الرياض / العربية.نت- محمد جزائري:«ماذا يعني أن تكون شاباً سعودياً؟» حسناً. يعني أن تكون مثيراً للجدل. السؤال السابق هو عنوان الفيلم الوثائقي, أما الإجابة فهي ما سنأتي عليه في هذه القراءة الشاملة للفيلم وشخصيات أبطاله.ولكن قبل الشروع في هذا التفصيل سيكون من المفيد الإشارة إلى أن الفيلم تم عرضه على قناة «إم تي في» الناطقة باللغة الانكليزية, ومدة العرض ساعة كاملة, تنوع فيها العرض بين أربعة محاور رئيسة لأربع أفكار تجمعها مدينة جدة السعودية ويفرق بينهم أسلوب التعبير بحسب اختلاف القضية.الحاضر الأبرز على مدار العرض التأكيد على ظهور الشخصيات بالطابع المرتبط ارتباطاً كلياً بالصلاة والالتزام بالعبادات, قبل الخوض في أي تفاصيل شخصية تخص المحور وبطله المقترح.مع خلفيات متفاوتة للأذان الذي كان أيضاً يحضر بتكثيف واضح طوال مسار الفيلم, فضلاً عن ظهور الفتيات في إطار صريح من الحشمة في الملبس واللباقة في الحديث.قبل أن يغادر القارئ الموضوع, يجب أن نشير إلى أن العرض لم يكن بهذه المسالمة على الإطلاق. بل يبدو أن شخصيات هذا الفيلم الوثائقي ومعدّيه وداعميه, سيجدون معاناة طويلة في الدفاع عن أنفسهم أمام المشانق الاجتماعية والدينية والإعلامية التي ستنصب لهم.لنبدأ العرض بطريقة مختلفة عن السياق الزمني في الفيلم, ونتناول اللقطة الأكثر إثارة للجدل والأكثر سخونة. «فاطمة» تطلب من صديقتها في الهاتف القدوم الى منزلها واعدة اياها بمغامرة من نوع مختلف, تصل الصديقة, بعد لحظات تخرج «فاطمة» مرتدية زياً رياضياً لشاب مع تغطية كامل شعرها بقبعة رياضية، وتمتطي دراجتها الهوائية هي وصديقتها وتبدآن رحلة من التجول في الشوارع العامة حول منزل فاطمة ومن ثم العودة السريعة.
فاطمة
ولكن من هي فاطمة؟ فتاة في العشرين من عمرها تدرس علم النفس في جامعة عفت الخاصة في جدة, تتحدث اللغة الانجليزية بشكل سلس, هذه بطاقتها الشخصية المختصرة. ولكن فاطمة ناشطة أيضاً في مجال العمل التطوعي ودعم المحتاجين وتسخر وقتاً كافياً لهذا النوع من الأنشطة التطوعية. ذات لمسة انسانية عميقة واضحة تظهر في زيارتها لمنزل إحدى الأسر المحتاجة وتعاملها مع الأطفال الذين بدوا لوهلة يعرفونها جيداً. تقول فاطمة التي يبدو من خلال منزلها وطريقة عيشها انها تنتمي لعائلة ميسورة «لمدينة جدة جانب آخر, حيث الأحياء الفقيرة, من المعيب علينا تجاهل هذا النصف من المدينة, ويجب أن نقدم لهم المساعدة التي يستحقونها». فاطمة أيضاً لديها تجربة مثيرة للانتباه, فهي لا ترتدي العباءات السوداء التقليدية. وتفضل تصميم عباءتها بألوان مختلفة وزاهية, مع محافظتها على كامل حشمتها. هي ترى أن «الانسان يجب ان يكون نفسه, ومظهره يجب أن يعبر عن شخصيته وذاته»، وتظهر موقفاً واضحاً من اللون الأسود التقليدي للعباءة. واللافت أن فاطمة في إحدى اللقطات التصويرية كانت تجلس بجوار أمها التي ترتدي الزي النسائي السعودي التقليدي مع تغطية للوجه بالنقاب, في جو حميمي واضح, مبني على تقبل كل منهما لشخصية الآخر وطريقته في التعبير عنها, ما تشرحه فاطمة في لغة مهذبة بـ«لا يجب أن تكون الفتاة نسخة من أمها, أنا من يملك خياري». فاطمة ختمت ظهورها المدعوم بوالدتها بجانبها, أن حقوق الفتيات ربما لا ينلنها الآن ولكن الدفاع الحالي عنها وتكسير «أسوارها الوهمية» ربما تجنيه الأجيال القادمة التي يجب أن تستمتع بحياتها بشكل أقل تعقيداً.
فتاة تقود دراجتها في جدة
والحال أن الشباب السعودي الذين أتيحت لهم مشاهدة الفيلم، وتبادلوه عبر المواقع الاجتماعية كالفيس وغيره، كانت لهم مواقف ايجابية تجاه أسلوب فاطمة في التعبير عن هموم الفتيات السعوديات وأفكارهن ومتطلباتهن، بينما قال آخرون هل أصبح آخر هم الفتيات السعوديات ركوب الدراجة وقيادة السيارة؟.الأكيد من سياق الفيلم أنه من الظلم اختزال وتسطيح تصرف فاطمة على أنه نزوة تمرد عابرة, وإغفال الجانب الرمزي في العرض الذي يوضح أن الفكرة الرئيسة من هذه التجربة إيضاح أن جدار المنظومة الاجتماعية المقننة والمحددة لسلوك الفتاة, في أوقات كثيرة, هو جدار وهمي, يمكن التحايل عليه بسهولة واختراقه. وأن المنظومة القيمية الاجتماعية مرنة, وستتقبل يوماً خروج الفتاة مثلما تقبلت قبلها الكثير من التحولات التي طرأت على الوجه الاجتماعي السعودي في ما يخص قضايا المرأة. أما «الأكليشة» النقدية التقليدية حول الأولويات النسائية في السعودية, فيراه البعض تحميلاً للموقف أكثر مما يحتمل, فلا يفترض في فاطمة ابنة العشرين ربيعاً, في حضور لم يتجاوز 10 دقائق ان تعبر عن نوع المعاملة التي تلقاها المرأة في الدوائر الحكومية او القضاء او الحديث عن نظام الحقوق المدنية.. إلخ من العناوين العريضة التي تصلح موضوعات لحوار الوطني, وقد كانت, فيما فكرة الفيلم الرئيسة التركيز على الحياة اليومية للشاب والشابة.فاطمة طوال الفيلم لم تشر إلى انها تتحدث بالنيابة عن أحد, بل تنشد ان تعيش وفق ضوابطها ومعاييرها الانسانية التي تقررها وتكونها بقناعاتها الفردية والذاتية جداً, دون فرضها على أحد, وبالتالي تنتظر من الآخرين أن لا يفرضوا طريقتهم ايضاً.أما القصة الثانية فهي لشبان يعزفون موسيقى الروك يؤلفون لها أغنيات في أماكن خاصة بهم. تبدأ اللقطة بتوقفهم عن العزف حال سماعهم للأذان, ويتوجهون مباشرة للوضوء والصلاة جماعة, شارحاً أحدهم سبب خلعه للقميص الذي يرتديه بأن عليه رسومات معينة لا تليق بحضوره بين يدي ربه. ويستمر السياق, بالتأكيد على أن ما يفعلونه لا يرون فيه خروجاً على النمط الاجتماعي. ولكنهم «شبان مسلمون يحبون عزف الموسيقى». هذه النقاشات تقاطعها لقطة عائلية حميمة من جديد, تتمثل في دخول والدة أحدهم, وتقوم بتحيتهم بعد الاطمئنان عليهم, وتنهي حديثها ممازحة لهم بطلبها أن يغنوا أغنيات تستطيع فهمها. هؤلاء الشبان أكثر ما يلفت النظر في تقديمهم لأنفسهم هو تأكيدهم على أن ما يقومون به للمتعة الشخصية, ويمارسونها كهواية تنامت مع الوقت, ولكنها مقصورة في نطاق ضيق لعدم تقبل المجتمع لها بعد. والواضح أن القائمين على العرض عمدوا إلى إظهار أن للشاب السعودي اهتمامات رغم غرابتها محلياً, إلا أنه يظل هناك من يتقاطع مع الدائرة الأوسع, وهي العالم الخارجي حتى لو لم يتوافر لهم المناخ الملائم.[c1]عزيز والنصف الآخر[/c]«عزيز», شاب يافع آخر, لديه ما يقوله ولكن في قضية ذات حساسية بالغة اجتماعياً ودينياً, وعلى نفس المنوال يبدأ الفيلم بالتعريف بـ«عزيز» وهو يؤدي واحدة من فروض الصلوات. في إيحاء متعمد بأنه شاب ملتزم بفروضه الدينية, تمهيداً لما سيلقيه من قنابل صوتية في معرض حديثه القادم.عزيز يبحث عن نصفه الآخر, وبحسب سياق العرض الوثائقي, يوضح أن فرص الالتقاء بالطرف الآخر صعبة جداً, ولا توجد طريقة غير شبكات الانترنت للتعارف. ويتساءل بوضوح «لماذا من الممنوعات أن أجلس مع فتاة في مكان عام أمام الآخرين, نحن لا نقترف خطأً, نحن نجلس أمامهم». ويستمر عزيز في عرض معاناته مع هواية التصوير, موضحاً أن «من الصعب ممارستها في الأماكن العامة, المجتمع لا يسمح». والحال أن هذا الجانب تحديداً اعتراه الكثير من المبالغة في وصف موقف المنع. فمنع التصوير للعائلات هو حق مشروع, كونه تدخلاً واضحاً في خصوصيات الاخرين, وليس من المنطقي التطفل على خصوصياتهم.عزيز يعود ليؤكد الحرمان الذي يجده في التحرك بحرية في المدينة, فهو ممنوع من الدخول للأسواق منفرداً دون عائلة, ورجال الهيئة قاموا مرة بتفتيش حاسبه الآلي المحمول وهو يجلس على الشاطئ. ويغادر حصته من الفيلم بجملة أخيرة يوضح من خلالها «حتى لو حالفني الحظ في العثور على فتاة عند التقدم لها سيسألون من أين عرفتها, وسأجيبهم من خلال النت, ولن تكون طريقة مقبولة لهم».وأخيراً , كبطل أخير في الفيلم, أحمد صبري, 22 ربيعاً, يظهر بدوره أكثر اعتداداً بهويته الاسلامية و«الجداوية», ويشرح حرصه على كليهما، يوضح في سياق شرحه لمكونات غرفته من الكتب أن غالبيتها ممنوعة وهي من خارج السعودية، حيث إن المطارات مليئة برجال الجمارك الذين يصادرون الكتب من المسافرين».أحمد يبدو أكثر نشاطاً في الجانب الاجتماعي من خلال النشاطات المتعددة التي يقوم بها في المجلس البلدي, والتبرع بوقته في خدمة جانب جدة الفقير الذي يرى أنهم «يستحقون منا اكثر مما يقدم لهم بكثير», لافتاً في سياق آخر «الى أن الحقوق لا تعطى كهدية».[c1]دور المرأة في المجتمع [/c]وبدا أحمد من أكثر المتحدثين إيماناً بدور النساء في المجتمع والمشاركة, مشيراً إلى أنهن «أمهاتنا وأخواتنا ويملكن حق المواطنة مثل الرجال تماماً». موجهاً نقداً قاسياً لهذا التجاهل الواضح داعماً لرفع الصوت للمطالبة بهذه الحقوق. والمأخذ الذي يمكن أن يوجه لهذا الفيلم, وهو ذو وجاهة نوعاً ما, هو اقتصاره على فئة شباب مدينة جدة دون باقي فئات الشباب المتنوعة في مختلف مناطق المملكة، غير أنه يمكن محاجة هذا المأخذ بالتذكير برواية الكاتبة السعودية رجاء الصانع «بنات الرياض» والتي حازت شهرة عالمية, بعد تطرقها لذات «التابوهات» من خروج الفتيات في سيارات مظللة بالكامل وقيادتها من قبلهن في شوارع الرياض والعودة للمنزل, إضافة لحديثها المستفيض عن العلاقات بين الشبان والفتيات, والضجة والقصة التي رافقتها مشهورة، ما يعني أن هذا الحديث الشبابي بذات الحدة ليس مقتصراً على مدينة دون أخرى.مع العلم أن من المستحيل الإحاطة بكامل التنوع الفكري والثقافي للشبان والفتيات السعوديات في فيلم وثائقي واحد, وهنا تعود لتبدو فكرة التركيز على محيط واحد غني بتنوعه أكثر حرفية.