أضواء
شكَّلت قضية “زواج المتعة” جدلاً عريضاً بين أهل السنة وإخواننا الشيعة، عبر التاريخ الإسلامي وحتى اليوم، واحتلت حيزاً واسعاً في التفكير الإسلامي وعبر كتب الفقه والحديث والتفسير، وما من فقيه أو محدث أو مفسر إلا انشغل به -مؤيداً أو معارضاً- تبعاً لمذهبه الفقهي. وإذا كانت قضية “الإمامة” واستحقاقها، أكبر قضية خلافية بين السنة والشيعة من الناحية العقدية والسياسية، فإن “زواج المتعة” أكبر قضية خلافية بينهما من الناحية الفقهية. فبينما يرى أهل السنة، أن “زواج المتعة” شُرع في أول الإسلام كرخصة استثنائية، بسبب العُزبة في السفر وطول ابتعاد المجاهدين عن نسائهم، ثم نُسخ وحُرّم من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة... يرى إخواننا الشيعة (الإمامية خاصة من بين كل الفرق الإسلامية) أن زواج المتعة ما زال على مشروعيته إلى يوم القيامة، ولم يلحقه أي نسخ أو تحريم، وقد استمر العمل به في عهد الصحابة -رضوان الله عليهم- حتى منعه الخليفة عمر باجتهاد منه ولمصلحة زمنية في وقته؛ فلا يُعّد ذلك منعاً دينياً لأن حلال محمد حلال إلى يوم الدين.أثارت قضية زواج المتعة الكثير من الجدل، فللفريقين أسانيدهما المعتمدة من القرآن والسنة وأقوال الصحابة، وكلٌ متمسكٌ بموقفه ومؤمنٌ به تماماً. فالسنة يرون هذا الزواج باطلاً ومحرّماً والشيعة الإمامية متمسكون بحلّيته ويسردون مزاياه وإيجابياته ويمارسونه في مجتمعاتهم. وبعيداً عن هذا الجدل الفقهي، نريد التعرف على “زواج المتعة”، كممارسة مجتمعية، بهدف رصد التداعيات والآثار الاجتماعية الناتجة عنه، وبخاصة في ظل الثورة الإيرانية، ظناً بأن “المدخل الاجتماعي” إلى هذه القضية، أجدى من “المدخل الفقهي” النظري، وتصوراً بأن الفرقاء المختلفين لو احتكموا إلى “المدخل الاجتماعي” الموضوعي، لأمكن احتواء العديد من جوانب الخلاف الفقهي ولتقاربوا كثيراً. فما هو زواج المتعة؟ هو “عقد زواج بين طرفين إلى أجل محدد، بمهر معين، يُذكر في العقد”. ويسمى نكاح المتعة، والمؤقت، والمنقطع، وفي إيران يسمونه “الصيغة”، وأحكامه: أنه كالدائم؛ يحتاج إلى إيجاب، وقبول، وعقد، ويشترط فيه ذكر المهر، والأجل. وفيه العِدّة -حيضتان أو 45 يوماً- لكن لا توارث ولا نفقة. ولعل أبرز حجة اجتماعية، يُبرّر بها فقهاء الشيعة، مزايا “زواج المتعة”، ما ذكره الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء: “لو أن المسلمين عملوا بمشروعية (المتعة)، لانسدت بيوت المواخير وأوصدت أبواب الزنا وأصبح الكثير من المومسات مصونات محصنات، ولتضاعف النسل، وكثرت المواليد الطاهرة، واستراح الناس من اللقيط والنبيذ، وانتشرت صيانة الأخلاق”. ويؤكدون هذه المزايا الاجتماعية برواية عن الإمام علي: “لولا أن عمر، نهى عن الـمُتعة، ما زنى إلا شقّي”.والسؤال: هل ذلك صحيح؟ وهل ممارسة “المتعة” في عهد الثورة الإيرانية، حدّت من البغاء، وقلّلت من اللقطاء، وأوصدت أبواب الزنا، وصانت الأخلاق؟! دعونا نستعرض بعض الدراسات والتقارير الصادرة حول الآثار الاجتماعية للمتعة في إيران، كما أبرزتها المواقع والمنتديات الإلكترونية!أولاً: لنقرأ هذا التقرير: “عندما تأسس النظام الإسلامي 1979، صار (البغاء) على قمة المحظورات في البلاد، لكن لم يبق ممكناً تجاهل الوضع اليوم، ففي ظل التزايد السريع للبغاء، تقول “جميلة كاديفار”، عضو البرلمان الإيراني، إن مبعث قلقنا الرئيسي يكمن في انتشار هذا الاتجاه بشكل كبير”. وتقول أرقام رسمية صادرة “عن منظمة الرعاية الاجتماعية” إن أكثر من 1.7 مليون فتاة وسيدة، أي قرابة 6 في المئة من النساء الإيرانيات، فررن من منازلهن وإن كثيراً منهن انتهى المطاف بهن إلى ممارسة البغاء (مجلة “الشراع” اللبنانية، العدد 684).ثانياً: هل قلّل زواج المتعة من ظاهرة اللقطاء؟ تكفينا إشارة “رفسنجاني” إلى ربع مليون لقيط في إيران بسبب زواج المتعة. ذلك كان منذ 7 سنوات، فكم العدد اليوم؟ لكن لماذا لا يعترف الآباء بأبنائهم من زواج “المتعة”؟ لا أحد يرضى بأن يُنسب إليه أبناء من “المتعة” بسبب نظرة المجتمع الدونية إليه. وكما يقول صلاح أبو السعود: “سنجد أن الرجل يستمتع بواحدة إلى أجل فيرزق منها بولد، وبأخرى فيرزق منها بولد، وبثالثة.... والزواج مؤقت، فيظهر أولاد نشؤوا في غير كنف الأب. ومن ناحية أخرى يكونون موصومين بأنهم أولاد المتعة، فينظر إليهم المجتمع نظرة متدنيّة، يشعرون معها بالنقص، فيتولد العداء بينهم وبين المجتمع الذي سمح بظهورهم على هذه الصورة”. وهذا ينقلنا إلى ظاهرة اجتماعية أخرى أعظم، ظاهرة “الإجهاض”، فأولاد المتعة إما أن يجهضوا أو يصبحوا “لقطاء”.ثالثاً: علاقة “المتعة” بانتشار ظاهر “الإجهاض”، كشف موقع إلكتروني بالفارسية عن تزايد الظاهرة في المجتمع الإيراني ما أدى إلى حد وفاة آلاف الإيرانيات. وقد سُجلت 80 ألف حالة إجهاض في العام الماضي فقط. لكن متخصصين يذكرون أرقاماً تفوق ذلك، إذ لا توجد إحصائية رسمية، ولا يسمح القانون بذلك. وأشار الموقع إلى ازدهار سوق عمليات الإجهاض السرية التي تدر أرباحاً كبيرة. وقد أعدمت السلطات ممرضة إيرانية شنقاً، لقيامها بإجهاض 25 حالة حمل ناتج من زواج المتعة.رابعاً: هل “المتعة” تحمي المجتمع من “الفساد الأخلاقي”؟ لنقرأ هذا التقرير: “وُصفت مدينة مَشْهَد الإيرانية، حيث تشيع ممارسة المتعة، بأنها المدينة الأكثر انحلالاً على الصعيد الأخلاقي في آسيا” (مجلة “الشراع” اللبنانية، العدد 684).خامساً: “المُتعة” و”الإيدز”: سجّل مستشفى النجف العام في العراق (2006) أربعين حالة إيدز قيل إنها بسبب زواج المتعة بالوافدين من الخارج. وللإنصاف فإن الحكومة سعت لحماية المجتمع من الآثار السلبية للمتعة عبر وضع ضوابط تقنن “المتعة” من خلال “بيوت العفاف”، بإشراف أئمة ومستشارين اجتماعيين وأطباء، وبحيث تقتصر على “الأرامل والآيسات والمطلقات اللاتي لا يجدن فرصاً، والعوانس اللاتي فاتهن القطار”. وبالنسبة للرجل أن يكون “مضطراً”.وكان “رفسنجاني” أول من فتح باب النقاش حول زواج المتعة عام 1991 وواجه معارضة شديدة. وفي 2002 فتحت “بيوت العفاف”، لكنها لم تستمر بسبب معارضة الأطياف المجتمعية وبخاصة الجمعيات النسائية التي رأت فيها نوعاً من “المتاجرة بجسد المرأة تحت ذريعة مكافحة الفساد”، واقترحت تيسير فرص الزواج الدائم وتقديم المساعدات للشباب، بدلاً من الزواج المؤقت الذي لا يقدم حلولاً جذرية للمشاكل الاجتماعية والأخلاقية.[c1]* صحيفة (الاتحاد) الإماراتية