سطور
كتب/أحمد علي جابراقنع بحظك في دنياك ماكان وعز نفسك إن فارقت أوطانـا في الله من كل مفقود مضى عوض فأشعر القلب سلوانـا وإيمانـا أكلما سنحت ذكرى طربت لها مجت دموعك في خديك طوفانا أما سمعت بسلطان شبيهك قد بزته سود خطوب الدهر سلطانا وطن على الكره وارقب إثره فرجا واستغفر الله تغنم منه غفرانـا ترى الدكتورة وجدان الصائغ أن الحزن أكسير القصيدة ، إذ لا يمكن أن نتخيلها من دونه،ولا يمكن للقصيدة أن تترك بصمتها الخالدة في ذاكرتنا لو لم تكن فراديسها مخضلة بإيقاع الحزن،الذي يبدو ملازماً لمخيال المبدع ،متقداً على نطاق الذاكرة الشعرية بوجه الخصوص،إذ يؤثث مناخه في القصيدة منذ الأزل...(1) هذه الإشارات قفزت إلى ذهني وأنا أطالع هذه الأبيات التي خلدها المعتمد بن عباد ،وبقيت شاهداً على شعريته الحزينة,وأبانت عن أحزانه وانكساراته وخذلانه،لقد أثقلت نصوص الشاعر بإحساس مفرط بالحزن ،وعاطفة ملبدة بالدموع ومتقشرة عن خيبة وذل،يطول بنا المقام لو استرسلنا في الحديث عنها,بيدّ أن هذه الأبيات تمتلك رصيداً تراجيدياً,يكشف جانباً من حياة الشاعر التي عاشها خلف قضبان السجن في منفاه بـ(أغمات) بعيداً عن حاضرة ملكه الأندلس,ولاشك أن الرسالة الشاعرية التي حملها نص المعتمد تؤشر بوصلة القراءة صوب هذا الموضوع (الحزن) بوصفه مهيمناً موضوعاتياً يتوجه بدلالاته نحو هذا السياق التدليلي. أما أسلوب القصيدة ولغتها فينمان عن رقة في الوجدان والشعور, واستحضار للعاطفة دون الانجرار خلف الأساليب المتكلفة والزخارف اللفظية والتنميقات البلاغية التي كانت تسم شعريات الأندلسيين ,كما أن اللغة الشعرية تقوم على ألفاظ وتراكيب سهلة ,موحية ودالة ,تدفع نحو هذا الخط الشعوري الملفع بالحزن . والرؤيا لشعرية على ما تعكسه من حزن وبكاء ،جاءت بكثير من المباشرة لتعبر عن صدق التجربة وحرارة الوجد الشعري ،وهناك تحول عن هذه البكائية،إلى التلبس بصوت الحكمة واستلهام الروح الإيمانية،واستدعاء قيم الصبر، لتشع بدلالاتها وتتضافر في مفرداتها على نحو من الانسجام،ولتبدو شخصية الشاعر في النص معتدة محتسبة راضية بقدر الله من غير جزع . والشاعر يؤسس لمشكاته دون اللجوء إلى الإفصاح المباشر,أي أن ثمة نزوعاً درامياً،يتأكد حضوره في أسلوب القصيدة ، وهذا وارد يتضح من طريقة الصوغ التعبيري المعتمد ، فالنص متخفف من الهالة التصويرية والخيال المفرط.والبعد الدرامي عامل لتحطيم غنائية القصيدة وإلغاء هيمنة الأنا الشعرية,بالركون إلى آلية الحوار، وبروز الحس الفجائعي ,وانشطار ذات الشاعر في خطاب القصيدة إلى قسمين ,تأخذ في الأولى زمام النص,بكونها الذات المتكلمة فيه, فلا نسمع إلا صوتها وخطابها,ونرى في الثانية شخصية مصغية,تترسم بعدها التراجيدي من خلال صوت الأنا المتكلمة,لا حظ متواليات أسلوب الأمر الذي يسوقها خطاب هذه الأنا (اقنع بحظك,عزّ نفسك,اشعر القلب,وطن على الكره,استغنم الله). وتتناثر في النص بعض الصور الشعرية التي تأكد حركتها في مساق الحزن,فقوله مجت دموع كناية عن كثرة البكاء والدموع صارت إلى علاقة مشابهة بالطوفان,وفي قوله بزته سود خطوب الدهر كناية عن الأخذ بقوة ,وفيه استعارة تجسيمية تصطبغ بحضور اللون الأسود الدال على التشاؤم والحزن والحداد. البنية الإيقاعية في النص تقوم على اعتماد تفعيلة البحر البسيط (مستفعلن فاعلن)والقافية جاءت بروي النون ,ولهذا الروي إيقاع حزين متجانس مع أجواء الحزن ,يتصاعد هذا النغم من خلال تجمع أصوات النون في البيت الأول ,وهناك إيقاعات مختلفة مثل تكرارات كاف الخطاب في (حظك,دنياك,نفسك)وقافيتان داخليتان في (سلوانا,إيمانا),(دموعك,خديك)والتجانس اللفظي في (استغنم ,تغنم). هامش(1) ـ ينظر :وردة الجمر تشكيلات الحزن في القصيدة المعاصرة ,د. وجدان الصائغ, مركز عبادي ,ط1, 2006م, ص23. *كاتب المقالة حاصل على الماجستير في الأدب والنقد الحديث من جامعة ذمار