لقد عرف العرب أنهم أمة الشعر ،ولهذا وجهوا همهم إلى الشعر أكثر من النثر، واعتبروا الشعر هو ديوان العرب .وكان ينبغي أن ننمي في ناشئتنا التفكير المنطقي المتناسق ، وأن نقرب أولادنا من أسلوب الكتابة اليومية الذي به يواجهون الحياة.ولكن هناك بعض المآخذ النقدية على فنون الشعر العربي وهو أنه يغلب عليه النزعة والقيم الفردية والقبلية في العصور القديمة ،إذ أن الشعر - قديماً- لم يُعن -بوجه عام- بشؤون الناس وهمومهم ومشكلاتهم ، الناشئة عن الحياة الاجتماعية في المدن والقرى ،فضلاً عن ندرة تطرقه إلى القيم الإجتماعية الإنسانية .كما إن الناظر في مضمون البرامج الأدبية التي تدرس في ثانوياتنا يعجب لغياب أي اهتمام ببناء المواطن الصالح والإنسان الأصيل المتطور من خلال القيم التي تقوم عليها مجتمعاتنا ومؤسساتنا أو تلك التي نصبو إلى ترسيخها في مجتمعنا من خلال أفراده .كما أنها تكاد تخلو من المواقف الإنسانية البناءة والمسائل الحيوية التي نواجهها في حياتنا العملية اليومية ،لكأنما اقتطعت مقطوعات الشعر والنثر ،التي ندرسها من حياة كوكب آخر. اضف إلى ذلك ،أنها في أحيان كثيرة ،تعاكس أوتنافس القيم الاجتماعية ،والمواقف الإنسانية ،وسنة التطوير والتحول.وفي هذه العجالة نتناول بعض الأمثلة حول واقع البرامج الأدبية التي تدرس في مدارسنا الثانوية، وبخاصة ما يتعلق ببعض فنون الشعر العربي القديم، ومدى تأثيرها في تنمية شخصيات سلبية ،وتطبيعها بروح النزعة الفردية وقيمها الضيقة ،على حساب القيم الاجتماعية والإنسانية من أوسع أبوابها .ومن تلك الأمثلة بعض الفنون المحددة للأدب العربي ،والتي أثرت كثيراً في نفوس شبابنا تأثيراً سلبياً في حياتهم الاجتماعية ،وسار على نهجها معظم شعرائنا في أقطار الوطن العربي ،وهي على النحو المبين أدناه.نسوق المثل الأول على واقع المضمون القائم من فن الفخر والحماسة ،وفارسه عنترة بن شداد.إننا مع إقرارنا بسحر شخصية هذا الشاعر الفارس ،نأسف لتنشئة شبابنا على فضائل فردية تقوم على القوة الجسدية والبلاء في الحروب وما إلى ذلك .والمرغوب فيه أن نمر بهذه الأمور مرور الكرام عند عنترة وسواه ،ولدى ذكرى حرب داحس والغبراء ،والحروب التي مزّقت أوصال المجتمعات القديمة.ولابد من الإشارة هنا ،كما بالنسبة إلى سائر فنون الأدب العربي ،إلى أن النزعة الفردية تغلب على تراثنا ،مما أدى إلى تفسخ المجتمعات القديمة الصغيرة والكبيرة ،بينما نحتاج إلى كل مامن شأنه أن ينمي في نفوس ناشئتنا احترام المؤسسات والدولة واعتبارها ملكا لنا جميعاً ،لا جسماً غريباً عنا ،مع الإشارة إلى تنمية روح الاستقلال في النظر والتفكير والتعبير .وليس ضرب الأمثلة في هذا المجال ضرورياً ،لأن معظم شعراء الفخر أو نثره يدور على مظاهر الأنانية والفخر بالآباء ،حتى أن الإسلام في الكتاب والحديث والسنة قد خص هذا الأمر بالكثير من المنع والتحذير.اما إذا تناولنا فن الرثاء ،نجد أنه يتضمن معاني التفجع ،والحزن والمعاهدة على نبذ الفرح.صحيح أن عاطفة الوفاء والمحبة لقريب عزيز هي من أنبل المشاعر،لكن ألوان هذه العاطفة - كما ترد في النصوص- تزعزع شخصية التلميذ أحياناً وقد تدفعه إلى التلذذ بالألم .أما الهجاء فقد يكون نصيبه من الضرر أشد وأدهى على نفوس الناشئة ،فهو يرفع تنافر الأفراد وتخاصمهم وعداوتهم ،وتفسخ المجتمعات وتخاصم الأعراق والقوميات فضلاً عن هروب القبائل - إلى مستوى الفن الذي يزين القبيح ويخفي المعاني القبيحة تحت غلالة من التعبير المؤثر الجميل ،فيستهوي الأسماع والعقول .فمن هجاء الأخطل والفرزدق وجرير الحافل بالتأرات الشخصية والقبلية المفككة لعرى المجتمع وأواصر الأفراد ،وتفويض للأخلاق الفردية والفضائل المجتمعية وإمتهان للكرامة الإنسانية بالتلذذ بفضح العيوب والنيل من سمعة الناس ومن شأن ذلك أن يعّود الطلاب ألا يروا في زملائهم سوى العيوب ،أو أن يسقطوا تلك العيوب ،فيجنح بهم ذلك إلى عدم اكتشاف الحسنات والنواحي الجميلة في الأصدقاء.وليس حظ فن المديح من التأثير السلبي في نفوس الشباب أقل من حظ الهجاء والفخر أو بعض ميراث هذه الفنون .فقد ضرب فريق من شعراء المديح على أنفسهم بشعر المديح للذلة والمسكنة والاستعطاء والاستعطاف ،وهي مشاعر يمكن أن تؤثر سلباً في نفوس الطلاب ،اضف إلى ذلك أن كثرة هذه القصائد أو المقطوعات النثرية تعلمهم الرياء والكذب ،والنفاق ،والتقلب في الرأي والفكر ،وعدم التعبير عن قناعات ،والتزام جانب الوصولية والانتهازية.خلاصة القول ،إن الأدب العربي -على الرغم من سيطرة الروح الفردية والقبلية عليه في العصور القديمة -ينطوي على مطالب وطنية وإنسانية ،ومواقف إنسانية رائعة ،وتحليل العلاقات الناس بعضهم بعضا وبين مختلف الطبقات في شتى شؤون الحياة .والأمثلة على ذلك كثيرة ومن مختلف عصور الأدب العربي ،بما في ذلك العصر الجاهلي الذي ينطوي شعره على مواقف وعلاقات إنسانية وتنور لما بعد الحياة ،وهي أمور قد أغفلناها في برنامجنا الأدبي المعمول به حاليا في مدارسنا الثانوية. ختاماً، ندعو إلى اختيار النصوص الأدبية على أساس المطالب كأن نتناول مثلا الحب (بأوضح معانيه )- المساواة - الحرية - التآخي -التعاون -الحرب- الموت- التسامح الديني والفكري ، الوطن والوطنية ،الوحدة الوطنية ،العلاقات الاجتماعية ...الخ.والتي من شأنها أن تنمي الشخصية الذاتية أو الاجتماعية أو الإنسانية عند الطالب ،أو الشعور الوطني في بناء وطن أو إصلاح نظام سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي ،أو بتقوية الشعور بالوحدة الوطنية .فهل نحن فاعلون ؟ أرجو ذلك.
أخبار متعلقة