اقواس
تعلمنا التجارب المسنة حين نخوض غمارها أننا دائماً في حاجة ماسة إلى آلة زمان تختصر لنا المسافات وتجعل حلقات الزمان ذات صلات حميمة بل إن إيجاد مثل هذه الآلة أمر هام إلى بعد الحدود حتى لا تتقطع أوصال الزمن وتتباعد مراحله .فنحن من الميالين إلى مراجعة التراث والتمرس بما فيه من روائع كما نحن نفتح الأبواب على مصراعيها لنستقبل الأنسام الندية في آثار الأدباء الجدد ما دامت تعبر عن واجهات زمانها بصدق وعفوية وإضافة وما دامت تعيش داخل عصرها و هي تمارس طقوس الإبداع فمن حقها ذلك وليس من الحكمة أو الصواب إشهار سيف الإدانة وإصدار حكم عليها لمجرد ورود أغلاط طفيفة في ثنايا أعمالها لا تمس جوهر الموهبة من قريب أو بعيد فمثل هذه الأغلاط يمكن إصلاحها من الزمن ونمو عادة التأمل الذاتي.ففي كل عصر يصوغ الإنسان أفكاره حسب احتياجاته الملحة ورؤاه الخاصة وأسلوبه المميز في التعامل مع الحياة ولا يمكن أن تكون أفكاره نسخة بالكربون لأفكار أمم غابرة بالرغم من أن هذه الأفكار قد تكون امتداداً أميناً لأفكار هذه الخلائق الغابرة التي تمثل تراث الماضي المجيد.والقول أن القديم يجب إهالة تراب النسيان عليه أغلوطة كبرى فالقديم قد أعطى وأجزل العطاء ومازال يوحي ويعطي كمصدر إلهام وقد غطى على مدار الزمان مساحة تاريخية عريضة مذكراً من لا يروق له العودة إلى تراثه العربي القديم والإنكباب على قراءته قراءة متجددة واستنباط الأفكار الجديدة منه بحسب مضمون المثل القائل: من فاته قديمه تاه.ثم إن جذور الماضي العريق هي التي منحت المشاتل الجديدة فرصة ـن تختار الأسمدة والأزياء التي تلائمها ولولا وجود ذلك التراث العظيم لأصبح كل أب طفل مجهول الهوية. المحطة التي أنطلق منها الإبداع ومازال يمتد في عصور حضارية تأخذ برقاب بعض وبدون فواصل أو فجوات إلا في مراحل التحول من عصر إلى عصر وقليلون جداً هؤلاء المبدعونن الذين يقفون في منتصف محطات الإبداع تحت مظلة التأمل الباطني لغربلة الأشياء بالأطلال على الماضي لمراجعة ملفاته ويتجاوز الآن ليصبح قطعة من الماضي المجيد .وهؤلاء المبدعون بحكم انتمائهم إلى أجيال مختلفة متباعدة المرامي متباينة الميول والمشارب ولمرورهم على تجارب عديدة كانت ولا تزال نظراتهم إلى أن الأشياء تتسم بالموضوعية والنقاء والشفافية وهم لذلك يؤمنون بقيمة الصراع الشريف بين القديم والحديد من أجل الإضافة ورفع الأعمال الإنسانية إلى أعلى بإعطائها فصائل دم جديدة. وهذه الفصائل وجدت وما تزال توجد في كل عصر وأوان لبناء خلايا الحياة كقطع غيارلابد منها وهذا الصراع سيظل متصفاً بالديمومة والاستمرارية شئنا هذا أم أبينا والآثار التي تكون وليدة الصراع بعضها يعيش عدة عصور ثم ينسحب من الساحة وبعضها يظل حياً في كل عصر وأوان.ولعل هذا ما يفسر لنا بقاء التراث الكلاسيكي الخالد حتى يومنا عند سائر الأمم العريقة كإلياذة وأوديسة هوميروس وألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وروائع أمرئ القيس والمتنبي وأبي العلاء المعري وشكسبير ودانتي وغيرهم.