الى: “أرزاق” طالبة كلية الإعلام سنة أولى - جامعة صنعاء - التي تكالبت عليها ضغوط دعاة الفضيلة والعفة إناثاً وذكوراً من: الأكاديميين والمؤتمريين والإصلاحيين والأمنيين لتطهير رأسها السافر، مما أضطرها لترك “ الحرااااااام “ الجامعي.فجأة صديقة ابنتي “منى” وجارتنا اللصيقة، تظهر بلا وجه، بلا رأس.. انحشر جسدها الصغير ذو الثلاثة عشر ربيعاً وتكوم داخل أكياس الموتى السوداء.. وغدت تتحرك ولكن بدون رأس.شيء كهذا رأيته في أحد أفلام هوليود المخيفة: الجثث التي تعبر الشوارع والمقابر والجامعات، بلا رؤوس.منظر “منى” والإناث في اليمن جاوزنا الفانتازيا “الهيولودية” بامتياز.. ترى هذه الصورة - الجثة في كل لحظة وتتكوبس البلاد الخالية من وجه أية امرأة تفتح وجهها، وتريق الحياة في شرايين المدينة، لتزهر.فكيف تعيشين يا صنعاء / تعز/عدن /حضرموت.. الخ ونساؤك بلا وجوه وبلا رؤوس.. جثث متفحمة تتخبط في طرقات الفناء والانقراض؟!كنا نتوقع من “منى” أنها ستكون بلا رأس عندما تكبر قليلاً، لم يبق إلا سنوات قليلة وستبدأ تتخلق الجثة وتتفحم، لكنها أسرعت وأحرقت المراحل مثلها مثل الأحزاب اليسارية، لتصل “منى” الى مرتبة أن تكون عروس بلا رأس، مثل مدينتها: عروس الموتى.عادت ابنتي من حوش المنزل وهي مكتئبة، حزينة، مقهورة، هرولت تبكي: لقد ضاعت “منى” لن نلعب بعد اليوم. انظري يا أمي من النافذة: كيس أسود ونظارة سميكة كالتي يلبسها عمال الورش، ذكرتني يا أمي بطنجرة جدتي “ المُدحمة” طنجرة بلا رأس، هكذا هي “منى” فأين تستقر نظارتها الثقيلة وهي بلا رأس ولا رقبة؟وبألم تنشج ابنتي: مع من سألعب يا أمي؟ بعد اليوم لن يكون هناك “وقل” ولا “نط الحبل” ولا “تامبو” ولا ضحك وفرفشة! وتضيف ابنتي: نريد “منى” كما كانت حتى وإن ضجّرتنا بفتاواها الدينية التي تسكبها على رؤوسنا كل يوم، تحلل وتحرم. نريد “منى” كما كانت حتى وهي تهصرنا يومياً بأناشيدها الدينية، فالغناء محرم في بيتها ومدرستها ومع نفسها.. نريدها وهي تلوي عنق اللعبة لتقول للصديقات، حان وقت الصلاة، والاستماع الى “السديس” والسبيع، وابن قُضاعة وصداعة، من قنوات محددة: الرسالة، اقرأ،الحقيقة، وقنوات كثيرة تفتي بأن الحياة الآخرة خير وأبقى، والحياة الدنيا فناء وزوال.بعد أيام ظهرت “منى” في حوش المُجمع السكني. قالت لصديقاتها، لا أستطيع أن العب معكن، فأنا أصبحت “امرأة مشرشفة”، لكن سنتمشى ونتكلم!البنات يحببن اللعب والحركة مع “منى”، لكنهن يرفضن دوما “التمشيات” بمعيتها، فهن يعرفن مسبقاً ما ستبثه الزعيمة “منى” من أحاديث الموتى التي تستقيها من أفراد العائلة ومن الفضائيات والمدرسة، أحاديث: كالذي قطع صلاته وتحول الى كلب، وعن البنت التي مُسخت الى معزة و(سلحفاة في رواية أخرى) والبشر الذين ظهرت لهم أذناب وقرون لأنهم لا يقومون الليل تهجداً، وكل الحوادث “منى” رأت أبطالها وهو ممسوخون (بالمناسبة منى لها أب طبيب يشتغل مع أجانب، وأمها أستاذة للعلوم الحية).قالت ابنتي: مشينا بوجوم. لكنه “الشرشف” الذي يتضاد مع “نط الحبل” والضحك واستبشار الوجه، انه لا يتعايش إلا مع الجثث، مع الموت والمأتم.“منى” لم تعد منى يا أمي.. شيء ما انكسر، أصبحت أخاف من شكلها.. أقنعتها باستكانة: ستتآلفين مع الشكل الجديد الذي أنظمت إليه “منى” فكل يوم نصحو نرى الشرشف قد التهم بشراهة ما تبقى من الطفلات والشابات والكبيرات في مرافق الحياة وأولها المدارس المفصِلة للشرشف بكل الأشكال والأحجام، ستآلفين الحياة مع الجثث المفصولة عن الرأس.