نقيب الصحافيين اليمنيين:
حاوره/مجيب الحميدي:نشرت ملحق (الوسطية) الصادر عن صحيفة ((الجمهورية)) يوم الجمعة الماضية حواراً مع الزميل الأستاذ نصر طه مصطفى نقيب الصحافيين ونظراً لأهمية ما جاء في الحوار .. تـُعيد صحيفة ((14 أكتوبر)) نشر نصه كاملاً:في هذا الحوار يستعيد الأستاذ نصر طه مصطفى، نقيب الصحافيين اليمنيين بعض حلقات مسلسل محاولات فرض الوصاية على الصحافيين منذ رئاسته لتحرير مجلة (نوافذ) ومحاولة بعض المتشددين فرض رقابة شرعية مسبقة على ما يُنشر في المجلة.. ويشير النقيب إلى تطور فكرة الرقابة في تمظهراتها الجديدة لتشكل نوعاً من الوصاية على العمل الصحافي بأكمله بل والمجتمع بكليته، ويؤكد نقيب الصحافيين رفضه السخرية بالدين أو التحريض على الانفصال.. ويرى الأستاذ نصر طه أننا اليوم نتعلم درساً قاسياً وصعباً يدفع الوطن ثمنه في فتنة الحوثيين نتيجة تجاهل خطورة المذاهب الدينية المتشددة، ويؤكد خشيته من فتن مماثلة إن استمر الصمت تجاه المدارس الأخرى التي يرى أننا لم نستفد منها سوى تمزيق الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي. وفي هذا السياق يؤكد النقيب أن الحكومة خطت مؤخراً خطوة صحيحة بإقرارها استراتيجية متكاملة لمعالجة مظاهر الغلو والتطرف التي تغذيها هذه المدارس المتعددة الاتجاهات والمتناقضة التوجهات... وقيمة الحوار مع الأستاذ نصر طه لا يمكن اختزالها في كونه نقيباً للصحافيين ومسؤولاً عن حماية حرية المهنة، فهو قبل كل ذلك أحد المسكونين بهم تطوير الخطاب الديني وله بصماته وإشراقاته في مضمار تنوير الفكر الإسلامي المعاصر في اليمن .. * شهدت الأيام الماضية حملة تراشق بين الصحافيين وبعض الشخصيات الدينية على خلفية ما أشيع حول تشكيل هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. كيف تقرأ هذا الردح والردح الآخر؟ وما السبيل إلى الخروج من هذه الدائرة؟- لاشك أن أي شخص يتابع تلك الحملات المتبادلة يشعر بالاستياء من المستوى الذي ذهبت إليه رغم أن أمراً بهذه الخطورة كان يحتاج إلى حوار أكثر ترفعاً ومسؤولية وموضوعية وجدية، وعلى كل حال أظن أن تبادل الردح هذا قد انتهى تقريباً... وأعتقد أن على الطرفين أن يعودا للحوار الهادئ فهو الذي سيقود إلى التعقل والرشد ومن ثم تفهم كل طرف لمخاوف الطرف الآخر.* قبل شيوع خبر هيئة الفضيلة ظهرت أسماء الشخصيات التي تبنت مشروع الهيئة في بيانات تحذر من عدد من المنكرات أغلبها متعلق بقضايا نشر وكتابات صحفية ما يؤكد مخاوف البعض من المخاطر التي تهدد حرية الصحافة في حال تشكيل الهيئة.. ما تقديركم لهذه المخاطر؟- للأسف فإن هذا الأمر ليس بجديد لكنه قد يكون ظهر للعلن الآن... إذ أتذكر عندما كنت رئيساً لتحرير مجلة (نوافذ) الشهرية مطالبة بعض العلماء المتشددين بأن يقوموا بعمل رقابة شرعية على المجلة قبل صدورها لضمان عدم نشرها ما يخالف الكتاب والسنة بحسب فهم هؤلاء طبعاً للكتاب والسنة، وأتصور أن الفكرة أخذت تتطور من تيارات مختلفة لتشكل نوعاً من الوصاية على العمل الصحافي بأكمله... والحقيقة أن هؤلاء يعتبرون أنفسهم أوصياء على المجتمع بأكمله وليس على الصحافة فقط، رغم أن هناك قوانين نافذة تحكم معظم القضايا بما فيها قضايا الصحافة.يمكن قبول ملاحظاتهم ممن يحب كنصائح شخصية لكن من الصعب قبولها كفتاوى قاطعة لا يجوز مخالفتها لأن علماء الدين بشر مثل غيرهم يصيبون ويخطئون، ولذلك فالريبة والقلق والشك هي الأصل الذي يحكم موقفنا الآن من هذه الظاهرة الجديدة والغريبة على مجتمعنا حتى يتضح لنا أمر آخر... فأنا كصحفي لا يقل حرصي على الدين عن حرص هؤلاء فلماذا سيتحولون إلى أوصياء علينا؟!* البعض يرى أن القيود السياسية التي تفرض على حرية الصحافة تفتح شهية بعض المشايخ لفرض قيود فكرية... هل تتفق مع هذا الرأي؟- مادامت كلها قيوداً فمعنى ذلك أنها تكمل بعضها وتقلل مساحة الحرية سواء جاءت برداء الدين أم برداء السياسة... وفي تصوري أن الحق بيّن والباطل بيّن وليس هناك صحافي لا يستطيع التمييز بينهما..وعلى سبيل المثال نعلم جميعاً أنه لا يجوز السخرية بالدين كما نعلم أنه لا يجوز الدعوة للتجزئة والانفصال، أما أن نختلف على رأي فقهي أو أصولي في مسألة ما فهذا أمر طبيعي، وأن نختلف على شكل النظام السياسي وهل يكون رئاسياً أم نيابياً فهذا شيء مقبول وليس هناك ما يمنعه. * من عدة أشهر فتحت صحيفة (الجمهورية) ملحقاً لقضايا الفكر الإسلامي ولا يكاد يمر عدد دون أن نواجه الكثير من حملات التشهير والتكفير من خطباء الجمعة... السؤال، ما المفترض أن تقدمه النقابة لحماية الصحافيين الذين يتعرضون لحملات التكفير والتشهير غير بيانات الإدانة والتنديد؟ - دعني أقول لك من حيث المبدأ إن التكفير والتشهير من منابر الجمعة وغير الجمعة هو أمر غير مقبول بحال من الأحوال... كما أؤكد لك من حيث المبدأ أن النقابة معنية بالوقوف مع كل زميل يتعرض للتكفير والتشهير.لكن دعني أوضح لك أمرين هامين، الأمر الأول أن من الواجب على الزميل المتضرر أن يقدم بلاغاً مكتوباً للنقابة بالواقعة محل الشكوى ليمكنها التحرك لدى الجهات المعنية بما في ذلك رفع دعوى قضائية ضد خطيب الجمعة... والأمر الثاني أنه لم يصل النقابة بحسب علمي منذ انتخبت على الأقل بلاغ من أحد الزملاء بهذا الشأن سوى ما تعرض له الزميل الأستاذ أحمد الحبيشي رئيس تحرير صحيفة (14أكتوبر) من تكفير وتهديد... كما أذكر أن مجلس النقابة السابق وقف بقوة مع الزميل الأستاذ سمير اليوسفي عندما كان رئيساً لتحرير (الثقافية) وتعرض للتكفير حينها... كما أرجو تفهم أن البيانات التي تصدر عن النقابة لا ينبغي التقليل من شأنها فهي تعبر عن حضور قوي وإحساس بالمسؤولية، علماً أن النقابة لم تقصر مع أي زميل تحتاج قضيته إلى تحرك من أي نوع كان... وعلى كل حال فأنا باسم النقابة أؤكد إدانة كل موقف تكفيري سواء كان ضد زميل صحافي أم كان ضد أي فرد في المجتمع.* في حين يطالب البعض بميثاق شرف للمهنة الصحفية ألا ترى أن وظيفة الخطابة بحاجة إلى ميثاق شرف للحفاظ على قدسيتها ومنع تسييسها وتحويلها إلى وسيلة تحريض ضد آراء ومذاهب معينة؟- أتصور أن كل مهنة في المجتمع تحتاج إلى ميثاق شرف بين العاملين فيها بما في ذلك الخطباء.وتساءل - هنا - بالفعل لماذا لا تبادر جمعية علماء اليمن إلى وضع مسودة ميثاق شرف لمهنة الوعظ والخطابة، رغم أني أعتقد أن الدستور والقوانين النافذة هي أهم ميثاق شرف وهي أكثر ضبطاً وإلزاماً للجميع..؟ وعلى كل حال فكما أن المجتمع بفطرته المؤمنة البسيطة البصيرة ينبذ كل صحفي يسيء لمهنة الصحافة ويجعلها وسيلة للابتذال والارتزاق والإساءة للوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي فإن هذا المجتمع نفسه ينفر من كل خطيب أو داعية أو عالم يكفّر الناس ويسيس المنبر ويحقر الآخر سواء كان فردا أم مذهباً.* قبل مواسم الانتخابات تتعرض خطبة الجمعة للتسييس المباشر وغير المباشر ... ما مخاطر هذا التسييس، وماذا تقترح للحفاظ على قدسية خطبة الجمعة؟- دعنا نحدد مفهوم التسييس المرفوض هنا أولاً... فالتسييس المرفوض هو ذلك الذي يسخر المنبر لتصفية حسابات سياسية وحزبية تجاه خصم سياسي وحزبي فإن كان الخطيب منتمياً لحزب معارض وقام بالتشكيك في السياسات الاقتصادية للحكومة مثلاً من باب المكايدة وليس النصيحة فهذا تسييس مرفوض، وإن قام الخطيب المعارض مثلاً بالترويج لحركة التمرد في صعدة فهذا تسييس مرفوض، وعلى ذلك قس.. أما الحديث عن قضايا الأمة كمناصرة أشقائنا الفلسطينيين أو رفض احتلال العراق فهذا مقبول بل وواجب حتى وإن اعتبرناه تسييساً، وكذلك الحديث عن تعزيز الوحدة الوطنية ورفض النعرات والعصبيات بمختلف أشكالها فهو واجب حتى وإن اعتبرناه تسييساً.. ولذلك أعود فأقول إن تسخير المنابر لأهداف حزبية أو مذهبية هو أمر مرفوض في كل وقت سواء قبل الانتخابات أم بعدها.* ما الدور المطلوب من وزارة الأوقاف والإرشاد في مواجهة تسييس الخطبة قبل وأثناء المواسم الانتخابية؟ وما تقييمك للجوء بعض الخطباء المحسوبين على وزارة الأوقاف نفسها إلى تبني خطاب ديني متخلف يروج لمفهوم طاعة ولي الأمر وضرورة انتخاب من يختاره ولي الأمر خارج السياق الدستوري والقانوني؟- لا أظن أن الترويج لمفهوم طاعة ولي الأمر المنتخب هو خطاب متخلف، فطالما كان منتخباً فطاعته واجبة بمعنى عدم الخروج عليه أو التمرد عليه لكن ذلك لا يعني حرمة وجود معارضة تؤدي واجبها بالوسائل السلمية الدستورية... لكني في الحقيقة لم أسمع حتى الآن عن خطيب دعا لانتخاب من يختاره ولي الأمر، وهذا إن حدث فعلاً فهو نوع من أنواع التسييس الحزبي المرفوض للمنبر وهو أمر يجرمه قانون الانتخابات. أما بالنسبة للمطلوب من وزارة الأوقاف في مواجهة تسييس الخطبة، فأتصور أن الأمر قد لا يكون منوطاً بالوزارة لوحدها فهو جزء من مسؤولية المجتمع ككل، كما أنه منوط بأجهزة الدولة الأخرى إلى جانب الوزارة والمجتمع... فأي خطيب يخالف القوانين النافذة على سبيل المثال ليس هناك ما يمنع الشكوى به إلى القضاء المعني بالفصل في مثل هذه الأمور.إنما لا يعني ذلك ألا تقوم وزارة الأوقاف والإرشاد بواجبها في تنبيه الخطباء المخالفين وإرشادهم وتوعيتهم دستورياً وقانونياً وإقامة دورات تدريبية لهم في هذا المجال.* يرى البعض أن الخطاب الديني (السلفي تحديداً) يشهد تطوراً في دول الجوار في حين يتراجع إلى الخلف في اليمن... هل تتفق مع هذا الطرح ولماذا؟- في الحقيقة لست من متابعي المنابر السلفية وبالذات خطب الجمعة... لكني أجد في الحقيقة تطوراً في الوعي السياسي لدى بعض من يمكن اعتبارهم متنورين من التيار السلفي مقارنة بآخرين مازالوا يعيشون خارج العصر.. فإن كان دعاة من أمثال سلمان العودة وعايض القرني محسوبين على التيار السلفي التحديثي - إن جاز التعبير - فإن خطابهم أصبح مقبولاً بالنسبة لما كانوا عليه.على العموم فمن الملحوظ أن التيار السلفي الكويتي يشارك في الانتخابات النيابية بينما نظراؤه في اليمن مازالوا يرفضون المبدأ وهذا فارق جوهري وكبير وهام لصالح التيار السلفي الكويتي.* سبق أن حذرتم من خطورة التعاطي مع المدارس الفكرية الدينية، وبعد التداعيات الأخيرة لقضية الحوثي ما الدرس الذي يجب الاستفادة منه في التعاطي مع هذه المدارس؟نعم سبق لي التحذير من هذه المدارس المذهبية بمختلف أشكالها مرات عدة منذ عام 1998م مروراً بعام 2001م وحتى الآن.. وقد رأينا الدرس القاسي والصعب الذي دفع ويدفع الوطن ثمناً له اليوم في فتنة الحوثيين.. وأنا أخشى من فتن مماثلة إن استمر الصمت تجاه المدارس الأخرى التي لن نجني منها سوى تمزيق الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي... وأظن أن الحكومة خطت مؤخراً خطوة صحيحة بإقرارها استراتيجية متكاملة لمعالجة مظاهر الغلو والتطرف التي تغذيها هذه المدارس المتعددة الاتجاهات والمتناقضة التوجهات... وأخشى فقط أن تتكاسل الحكومة في تنفيذها بعد أن تنتهي فتنة صعدة ، فنحن للأسف لا تحركنا إلا الأحداث عندما تقع ولا نتحرك لمعالجتها قبل أن تقع أو بعد أن تنتهي وإلا لماذا لم نفعل شيئاً منذ عام 2004م؟ * هل ترى أن الفكر الاثني عشري يشكل خطراً بعد تداعيات أزمة الحوثي؟ وما مدى إسهام الكتابات التي ربما بالغت في تضخيم الخطر الاثني عشري في الترويج له في اليمن؟ - من الصعب أن أتعامل مع مذهب إسلامي باعتباره خطراً، كما أني لست قلقاً من احتمالات انتشاره، فمثل هذه الأفكار والمذاهب تحتاج إلى بيئة معينة لا تنسجم معها بيئتنا ومجتمعنا في اليمن، ولذلك فشل الحوثيون في نشر أفكارهم رغم أني لا أتفق مع من يعتبرهم اثني عشريين فهم في تصوري (هادويون) حاولوا تطعيم المذهب الهادوي بشيء من الاثني عشرية وهذا تحديداً سبب فشلهم ورفض المجتمع لهم بما في ذلك أتباع المذهب الهادوي من هاشميين وغير هاشميين... وباختصار دعني أقول لك إنه لا مستقبل للمذهب الاثني عشري في اليمن سواء تم تضخيمه أم لا.* هل تتفق مع ما يشاع أن السلطة أصبحت تتقرب للتيار السلفي بعد أزمة الحوثيين؟ وما السبيل الأمثل للتعامل مع الظاهرة السلفية؟- لا أتفق مع تلك الإشاعة، وما أعرفه جيداً أن الدولة قريبة من الجميع، فالجميع سلفيون وإخوان وحوثيون وصوفيون ومذهبيون وغير ذلك هم أبناء اليمن، والدولة هي التي تظل الجميع بظلها ومن ثم فإنها على مسافة واحدة من الجميع.الدولة منفتحة على الجميع بحسب علمي ولولا رعونة الحوثيين لكانوا يتمتعون بكامل حقوقهم السياسية لكنهم اختاروا التمرد على الدولة فكان عليها مواجهته كما تفعل كل دول العالم... أما بالنسبة للسبيل الأمثل للتعامل مع السلفيين فهو نفسه السبيل الأمثل للتعامل مع غيرهم، بمعنى أن من الصعوبة قمعهم أو رفضهم، لكن واجب الدولة على سبيل المثال ألا تترك مهامها في التعليم لهم وألا تبتعد عن واجبها في السعي لترشيد هذه التيارات وإعادتها إلى الصواب والرشد كلما خرجت عنهما.* هل تعتقد بأن ثمة ضعفاً في الشعور بالإلزامية الدينية للدستور والقانون؟ ومن المسؤول عن هذا الضعف في حالة وجوده؟- أتفق معك بأن هناك ضعفاً شديداً في تنمية الحس الديني تجاه الدستور والقوانين بل إن البعض يعتقد أننا يجب أن نكتفي بكتاب الله وسنة رسوله كدستور وقانون رغم أن دستورنا وقوانيننا مستقاة من الشريعة الإسلامية. والدولة تتحمل المسؤولية الأولى عن هذا الضعف لأنها لم تضع رؤى إستراتيجية خاصة منذ حرب صيف 1994م لعملية بناء الإنسان.فالوزارات المعنية بهذا الشأن على سبيل المثال لا يوجد بينها تنسيق أو تكامل أو وحدة برامج، ولذلك أبديت تفاؤلي في إجابة سابقة بخصوص الإستراتيجية الثقافية التي أقرتها الحكومة قبل أسبوعين علها تعوضنا عما فاتنا في هذا المجال وعلى أمل ألا تنام في الأدراج بعد أن تنتهي فتنة صعدة.