قصة قصيرة جداً
شفاء منصريبحثُ عن مكانٍ يتوارى خلفهُ ليفرغَ مثانته الممتلئة. يجهدهُ عناءْ البحث وتتقاذفهُ الأزقة المعتمة وعبث الأطفال الذين ينبعثون من بين زواياها المتربة كجحافل النمل الشرس، يطاردونه بنزق، ويمطرونه بوابل من الحجارة فيعوي مستغيثاً عواءً موجعاً قاسيا. ولا يتركونه إلا وكل رقعة من جسده تحمل توقيعاً من تواقيعهم الدامية، يغوص بذعر في الشارع الكبير وسط سيل البشر الذي يتدفق بلا توقف منقباً بعينيه الحمراوين عن ركن متهدم يحجبه عن أعين الناس، فتبدو كل الأمكنة معبأة بالبشر الذين لم يتركوا لأمثاله من المخلوقات في هذه المدينة المزدحمة بعض الخصوصية!! بمنأى عن الخوف والمطاردة.يزجره بعض المارة وتلاحقه التعليقات المزدرية حينما يرونه يتلوى مكابداً وجعه ..ـ اللعين يبدو مريضاً.ـ هش يا ابن الكلب ..يتراءى له رجل طويل القامة يقف بمواجهة جدار إحدى المباني مديراً ظهره للشارع فاشخاً ساقيه، رافعاً مئزره إلى أعلى فخذيه يتبوَّل باطمئنان أمام المارة! صانعاً عند قدميه بركة صغيرة من البول تسيل من أسفل الجدار نحو الطريق الإسفلتي، يرتقي الرصيف الترابي مجرجراً قدميه ككلب عجوز، يقترب من الرجل بحذر مختبراً نواياه فلا يعيره الرجل انتباهاً، يقف بعيداً عنه يلهث لهاثاً بائساً ينتبه الرجل لصوت لهاثه المرتفع، يفسح له مكاناً بجانبه مخاطباً إياه كصديق قديم.ـ هيا يا صاحبي قـلِّدني..يندس خلفه متوارياً عن أعين المارة التي ترمقهما بغيظ وقرف يرفع ساقه ويشرع بإفراغ حمولته الموجعة.