مع كتاب صورة مدينتين(1)
عرض وتقديم /محمد حسين بيحانيكان الدكتور الشاعر محمد عبده غانم رحمه الله .. واحد ممن رسموا المسار الثقافي في عدن.. بعد وقبل الاستقلال .. كان يرى رحمه الله عدن سندريلا الشرق وعروس المحيط وثغر اليمن الباسم . الصهاريج.. حقات.. صيرة.. رمزها التاريخي العظيم والتي لم يوجد مثلها في زمانها في العالم وميناؤها ميناء تجارة اللبان والبخور المزدهرة .. وهي العامرة بالمساجد منذ قيام الإسلام وحتى يومنا والتي ميزها شهادة الرحالة العالمي (ابن بطوبة عن غيرها) من سائر مدن العالم التي جابها قبل ستة قرون بغناها وسخائها وكرم أهلها وتجارها مع الغريب أياً كان.. ذات المنازل البيضاء والمنارة والعقد والقلاع الحصينة والأسوار المنيعة.. والنهضة الفكرية والمدنية الحديثة .. رحمك الله يا أباء التاريخ القديم والحديث والمعاصر فكنت تجد بعدن تلك المدينة الواعدة بالإبداع الدائم فهي المدينة الزاخرة بالأندية الثقافية والرياضية والجمعيات الإسلامية والخيرية والفنية والأدبية أول الجمعيات للمرأة والنقابات والمنتديات والمدارس الحديثة والمطابع والصحف والمجلات والمكتبات الحديثة فوعداً مني بشرف الموقف والكلمة التاريخية الغالية أيها الشاعر والتربوي العملاق الدكتور محمد عبده غانم رحمة الله عليك.. بأنني سوف اعمل وأقوم بواجب الوفاء مهما كلفني حتى عمري بإخراج أكثر من حلقة وثائقية عن مآثرك أيها الغالي، وهذا وعد والله ولي التوفيق والآن إلى صورة مدينتين عدن وصنعاء في شعر محمد عبده غانم تأليف أبن الوفاء الدكتور شهاب محمد عبده غانم:اسمح لي أيها القارئ الكريم.. بكل احترام وتقدير للعقل والقلب والوجدان في الكتابة والكتابة وإليك. بضرورة المحاولة المتواضعة في الخروج عن المألوف الكتابي الحرفي والكلماتي المتجدد لصاحبة الجلالة.وبداية هذا العرض.. هذا التقديم لكتاب “صورة مدينتين عدن وصنعاء في شعر محمد عبده غانم” التأليف للدكتور شهاب محمد عبده غانم.. والذي يحدثنا بجمالية وشفافية الراوي والشاهد التاريخي في مقدمته للكتاب :” في صيف عام 1985.. زارني والدي في مدينة كارديف عاصمة ويلز البريطانية لقضاء بضعة أسابيع في إجازة من عمله بجامعة صنعاء وسكن معي في منزلي هناك حيث كنت قد التحقت بكلية الاقتصاد في جامعة كارديف في ابريل من نفس العام لإعداد أطروحة دكتوراه كنت يومها قد أنجزت فصلاً من الأطروحة . وعلى الرغم من إنها كانت في مجال التنمية الصناعية وتطوير القوى العاملة الفنية وبعيدة عن مجال تخصص والدي إلا إنني عرضت عليه ماكنت قد أعددت، فطمأنني انه كان بمستوى ما يكتب في الأطروحات للدكتوراه وان اللغة التي كتب بها راقية وكان خير من يستطيع الحكم على اللغة لتمكنه المتميز منها.وكان خير من يستطيع الحكم على اللغة لتمكنه المتميز منها.وله في بعض الترجمات الجميلة لقصائد عربية باللغة الانجليزية نشرت بعضها في كتابي( إذا وقصائد أخرى) ثم فاجأني رحمه الله قائلاً إنه يفكر بالتسجيل في جامعة بريطانية للإعداد للحصول على دكتوراه العلوم (D S C) التي تعد أعلى من دكتوراه الفلسفة (p h d) و يستغرق الإعداد لها مدة أطول والحاصلون عليها قله ضئيلة حتى في بريطانيا) كنت اعلم أن والدي قد جاوز الثالثة والسبعين من العمر وانه كان يعاني من اضطراب النبض ويتناول له العلاج باستمرار وكان يضطر للخضوع لعملية لكشط المثانة كل ستة أشهر أو سنة وانه كان قد خضع قبل ذلك بنحو عقدين لعملية كبرى لاستئصال سرطان الأمعاء أنجاه الله منه. قلت وأنا أتعجب من هذا الطموح العجيب لهذا الرجل السبعيني وماذا يمكن أن تستفيد من الحصول على تلك الشهادة سوى إرهاق نفسك وأنت في هذا السن؟فقال انه يريد أن يشق الطريق لليمنيين للقيام بمثل تلك الدراسة في المستقبل قلت له انه أدى دوره وزيادة في شق الدروب فكان أول يمني يحصل على شهادة من جامعة حديثة وأول يمني يصل إلى منصب مدير المعارف في عهد الاستعمار والى الدرجة الأعلى في الخدمة المدنية وأول يمني ينال درجة بروفيسور وغير ذلك من الإنجازات الريادية في عالم الشعر والعمل الاجتماعي وأخبرته أن ما اقترحه عليه هو ان يتقاعد ويتفرغ لجمع ماتناثر من شعره ومقالاته في المجلات والصحف لنشره في كتب والاهم من كل ذلك ان يكتب سيرته الذاتية وربما أكون قد أثرت عليه بخصوص مواصلة الدراسة وقد بدا عليه شيء من الإحباط بسبب عدم تشجيعي له بذلك الخصوص. أما بخصوص كتابة السيرة الذاتية فقد رفض الفكرة بشدة قائلاً: أنت شاعر وتعرف أن ديوان الشاعر هو سيرته الذاتية فقلت له ان ذلك قد يكون صحيحاً إلى حد ما ولكنه لم يكن مجرد شاعر بل كان شخصاً لعب الأدوار العديدة والهامة في تاريخ بلاده وخصوصاً في عدن في مجال التربية والتعليم حيث درس ودفع وشجع الكثيرين على السفر للدراسة العليا( ومنهم د.سالم عبدالخالق الذي اخبرني انه لولا تشجيع والدي لما فكر بدراسة الطب مطلقاً). وترأس إدارة المعارف وترأس لجنة التأليف المدرسي ونجح في جعل اللغة العربية إلزامية في كل المدارس الحكومية والخاصة، ولعب دوراً ريادياً في الحركة الأدبية والمسابقات الشعرية وترأس جمعية الشعراء بعدن ثم ساهم في تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بعد الاستقلال ولعب دوراً إلى جانب والده ووالد زوجته المحامي محمد لقمان في إنشاء نوادي الإصلاح وقد ترأس النادي في التواهي في الخمسينات وكان قد ترأس حلقة للشاعر احمد شوقي فيه.ولعب دوراً ريادياً وقيادياً في تأسيس وتكوين للحركة الموسيقية بعدن إذ ساهم في إنشاء ندوة الموسيقى العدنية والرابطة الموسيقية العدنية وألف لهما أكثر من خمسين أغنية وكان رحمه الله من مؤسسي نوادي الأحداث ورئيساً لها كما كان من مؤسسي نادي صيرة للبنين ورئيساً له كل سنوات بقائه في عدن.. بل وحتى عمل ضابطاً غير متفرغ في الدفاع المدني أبان الحرب العالمية الثانية.لم يقتنع والدي بكلامي ولو لم أكن غارقاً بهموم الدراسة لكنت استدرجته إلى حوار طويل حول سيرته أسأل وأسجل إجاباته في انه تسجيل وعلى الورق لأكتب سيرته بنفسي فوالدي من الصنف من الناس الذين لا يحبون الحديث عن أنفسهم بل ويظن ذلك ضعفاً ممجوجاً ولكن كان يجيب إذا سئل بدقة وشفافية.