحم الله الأستاذ احمد جابر عفيف واسكنه فسيح جناته . إنا لله وإنا إليه راجعون.
أخبار متعلقة