منبر التراث
[c1]التاريخ لم يشهد مولدها[/c]“ لا بد من صنعاء وإنّ طال السفر “ تلك العبارة أو ذلك المثال يظن الكثير من الناس وإنّ لم يكن الغالبية منهم أنها تعود إلى الإمام الشافعي - رضي الله عنه - المتوفى سنة ( 204هـ / 809م ) . حقيقة أنّ الإمام الشافعي تولى بعض الأعمال في صنعاء في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد المتوفى سنة ( 193هـ / 809م ) ولكنه لم يقل تلك العبارة. والحقيقة أنّ ذلك المثال أو العبارة تعود إلى العصر الجاهلي أي ما قبل الإسلام . فقد قالتها العرب حيث كانت قوافل قريش ترحل من مكة إلى صنعاء في الشتاء , وفي الصيف تتجه صوب الشام . وتلك الرحلة ذكرها القرآن الكريم وهي رحلة الشتاء والصيف في سورة قريش أية ( 2 ) . ونستدل من ذلك أنّ صنعاء مدينة موغلة في القدم , مدينة مشهورة ومعروفة لدى العرب في جزيرة العرب . وقيل أنّ التاريخ لم يشهد مولدها . ويقال أنّ سام بن نوح الذي أسّسها . [c1]فريدة في مظهرها الشرقي[/c]ولقد وصفها المؤرخ وعالم الآثار المصري الكبير الدكتور أحمد فخري وصفاّ رائعاً حيث زارها في الأربعينيات بأنها مدينة تتميز عن كافة مدن الشرق الأخرى ، فهي مازالت محافظة على أصالتها ، ورونقها ، وجمالها ، تأخذ العين أخذاً ، مدينة ساحرة لا يستطيع المرء الإنفكاك من شباكها الغير مرئية . عندما يتجول المرء في أزقتها ، وطرقاتها ، يحس إحساساً غربياً أنه أنفصل عن عالمه وأنه يعود إلى العصر الذهبي في الحضارة الإسلامية المتألقة ، فيصفها ، قائلاً - بعد أنّ شاهدها ولمسها - : “ لا توجد في مدن الشرق مدينة تشبه صنعاء لنقارنها بها ، فهي فريدة في موقعها ، وفريدة في طراز بنائها ،و فريدة في أسوارها ، وفريدة في مظهرها الشرقي الخالص الذي يجعل السائر في طرقاتها يحس بأنه انتقل بضع مئات من السنين ، فتصور نفسه في بغداد أو في غيرها من مدن الحضارة الإسلامية “ . [c1]أسواق صنعاء [/c]والحقيقة أنّ صنعاء التي حوت كل فن أعجبت أيضاً ً الكثير من الرحالة الأوربيين الذين زاروها إعجاباً شديداً وعلى سبيل المثال الرحال الألماني كريستين نيبور الذي زارها سنة 1763م . ولقد لفت نظر نيبور أسواق صنعاء التي كانت تموج بالسلع والبضائع من كل لون وصنف فيقول : “ وفي سوق صنعاء . . . توجد مطارح كبيرة للقوافل ، وسمسرة Simsera لمبيت التجار ، والمسافرين ، وأماكن تباع فيها الأخشاب والحطب ، والحديد والعنب ، والحبوب والزبدة والملح ، والخبز . ويكثر وجود النساء في سوق الخبز “ . ويلفت نظر كريستين نيبور ظاهرة فئات المهن والصناع المختلفة والمتنوعة في سوق صنعاء فكل مهنة لها اختصاصاتها أشبه بالنقابات المهنية . وفي هذا الصدد ، يقول : “ كما يشاهد المرء في سوق صنعاء النجارين والحدادين والإسكافيين والسراجين ( صانعو سروج الخيل ) ، ومجلدي الكتب والكتبة الذين يكتبون العرائض . . . “ .[c1]سوق الوراقين [/c]ونقف عند المهنة الذي ذكرها نيبور وهي مهنة ( مجلدي الكتب ) ونستدل من ذلك أنّ صنعاء كان بها سوق الوراقين وهي سوق عامرة بالكتب القيمة والنفيسة حيث يأتي إليها الكتاب والأدباء من كل مكان سواء من اليمن أو خارجها لاقتنائها , وقيل أن العديد من الأمراء والملوك والسلاطين ، كانوا يبعثون الأدباء والشعراء للبحث والتنقيب عن أهم المخطوطات اليمنية في مختلف فروع العلوم والمعرفة. وكان في السوق أيضاً النساخ الذين ينسخون المخطوطات والذين كانوا يتميزون بخطهم الجميل . وتذكر المراجع التاريخية أنّ النساخ اليمنيين تفننوا في كتابة خط حروف القرآن الكريم و زخرفته . ونستخلص من ذلك أنّ صنعاء كانت تحفل بالحياة الثقافية في تلك الفترة التاريخية وعلى وجه التحديد في القرن الثامن عشر الميلادي . ويقف الشاعر المبدع الرائع عبد الرحمن الآنسي أمام صنعاء العتيقة , وقد أنبهر بحسنها المضيء ، وبهائها المشرق ، وجمالها الأخاذ ، قائلاً : “ عن ساكني صنعاء[c1] *** [/c]حديثك هات وافوج النسيموخفف المسعى[c1] *** [/c]وقف كي يفهم القلب الكليم هل عَهدُنا يُرعى[c1] *** [/c]وهل يرعى العُهود إلاّ الكريم “ .