محمد زكرياقيل ان السحر نبع من ارضها لانها موطن الطائر (الخرافي) العنقاء الذي حمل السندباد بمخالبه وطاف به في العديد من اقطار اعالملسنا نبالغ إذا قلنا أن جزيرة سقطرى حتى هذه اللحظة مازال الحديث التاريخي عنها تكتنفه الضبابية والغموض والأسرار. صحيح أن وسائلنا الإعلامية المختلفة ومنها المرئية، صورت الجزيرة في أفلام تسجيلية عديدة ، ولكن تلك الأفلام الوثائقية أنصبت كلها في الحديث عن جمال الجزيرة الأخاذ ومناظرها الطبيعية الخلابة ولكن الجانب التاريخي منها يكاد يكون مفقودًا ، وإن وجد فإنه يكون متناثراً أو سطحياً ولا يلامس تاريخها الأصيل الضارب غائبة عن ابحاتهموالحقيقة أن الباحثين الحاليين والمؤرخين المحدثين حتى هذه اللحظة لم يصدروا مؤلفات عن تاريخ سقطرى أو بمعنى آخر أن جزيرة سقطرى غائبة عن إبداعاتهم المختلفة الوجوه سواء كانت تاريخية أو اجتماعية ، أو ثقافية ( عادات وتقاليد وأعراف أهل سقطرى ) . ومرة أخرى نقول أن سقطرى الجزيرة المشهورة والتي يعرفها الداني القريب والقاص البعيد لم يصدر عنها كتاب واحد يشفي غليل القراء لمعرفة وجوه حياتها المتنوعة ـــ كما ذكرنا سابقا ـــ من ناحية ويعد مرجع من مراجع تاريخها من ناحية أخرى يستند عليه الباحثين والمهتمين في البحث عن تاريخها.أسئلة وإجابات ؟ولقد وقع في يدي كتيبا صغيرا يحمل عنوان (( لمحات من تاريخ جزيرة سقطرى )) لصاحبه المؤرخ الكبير محمد عبد القادر بامطرف . والحقيقة أن مؤلفه بذل جهودا طيبة بهدف تعريفنا بتاريخ الجزيرة على سبيل المثال من أول من سكنها أو بالاحرى من سكانها الأصليين ؟ . وهل كانت سقطرى معروفة في العهود القديمة أو بمعنى أدق هل كانت هناك علاقة بينها وبين الحضارات القديمة ــ وقتئذ ــ كالحضارة الفرعونية ، وحضارة بلاد الرافدين ، والحضارة اليونانية ، ؟. وما هي الديانات القديمة التي دخلت الجزيرة ؟ . ويثير الأستاذ المؤرخ محمد عبد القادر قضية غاية في الأهمية وهي أن المسيحية دخلت سقطرى وانتشرت بين سكانها انتشارا كبيرا وواسعا . وعلى الرغم من تلك القضية المثيرة المتمثلة بانتشار المسيحية بين سكان سقطرى إلا أن المؤلف لم يعطينا صورة واضحة عن كيف ومتى دخلت الديانة المسيحية فيها ؟. قضايا مثيرةويتناول المؤلف قضايا مثيرة أخرى وهي على سبيل المثال أن سقطرى تعد جزيرة السحر والسحرة في الأزمنة القديمة ويسوق الأمثلة على ذلك على لسان الروايات الشفوية الذي تحدث عنها أهلها . ويتطرق ــ أيضا ــ إلى الغزاة البرتغاليين في سقطرى ، وكيف سقطت في قبضتهم ؟و يتحدث ــ أيضا ــ عن العلاقة بين الجزيرة وبريطانية وكيف ألقت الأوضاع السياسية الدولية ظلها على تلك العلاقة بين مد وجزر . الأرض الطيبةوالحقيقة أنه على الرغم من أن المؤلف بذل الكثير من الجهود القيمة في محاولة منه في الكشف عن تاريخها الحضاري، وكذلك عاداتها وتقاليدها وأعرافها ، وحياتها الاقتصادية التي شكلت جزء هام من نسيج تاريخها القديم إلا أن المؤلف في الكثير من الجوانب التاريخية للجزيرة لم يعطينا صورة أو صور واضحة عن ملامحها المتنوعة. ويبدو أن ذلك يعود إلى ندرة المراجع الذي لم تتحدث عن تلك الجزيرة والذي سماها القدامى المصريين بالأرض الطيبة ، والهنود القدامى بأرض السعادة. أسماء قديمة لقد سميت الجزيرة في التاريخ القديم بعدد من الأسماء. وربما كان مناسبا أن نورد ما ذكره محمد عبد القادر في هذا الشأن ، فيقول : " وقد وصف قدماء المصريين جزيرة سقطرى بأرض بنت ( بفتح الباء وسكون النون والتاء ) أو أرض باأنش ي أرض الله الطيبة . ووصفها الهنود القدامى فقالوا إنها أرض الهناء والسعادة. أما اليونانيون فقد حرفوا أسمها ، كما هي عادتهم في تحريف أسماء المواقع العربية التي زاروها أو سمعوا بها ، فجاءت مذكورة في سجلاتهم باس ديوسكوريدس وهي تحريف لكلمة ( سقطرى ) وهو الاسم الذي أطلقه على الجزيرة الناس الذين كونوا أول مستوطنة بشرية بها" . ويتساءل محمد عبد القادر حول معنى سقطرى ، فيقول : " ولسنا ندري ما هو اشتقاق هذا الاسم ( سقطرى ) ". حضارة سادت ثم وبادتوالحقيقة نستخلص من كلام المؤرخ محمد عبد القادر ، أن جزيرة سقطرى كانت مشهورة ومعروفة لدى الفراعنة المصريين والهنود القدامى ، واليونانيين القدامى أو بالاحرى أن جزيرة سقطرى كانت في الزمن القديم لها علا قات تجارية قوية بينها وبين الحضارات المدنية القديمة . وكان من البديهي أن يكون لجزيرة سقطرى نظام مدني راقي في مختلف نواح الحياة على غرار الحضارات القديمة التي طفت على سطح الحياة وقتئذ . وأكبر الظن أن العلاقات التجارية بينها وبين تلك الحضارات العريقة والراقية أثرت تأثيرا كبيرا في حياة سقطرى فاستقت من تلك الحضارات الكثير من نظمها السياسية ، و الاجتماعية ، والثقافية وبمعنى أدق أنه كانت هناك حضارة مزدهرة قامت على أرض جزيرة سقطرى على نفس مستوى ودرجة الحضارة الفرعونية القديمة التي قامت على ضفاف وادي النيل. ولقد بلغت شهرتها العالم القديم ــ حينذاك ــ . وهذا ما أكده محمد عبد القادر بقوله : " والشيء المؤكد أن جزيرة سقطرى لم تكن مجهولة لا في العهود القديمة ولا في العهود الوسيطة ... أنه كان لسقطرى حضور مرموق في العالم القديم وفي العالم الوسيط تدل على ذلك الأساطير التي ألصقها بالجزيرة الهنود واليونان والمصريون القدامى ، والتجار الذين كانوا يأتون إليها للتبادل التجاري بين الهند وأقطار حوض البحر المتوسط منذ القرن الثلاثين قبل الميلاد ". الحلقة المفقودةويطرح المؤرخ عبد القادر عددا من الأسئلة أو الاستفسارات حول الحلقة أو الحلقات المفقودة في تاريخ سقطرى وعلى وجه الخصوص تاريخها الموغل في القدم ، فيقول : " إن تفاصيل تاريخ آلاف السنين الغابرة عن سقطرى وأهلها قد ضاعت من على وجه البسيطة وليس هناك أمل في العثور عليها" . ويضيف قائلا : " بيد أن الحفريات الآثارية التي قد تجيء إلى سقطرى في المستقبل ربما جعلت من المستطاع ، بدرجة معقولة ، معرفة العصور التي مرت على أهل الجزيرة ومدى ما حققوا من حضارة لأنفسهم في الماضي البعيد".سكانها الأصليون؟وتحت ذلك السؤال الهام ، حاول المؤرخ محمد عبد القادر بامطرف أن يميط اللثام عنه ، ولكنه ــ على حد تعبيره ــ لم يستطيع أن يصل إلى إجابة مرضية وواضحة إليه بسبب اكتنافه للغموض والاضطراب ، ولكنه افرد أقوال عددا من الذين زاروا جزيرة سقطرى على أمل أن يعثر هو والقراء على الإجابة الشافية حول ذلك السؤال الغز. وربما كان مناسبا أن نورد ما قاله حول من هم سكان سقطرى الأصليين أو الأوائل ؟. فيقول : " لا يعرف على وجه التحقيق من كان سكان جزيرة سقطرى الأصليون ( الأصليين ) ، كما لا يعرف ما إذا كان العرب هم الذين كونوا أول مستوطنة بشرية في هذه الجزيرة " . ويمضي في حديثه قائلا : " لكننا نقرأ كتاب الرحالة الأثاري ( الأثري ) البريطاني ثيودور بنت THEO الذي زار الجزيرة عام 1898م أنه وجد نقشا سبئيا على صخرة بالقرب من بلدة قلنسية ، وأن العديد من علامات التملك التي يسمي بها أرباب الإبل في سقطرى قريبة الشبه بحروف المسند التي تلقاها اليمنيون خلفا عن سلف ،إلا أنه لم يذكر إلى أي عهد من عهود الممالك اليمنية القديمة ينتمي النقش الذي عثر عليه ". ويستنتج المؤرخ محمد عبد القادر بامطرف ، قائلا : " وبما أنه من الثابت أن اللغة السقطرية قريبة الشبه من حيث المفردات والتراكيب اللغوية باللغة المهرية ، وبلغات قبائل القرا ، والشحارة التي تسكن إقليم ظفار المجاور للإقليمين المهري والحضرمي هما المنطقتان الجنوبيتان من بلاد العرب المقابلتان لجزيرة سقطرى ... فإنه يحمل على الظن القوي أن سكان جزيرة سقطرى الأصليين جاءوا من هذه الأقاليم اليمنية ". والحقيقة لدينا هنا بعض الملاحظات عما أورده محمد عبد القادر حول سكان سقطرة الأصليين وهي كالآتي : أولا : أنه يقول في بداية حديثه بالنص : " ... كما لا يعرف ما إذا كان العرب هم الذين كونوا أول مستوطنة بشرية في هذه الجزيرة ". ونتوقف عند كلمة ( العرب ) هل يقصد الأستاذ محمد عبد القادر بكلمة العرب باليمنيين القدامى أم يقصد العرب من أبناء جزيرة العرب القريبة من جزيرة سقطرى ثانيا : أنه استعمل كلمة ( الأقاليم اليمنية ) ، وكان من الأجدر أن يستعمل عبارة ( الممالك اليمنية ) وبذلك يضع تلك التسمية في إطارها التاريخي الدقيق الذي كانت عليها في عهد حكم اليمنيين القدامى ، و " من المعروف أن المنهج العلمي يفرض على من يتعرض لكتابة التاريخ أن يلتزم بالمسميات التاريخية التي تفرض نفسها في فترات معينة "( 1 ) . ويطرح المؤرخ عبد القادر بامطرف الدلائل التي ربما تساعده على معرفة أو الوصول إلى سكان سقطرى الأصليين ، فيقوم بعمل مقارنة بين سكان سقطرى وسكان ظفار ليثبت ويؤكد أن هناك تشابه كبير في العوامل الجغرافية بين سقطرى وظفار من ناحية والعادات والتقاليد من ناحية أخرى . وربما كان مناسبا أن نورد ما قاله في ذلك الموضوع ، حيث كتب يقول : " وهناك سبب آخر يؤيد ذلك الظن القوي وهو أن إقليم ظفار الذي يشابه جزيرة سقطرى بجباله الطويلة ذوات الفنن مخروطية الأشكال ، ينتج اللبان والمر ويقطنه بادية يسكنون المفاور ويرعو المواشي و الأغنام ويقتاتون بالمر واللبن والسمن واللحم والسمك، مثلهم في ذلك مثل السقاطرة سكان السواحل والجبال ، ويلبسون لباسا شبيها بما يلبسه البدو السقاطرة ، ويحيون بعضهم بعضا بنفس الطريقة المعقدة من الملامسة بأرنبات الانوف واحتكاك صفحات الخدود". ويمضي في حديثه ، قائلا : " تلك الصلات العرقية واللغوية تجعلنا ميالين إلى الا عتقاد بأن هناك انتماء متواصلا وحميما للسقاطرة الأصليين إلى اليمن ".وكيفما كان الأمر ، فإن المؤرخ عبد القادر بامطرف طرح العديد من الدلائل الدامغة التي تؤكد أن سكان جزيرة سقطرى الأصليين والأوائل يعود أصلهم إلى المهرة القاطنين في ظفار. أول وصف مكتوبمن الكتب النادرة والقليلة التي وصفت جزيرة سقطرى في الزمن البعيد هو كتاب (( الطواف حول البحر الأرتيري )) الذي كتبه مؤلف يوناني اسكندراني مجهول في القرن الأول الميلادي ، فيقول فيه : " أن أهالي الجزيرة قليلوا العدد ويسكنون على الساحل الشمالي للجزيرة ، وأن بينهم خليطا من الهنود واليونان والعرب الذين يرتادون الجزيرة لغرض التجارة ". ويعلق المؤرخ عبد القادر بامطرف ما كتبه ذلك المؤلف اليوناني المجهول الإسم ، فيقول : " ويذكر المؤلف أن سكان الجزيرة الأصليين قوم متجانسون يقطنون المعاقل الجبلية المنعزلة عن سكان السواحل السقطرية يرعون مواشيهم في الجبال ولم يشاهدهم اليونان أو الرومان أو الهنود الوافدون على جزيرتهم ". سقطرى والمسيحية ومن القضايا التاريخية المثيرة في تاريخ سقطرى والسقطريين ، هو انتشار المسيحية فيها منذ زمن بعيد ، وهذا ما أكده الرحال الإيطالي المشهور ماركو بولوا عندما زار الجزيرة في القرن الثالث عشر الميلادي . فقد لفت نظره " أن جميع السقاطرة كانوا مسيحيين " ووصف ــ أيضا ــ الأطعمة الذي كانوا يتناولوها ، ومعاملاتهم التجارية مع الآخرين ، ويلخص المؤرخ عبد القادر بامطرف حول ما كتبه الرحال الإيطالي ماركو بولوا عن الحياة المعيشية لأهل سقطرة ، فيقول : " وأنهم ( السقاطرة ) يعيشون على اللبن والتمر واللحم والأرز ويعملون في صيد الأسماك وصيد حوت العنبر الذي كثر حول شواطئ الجزيرة كما أنهم يعملون في التجارة ".
سقطرى والثروةويمضي المؤرخ عبد القادر بامطرف في سرد تاريخ الجزيرة المختلفة الوجوه . حيث تطرق ــ كما مر بنا سابقا ــ عن سكان سقطرة الأصليين أو الأوائل وساق الكثير من الدلائل والأمثلة التي تزيل الغبار عن تلك القضية الهامة في حياة الجزيرة . ولقد حاول أن يصل إلى أقرب نقطة من الحقيقة التاريخية المتعلقة بسكانها الأصليين أو أول من وطأ من البشر تلك الجزيرة الذي مازال حتى تلك اللحظة ــ كما قلنا سابقا ــ يلفها الغموض ، ولن يتم ذلك إلا من خلال بعثات علمية يمنية وغير يمنية للبحث في أسرار الجزيرة على ضوء منهج البحث التاريخي الأكاديمي . ويبحث المؤرخ الكبير عبد القادر بامطرف في الحياة الاقتصادية للجزيرة والذي كانت في الزمن الموغل في القدم تعيش حياة اقتصادية مزدهرة بسبب سلعتها النادرة والثمينة وهي اللبان ، فقد كان المصريين القدامى يجلبون اللبان من الجزيرة ، يبدو أنها كانت بكميات كبيرة وبصورة شبه دائمة و ذلك بسبب تحنيط الموتى والذين كانوا مشهورين به في العالم القديم وقتئذ . وهذا الصدد يقول عبد القادر بامطرف : " وهناك دلائل ــ وإن كانت بسيطة ــ تدل على أن سقطرى كانت لها تجارة في اللبان أسبغت عليها قسطا من الرخاء ، هذه الدلائل تضمنها المؤلف الجغرافي الذي وضعه ديودورس الصقلي الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد ... وقال عن سقطرى إنها جزيرة تنتج من اللبان ما يكفي كل العالم ، كما تنتج المر وأعشاب الطيب الأخرى " . ويمضي في حديثه نقلا عن الجغرافي الصقلي ، بقوله : " ويقول ( أي الصقلي ) إن السقاطرة كانوا يبيعون اللبان إلى العرب في جنوب البلاد العربية ( ويقصد هنا المماليك اليمنية القديمة ) وهؤلاء ينقلونه صوب الشمال إلى مصر وسوريا وإلى كل بقاع العالم المأهولة بالسكان ". وحول الأجناس الذي عاشت في جزيرة سقطرى في القرن الأول قبل الميلاد يقول عبد القادر بامطرف ( نقلا ) عن الصقلي ـــ الذي زار الجزيرة في تلك الفترة الزمنية أو التاريخية : " ويذكر ديودورس أن أربعة أجناس من البشر يسكنون سقطرى ، وأولئك هم السكان الأصليون واليونانيون ، والهنود ، والعرب ( اليمنيون القدامى ) ، ويتحدث الصقلي باستفاضة عن حرفة أو عمل اليمنيين القدامى في الجزيرة ـــ والذي سماهم ( العرب ) ـــ بقوله : " وأن العرب يعملون رعاة مواشي وجنود وحرفيين وكهنة معابد " ويضيف عبد القادر بامطرف ، بقوله : " ويحتمل أنه كان بين أولئك السكان عدد من التجار لأن الكثير من اللبان السقطري كان يصدر إلى الخارج على يد هؤلاء ". سقطرى والأسطورة
لسنا نبالغ إذا إن غياب المعرفة التاريخية عن جزيرة سقطرى جعلت الأساطير أو الأسطورة تحوم حولها بكثافة . وكان من الطبيعي أن تحل الأسطورة محلها وبعبارة أخرى أن الأسطورة تفسر قضايا مجهولة لا يستطيع أن يفسرها التاريخ بسبب أنه لم يولد بعد . والحقيقة إن الأسطورة ليست ضربا من ضروب العبث أو ضربا في الهواء ففي جوهرها تكمن المعرفة التاريخية ، فالمعرفة التاريخية نشأت من ضلع الأسطورة وهذا ما دفع الأستاذ الدكتور قاسم عبده قاسم ،أن يفسرمعنى الأسطورة : " وإذا كان البعض يصف الأسطورة بأنها (( العلم البدائي )) ، فإنه نبغي علينا أن نؤكد من جديد أن المعرفة التاريخية قد نشأت من ضلع الأسطورة . إذ أن أحداث القصص الأسطورية تدور حول أصول الأشياء وهو ما يعني أن بذرة التاريخ التي زرعت في تربة الأسطورة قد أخذت تنمو تدريجيا وبشكل مطرد مع تزايد تحرر الكتابة التاريخية من الخيال والرمز الذي كان سمة أساسية في (( الكتابة التاريخية الأولى )) ( 2 ). ونستخلص من ذلك أن الأسطورة ولدت في الجزيرة كتعويض للمعرفة التاريخية الغير معروفة وخصوصا في الأزمنة الغابرة من حياة الجزيرة . سقطرى وطائر العنقاءولقد حامت حول الجزيرة الأساطير الكثيفة منها على سبيل المثال ، أنها كانت موطن الطائر الخرافي وهو العنقاء الذي حمل بين مخالبه السندباد وطاف به العديد من بلدان العالم . " وذكرو أن طائر ( العنقاء ) يبني عشه في سقطرى من عيدان القرفة ويفرشه بالهيل والقرنفل والزعفران، وقيل إن نوحا ــ عليه السلام ــ خاطب أبنه أن يركب معه في فلك النجاة، ولكن الابن أبى قائلا أنه سوف يعتصم من اطوفان بإحدى قمم جبال سقطرى . وذكرت الروايات الأسطورية أن الجزيرة حكمتها فتاة بارعة الجمال وكان حراسها من الثعابين الكبار أجسادهم مرصعة بالذهب والأحجار الكريمة . وقيل أن ( عرائس البحر ) في الزمن القديم الموغل في القدم كانت تظهربكثرة وبصورة شبه دائمة على شواطئ الجزيرة ، لتستريح من عناء السباحة والغوص في مياه البحر . وقيل أن في الجزيرة في الأزمنة السحيقة كانت توجد فيها أنهارا كبيرة تعيش فيها التماسيح الهائلة الأجسام والسلاحف الضخمة والأفاعي ذات الأجراس المرعبة . ويقال أن الأسكندر الأكبر المقدوني ، قد جاء إلى الجزيرة وبحث عن شجرة الصبر أو صبر سقطرى لأن أحد الحكماء الأغريق نصحه وأوصاه بالحصول عليها بسبب فائدته الجمة لصحة الإنسان. البرتغاليون في سقطرى ويفيض المؤرخ عبد القادر بامطرف في الحديث عن الغزو البرتغالي لجزيرة سقطرى . ولقد ذكر أن الغزو حدث في سنة ( 912 هـ/ 1507م) . ولقد حاولنا الحصول على معلومات ذلك الغزو البرتغالي على الجزيرة من كتاب ( روح الروح ) لصاحبه عيسى بن لطف الله شرف الدين المتوفى سنة ( 1048 هـ / 1638 م ) في أحداث سنة 912هـ ــ وأيضا ــ من كتاب (( اللطائف السنية في أخبار الممالك اليمنية )) لمؤلفه محمد بن إسماعيل الكبسي المتوفى سنة ( 1308هـ / 1890م ) في أحداث سنة 912 هـ ــ وكذلك ــ المؤرخ ابن الديبع المتوفى سنة (944 هـ / 1537 م ) ولكن مع الأسف ــ العميق ــ لم نعثر عن أحداث الغزو البرتغالي لسقطرى في كتاباتهم حيث كنا نود أن نتعرف على وجهة نظر بعض المؤرخين اليمنيين القدامى من ذلك الغزو البرتغالي ، ولكن المؤرخ عبد القادر بامطرف أستقى معلوماته عن وقائع الغزو البرتغالي على الجزيرة من مذكرات القائد الفونسو دي البوكيرك والتي ترجمت إلى الإنجليزية . وفي الحقيقة ، أن مذكرات قائد الحملة البرتغالية البوكيرك على سقطرى تعد من المراجع الهامة والأساسية وإن لم يكن أهمها على الإطلاق في تسجيل ذلك الغزو على الجزيرة وتعطينا ــ أيضا ــ وجهة نظر برتغالية من الحملة وذلك من الايجابيات وأما بخصوص السلبيات فهي ــ كما قلنا سابقا ــ تعطينا رؤية برتغالية واحدة ضيقة عن ذلك الغزو ، ومن البديهي أن تلك الرؤية ستكون منحازة لأصحابها ، ولذلك حاولنا أن نعثر على مؤلفات غير برتغالية تصور لنا روية مغايرة ، ولكن ــ كما مر بنا سابقا ــ لم نعثر عليها في المؤلفات اليمنية القديمة . وكيفما كان الأمر ، فإن قائد الحملة البرتغالية البوكيرك على الجزيرة يدون في مذكراته أن أهالي سقطرى قاوموا الحملة على الرغم من تفوقه عليهم بالأسلحة النارية الفتاكة ، وأخيرا تمكنت الحملة من بسط نفوذها على أهم المناطق في الجزيرة . ولكن يسجل في مذكراته عن خيبة الأمل التي أصابته عندما عاد مرة أخرى إلى جزيرة سقطرى ، فقد وجد جنوده الذين تركهم في الجزيرة في حالة يرثى لها ، فقد أصابتهم الملايا، وسقط الكثير منهم في شباك الموت ،مما أضطر أن ينسحب من الجزيرة والحسرة والحزن يأكلان قلبه . وقيل أن البوكيرك قائد الحملة البرتغالية لم يتحمل تلك الخسارة ، وبعد شهور قليلة أصيب بالحمى ومات . سقطرى والإنجليزوالحقيقة أن العلاقات الإنجليزية مع جزيرة سقطرى ، كانت في حالة تذبذب أي بين شد وجذب وذلك على حسب الظروف الدولية في المنطقة وتحديدا في البحر العربي والبحر الأحمر . فعندما كانت العلاقات الدولية متوترة في البحر الأحمر من جراء الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798م عملت إنجلترا على الاهتمام بالجزيرة ومراقبة ورصد كل التحركات الفرنسية العسكرية قد تعمل على احتلال الجزيرة ، ولكن الاتصال الحقيقي و الفعلي بين الإنجليز وجزيرة سقطرى كان في سنة 1833م حيث أبرم في هذا العام اتفاقية بين الحكومة الإنجليزية والسلطان ( أحمد ) على أساسها إنزال وتخزين الفحم الحجري في الجزيرة من قبل الحكومة الإنجليزية ، ولكن تلك الاتفاقية لم تخرج إلى حيز الوجود ، ويبدو أن الإنجليز وجدوا أن الظروف الدولية لا تشكل خطرا على سواحل وموانئ اليمن من قبل الفرنسيين الذين انسحبوا من مصر سنة 1803م من ناحية وجدوا أن الجزيرة غير صالح للبقاء فيها نظرا لانتشار الملاريا فيها وقتئذ من ناحية أخرى . وكيفما كان الأمر ، فإن جزيرة سقطرى مازالت في حاجة ماسة وملحة من قبل الهيئات العلمية المتمثلة بالجامعات اليمنية ومراكز البحوث العلمية لدراستها دراسة مستفيضة وعميقة من مختلف الوجوه ومنها الوجه التاريخي . فسقطرى تلك الجزيرة على الرغم أنها تتردد على ألسنة الإعلام المختلفة بصورة شبة دائمة فإن الجانب التاريخي منها ــ كما مر بنا سابقا ــ مازال يتلفع بالغموض والألغاز والضبابية . ولكنني أكاد أجزم بأن الجهات العلمية والمتمثلة بالجامعات ومراكز البحوث والدراسات اليمنية ستعمل في المنظور القريب على إصدار الأبحاث التاريخية للجزيرة من ناحية وتسليط الأضواء الكاشفة والقوية على عادات وتقاليد وأعراف أهل الجزيرة الضاربة في أعماق فجر التاريخ الإنساني من ناحية أخرى . فإن معرفة تراث وتاريخ الجزيرة سيرسم ــ دون مبالغة ــ حاضرها بصورة واضحة وجلية ومشرقة و معرفة الحاضر سيمنحنا قدرة على رسم ملامح مستقبل مشرق ومتألق لجزيرة سقطرى .الهــــوامش : محمد عبد القادر بامطرف ؛ لمحات من تاريخ جزيرة سقطرى ، الطبعة الأولى 1422هـ / 2001م ، دار حضرموت ، حضرموت ــ الجمهورية اليمنية . ( 1 ) جون بلدري ؛ ترجمة وتقديم : دكتور سيد مصطفى سالم ، العمليات البحرية البريطانية ضد اليمن ، المطبعة الفنية بالقاهرة . ( 2 ) دكتور قاسم عبده قاسم ؛ بين التاريخ والفولكلور ، الطبعة الثانية 2001م ،عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية ـ جمهورية مصر العربية .