سياحة
ترتبط الجسور في البلقان بذكريات مختلفة، كما ينظر إليها بمشاعر مختلفة، لكن الجميع يتمتع بروائع التاريخ تلك، بقطع النظر عن الموقف منها ومن بناتها، وكونهم فاتحين أو غير ذلك. فهناك جسور تعود للعهد الروماني ويطلق عليها في اللغة المحلية «ريمسكي موستوفي» وهي جسور متواضعة جدا مقارنة بجبروت الرومان وتاريخ معمارهم، كما توجد جسور تركية غاية في الاتقان والعظمة وهي من المآثر التاريخية في المنطقة. وفي البلقان توجد جسور كثيرة، لكن ثلاثة منها على الأقل تظل في ذاكرة الشعوب وصفحات التاريخ. أولها الجسر على نهر ملياتسكا الذي أطلقت من فوقه الرصاصات الأولى باتجاه ولي العهد النمساوي فرديناند، والذي قتل على يد متطرف صربي، وأوقد شرارة الحرب العالمية الأولى 1914 /1918. والثاني جسر فيشي غراد الذي أوحى للكاتب (ابن الراهبة) ايفو أندريتش برائعته «فوق جسر فيشي غراد» والذي نال بسببه جائزة نوبل للآداب سنة 1960. والثالث جسر موستار التاريخي، والذي هدمه الكروات في أغسطس سنة 1993. ومثل هدمه صدمة كبيرة في المنطقة لكونه تحفة فنية نادرة في عالم المعمار والآثار التاريخية، وتلك الجسور الثلاثة عثمانية مائة في المائة. لقد كان معظم الجسور على نهر ملياسكا والذي يقسم العاصمة البوسنية سراييفو إلى شطرين من الخشب، وذلك لكونها داخل مدينة جميلة مما يجعل من الجسور تحف فنية تضفي على المدينة جمالا على جمال. ويجعلها أكثر شاعرية وأكثر قبولا من حيث البيئة والطبيعة المحيطة فضلا عن طابعها السياحي. لكن النمساويين غيروا تلك الجسور من الخشب إلى الحجارة وهي اليوم كتل من الخرسانات التي لا توحي بأي جمال أو رمزية سوى كونها معبرا للسيارات والمترجلين وحسب. يمثل جسر ملياسكا التاريخي واحدا من 14 جسرا أو أكثر على النهر، وهو اليوم من أكثر الأماكن التي يقصدها السياح، ولا سيما الاوروبيون وأكثرهم من النمساويين والألمان. ويلتقطون الصور بالقرب منه. إنه لا يختلف كثيرا عن بقية الجسور ولكنه مرتبط بحادثة تاريخية غيرت وجه الخريطة في منطقة البلقان وأوربا والعالم. وهي حادثة اغتيال ولي العهد النمساوي فرديناند، وقد كانت بداية نهاية الامبراطورية النمساوية انطلقت من هنا، لذلك يعتبر هذا المكان من أكثر الاماكن التاريخية تجييشا للمشاعر ولا يخفي السياح ولا سيما الألمان والنمساويون حسرتهم وألمهم وهم أمام الجسر الذي كانت للحادثة التي شهدها قبل نحو 100 عام تداعيات فظيعة على أمتهم. وموستار ليس مجرد جسر، وأكثر من كونه رمزاً، فهو مأوى أفئدة الأدباء والشعراء في البوسنة الذين طالما تغنوا به، واستلهموا من هلاله ومياهه المنسابة بين مرفقيه روائعهم وإبداعاتهم عبر السنين.وقد ارتفعت حركة السياحة بعد إعادة بناء الجسر مما عزز الاقتصاد المحلي. وكانت مدينة موستار التي دمرتها الحرب وتعرضت للتقسيم العرقي يزورها ما بين 20 و25 ألف سائح سنويا لمشاهدة القوس المحطم للجسر التاريخي. وسجلت نحو 300 ألف زيارة للسياحة عام 2004، و450 ألفا عام، 2005 ووصل العدد إلى مليون و 750 ألفا بنهاية عام 2006.