جاء اقتراح وزارة الداخلية الكويتية في أغسطس عام 2005 بإنشاء المعهد التأسيسي للشرطة النسائية لاستقبال الراغبات في الالتحاق بجهاز الشرطة وتخريجهن برتب للعمل في جهاز الشرطة بحلول العام الدراسي (2006/2007) ليثير العديد من التساؤلات حول مدى ملاءمة طبيعة المرأة كأنثى للعمل في هذا الجهاز، وكذلك أيضًا موقف العادات والتقاليد من هذا الأمر، والهدف من وراء ذلك. لقد ظل عمل الشرطة مقتصرًا على الرجل قرونا طويلة، رغم وجود محاولات قد بذلت منذ أوائل القرن العشرين لاستخدام العنصر النسائي للعمل في الشرطة. وقد تفاوتت دول العالم في أسبقية تطبيق نظام الشرطة النسائية نظرًا للظروف المختلفة والخاصة بكل دولة على حدة؛ ففي بريطانيا ألحقت شرطة لندن عام 1916 عددًا من النساء المدربات تدريبًا خاصًا بجهازها للتعامل مع النساء والأطفال وصغار السن بصفة خاصة، وتنفيذ أوامر القبض على النساء والفتيات وتقديم القضايا الخاصة بهن إلى المحاكم، بالإضافة إلى تفتيش المتهمات ومراقبة السجينات المودعات بالمستشفيات، وإضافة إلى ذلك تشير الإحصاءات الجنائية إلى أنهن ينهضن بدور حيوي يتعلق بالبحث الجنائي، ولهن نشاط ملحوظ في معالجة الجرائم على اختلاف أنواعها وصورها حتى أصبح بعضهن ضمن الفرق والوحدات التي تضمها إدارة سكوتلنديارد كفرق الجريمة الإقليمية وفرق النجاة والقسم الخاص بما يتصل بالمسائل المتعلقة بالأمن القومي كما أثبتن كفاءتهن إلى أن وصل عدد كبير منهن إلى العمل في مجال البحث الجنائي. كما استعانت الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية القرن العشرين باختصاصات محددة في قسم الأحداث والمباحث الجنائية وقيادة دوريات الفرق، وفي التحقيقات وضبط المجرمين ومطاردة الهاربين وأعمال التنجيم والشعوذة، والتغرير بالفتيات، وتدرس المتدربات بالإضافة إلى القانون والرياضة والتدريبات العسكرية الدفاع عن النفس (كالمصارعة اليابانية والرماية) طرائق التنكر وتقمص الشخصيات والتلاؤم مع الظروف المحيطة بكل قضية. وقد شهد عام 1946 تعيين أول امرأة في الشرطة اليابانية لتعمل في المرور لملاحظة السيارات المنتظرة في غير الأماكن المخصصة لها ولمساعدة أطفال المدارس في عبور الطرق ضمانًا لسلامتهم وتعليمهم آداب المرور ونظمه في المدارس الخاصة. ويوجد الآن عدد كبير من الشرطيات في غرف عمليات النجدة في طوكيو، وفي مجال المباحث ومكافحة اللصوص في عربات القطارات. وبدورها حرصت الدول العربية منذ بداية القرن العشرين على الاستعانة بالمرأة في العمل الشرطي، وتعتبر جمهورية مصر العربية أول دولة عربية دخلت فيها المرأة أجهزة الشرطة النسائية كسجانة عام1920؛ وفي عام 1955 دخلت عمل الشرطة كباحثة تخضع لقانون العاملين المدنيين، وطور هذا النظام وألحقت بإدارة البحث الجنائي. وبدأت المملكة الأردنية الهامشية الاستعانة بالشرطة النسائية عام ..1973 رغبة في إشراك المرأة في مجال النشاط الاجتماعي. وتقوم الشرطة النسائية بأعمال التحقيق في المحافظات وتوزع على كل قسم شرطة ضابط تحقيق (رئيس قسم) وبعض ضباط الصف والجنود للقيام بأعمال كتابية، كما يقمن بالعمل بالمطارات والمرور وإدارة الجوازات. وفي منطقة الخليج تعد مملكة البحرين الدولة الرائدة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، حيث بدأت الشرطة النسائية فيها عام 1970، وانحصرت مهمتها في القضايا ذات العنصر النسائي وقضايا الأحداث والدراسات والبحوث الاجتماعية، وتقديم الرعاية الاجتماعية للمراهقين لإبعادهم عن الانحراف والتحقيق في الجرائم، وتعتبر الشرطة النسائية أحدث الأجهزة المتخصصة في الأمن العام كالتوعية الأمنية بين أفراد الأسر، وإلقاء المحاضرات والندوات وتنظيم اللقاءات والزيارات بما يخص رعاية الطفولة والأمومة، بالإضافة إلى دورها الرئيسي في التفتيش واستجواب النساء في عمليات ضبط المخدرات، والإشراف على المسجونات، والعمل ضمن الإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة وإدارة المؤسسات العقابية والإدارة العامة للتحقيقات والمباحث الجنائية، وهناك متخصصات في التحليل الكيميائي في مختبرات الطب الشرعي. وفي هذا السياق تكمن أهمية دور الشرطة النسائية في مملكة البحرين في ترسيخ دعائم الوظيفة الاجتماعية للشرطة، وقد أقامت الدولة مبنى خاصًا لقسم الشرطة النسائية، كما تم تعيين أول شرطة مرور في أغسطس 2004، وتخريج الدفعة الأولى من الدفاع المدني التابع لوزارة الداخلية في سبتمبر 2005 من المرشحات الجامعيات لرتبة وعددهن 12مرشحة كمأموريات ضبط قضائي، وقد أمضين عامًا دراسيًا كاملاً في التدريب، تلقين خلاله المناهج الدراسية والتطبيقات العملية اللازمة والضرورية للقيام بواجبات مهنتهن بكل كفاءة واقتدار، إضافة إلى الدفعة الأولى من شرطة المجتمع، التي يبلغ عدد أفرادها 190 من جميع المحافظات بينهم 151 من الذكور و39 من الإناث، وذلك بعد استكمالهم جميع التدريبات والبرامج اللازمة لمزاولة عملهن الشرطي، كما تنوي وزارة الداخلية حسب خطتها المستقبلية تدريب 500 شرطي مجتمع بواقع 100 لكل محافظة (بواقع 25 إناث و75 ذكور)، وذلك على 5 دفعات حتى استكمال العدد المطلوب في غضون نهاية عام .2006 الجدير بالذكر أن شرطة المجتمع قد وجدت لتحقيق الأمن لأفراد المجتمع المحلي، وكأداة من الأدوات الوقائية من الجريمة وتقليل هاجس الخوف منها، ويجرى حاليا إدماج العنصر النسائي في إدارة الخدمات الطبية. وفي سلطنة عمان، شاركت المرأة في العمل الشرطي منذ عام 1972، وكان دورها في البداية مقتصرًا على العمل في السجون والمطارات، ثم بدأ تدريبها تدريبًا نظاميًا في عام 1974، وأصبحت الشرطة النسائية منذ ذلك الوقت جزءًا مكملاً لدور الرجل في العمل الشرطي، وتقوم بالأعمال الإدارية والحاسب الآلي والتحريات والتحقيقات الجنائية وتعمل في إدارة الجوازات والإقامة والجمارك والسجون وأمن المطار، وقد تم تخريج واحد وأربعين فصيلاً من الشرطة النسائية، وأربع دفعات من حارسات أمن المنشآت حتى عام2005 أما دولة الإمارات العربية المتحدة فقد تولى معهد الشرطة مهمة تدريب الفتيات ممن يرغبن العمل في هذا المجال عام 1977، وقد أنشئت مدرسة الشرطة النسائية عام 1978، وتعد هذه المدرسة من أهم مراكز التدريب بالإدارة العامة للشرطة، وتاريخها مليء بما قدمته لقوة الشرطة والأمن من عناصر بشرية تؤدي دورها في مختلف مجالات العمل الأمني والشرطي، وتهدف هذه المدرسة إلى تأهيل العنصر النسائي للعمل بجهاز الشرطة وتنمية مهاراته في العلوم الشرطية والقانونية والعلوم المساعدة الأخرى، كما تقوم بعقد الدورات للضباط وضباط الصف من الشرطة النسائية في المجالات التخصصية والعامة وتأهيلهن لرتب أعلى وفق السياسة العامة لوزارة الداخلية، وتعتبر المدرسة وحدة تنظيمية تتبع إدارة التخطيط والتطوير ولها هيكل تنظيمي خاص بها منذ عام .1995 وقد بلغ عدد المنتسبات في بداية تأسيس مدرسة الشرطة 25 منتسبة في شهر يونيه عام 1979، وبلغ عدد الخريجات من الدورة رقم (12) في 21/10/1996 (54)، وارتفع العدد في مطلع الثمانينيات إلى (160)، ووصل عددهن عام 2001 إلى (20) وأكثر من (22) عام 2002، أما إدارة الدفاع المدني في مدينة كلباء في مايو عام 2002، فقد قامت بتدريب العديد منهن على مهمة إطفاء الحريق.وقد شارك في هذه الفعالية نساء من مركز التنمية الاجتماعية ومركز كلباء النسائي بهدف زيادة الوعي الاجتماعي والوقائي لديهن في موسم الأعراس والأفراح، كما بلغ عدد منتسبات الدورة الرابعة للشرطة النسائية في شرطة الشارقة عام 2004 (23) طالبة تم إلحاقهن بمختلف الإدارات والأقسام التابعة للإدارة العامة للشرطة، وكانت الخريجات قد تلقين تدريباتهن على مدى ستة أشهر بالأكاديمية ومعهد الشرطة التابع لها بالخضيرة. وفي قطر، تم تخريج (107) من المستجدات من الشرطة النسائية في يوليو 2003 وتدريبهن وإمدادهن بالمعلومات الأمنية والشرطية وتأهيلهن عسكريًا، وتعد هذه المرة الأولى التي يتم تخريج أول سرية نسائية من المتدربات بهذا العدد؛ حيث كان إقبال الفتاة على العمل الأمني في السنوات السابقة لا يتعدى (30) شرطية، ولكن في ظل التشجيع وإتاحة الفرصة والدعم تم تحقيق الإقبال الكبير من حملة الشهادة الثانوية بنسبة بلغت 40 من عدد المتقدمات بالإضافة إلى بعض الحاصلات على الشهادات الجامعية. بينما في السعودية فتح المجال أمام المرأة للعمل العسكري في عام 2004، وتعد سميحة درويش هي أول سيدة سعودية ترتدي الزي العسكري مع أربع فتيات أخريات في 25/9/2004 في قسم جوازات مدينة جدة الذي يرأسه أحد الأقسام النسائية المتنقلة في المناطق والمدن السعودية لخدمة المواطنات والمقيمات الزائرات وإنهاء كل ما يتعلق بهن. يذكر أن مدير جوازات منطقة الرياض أصدر قرارًا بتعيين السيدة فاطمة العتيبي رئيسة للقسم النسائي في جوازات الرياض، وفي 29 ديسمبر2004 تخرجت الدفعة الأولى من موظفات الأمن السعوديات في جامعة الأمير نايف العربية للعلوم الأمنية بعد حصولهن على دورات تدريبية بهدف تأهيلهن للعمل في كليات البنات، وبلغ عدد الخريجات 17 سيدة، حيث سيقمن بتأمين كليات البنات بالمملكة لمنع الاحتكاك بين البنين والبنات، ومراقبة مداخل ومخارج البنات من الكليات وإليها. ولعل اللافت للنظر مما سبق قلة أعداد الفتيات الخليجيات المنتسبات والمتخرجات في مدارس الشرطة على الرغم منإنشائها منذ سبعينيات القرن الماضي.. ويرجع البعض ذلك إلى الاعتقاد أن العمل الشرطي يتطلب جهدًا ومشقة لا تستطيع المرأة بذلهما نتيجة تكوينها البيولوجي، فضلاً عن العادات والتقاليد التي قيدت خروج المرأة للعمل بصفة عامة، والتي كانت بمثابة قوانين يجب الالتزام بها وعدم الخروج عليها بيد أن ذلك لا ينفي حرص الإرادة السياسية الخليجية منذ السبعينيات على تشجيع المرأة على الدخول في مجالات العمل كافة بما فيها سلك الشرطة للمشاركة في تدعيم مسيرة البناء والأمن والاستقرار من ناحية، وأن اشتغال المرأة في سلك الشرطة يعتبر من مظاهر الاهتمام بعملها ومؤشرًا على التغيرات التي طرأت على القناعات والمفاهيم والثقافة الخاصة بالمجتمع الخليجي من ناحية أخرى، الذي أصبح ينظر إلى وجود المرأة في سلك الشرطة كضرورة اجتماعية، لعدة أسباب، منها: 1- ان جهاز الشرطة يكفل ويحفظ النظام ويحقق الاطمئنان والرفاهية لجميع أفراد المجتمع وركيزة أساسية من ركائز المصلحة القومية العليا في أي مجتمع، حيث تقع عليه مسؤولية تحقيق الانضباط في السلوكين الفردي والجماعي وحماية الآداب العامة.2- ان المجتمعات الخليجية تخوض مواجهة حضارية مع العالم الحديث، وتضم هذه المجتمعات عمالة وافدة (رجالاً ونساء) من جنسيات عدة في كل القطاعات والتخصصات مما يترتب على وجودها آثار ثقافية واجتماعية ينتج عنها المساهمة في زيادة معدلات الجريمة والانحراف وارتكاب جرائم الاعتداء على النفس والعرض والسطو على الأموال والسرقة والنصب والتزوير والاتجار في المخدرات، وهو ما يتعارض مع قيم هذه المجتمعات وتقاليدها السائدة، وهذا ما يدعو إلى مشاركة المرأة الرجل في تحمل مسؤولية التصدي لهذه الموجات الانحرافية وتجفيف منابعها. 3- تراجع المهام التقليدية التي كانت تضطلع بها أجهزة الشرطة فيما مضى، وأصبحت لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من المهام التي تقوم بها في الوقت الحاضر؛ حيث لم تعد تلك المهام قاصرة على تحقيق الأمن بمعناه الضيق بل امتدت لتشمل تحقيق الأمن بمدلوله الواسع والشامل بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهي الأبعاد التي أصبح للمرأة دور رئيسي في تشكيلها. وبشكل عام فإنه رغم الصعاب التي اعترضت ولوج المرأة العربية عامة والخليجية خاصة مجال العمل الشرطي فإن حل هذه الإشكالية وغيرها من الإشكاليات التي تخص المرأة يتلخص في مفهوم جديد هو «القدرة على الفعل«، وهو مفهوم للحكم ليس بين امرأة وأخرى أو بين رجل وآخر، بل الأهم بين المرأة والرجل، فكما أن هناك تفاوتًا في القدرات بين النساء وبعضهن بعضا وبين الرجال وبعضهم بعضا هناك تفاوت أيضًا بين الرجل والمرأة في القدرات، فمن لديه «القدرة على الفعل« يستطيع إنجاز المهام، ويليها إثبات الكفاءة في ظل تحقيق مبدأ «المساواة في الفرص«. وهذا يفرض على المرأة الراغبة في الانضمام للشرطة اجتياز الاختبارات من مهارات بدنية وما يتصل بها من تمارين اللياقة البدنية والرياضية المختلفةالتي تتناسب والمهام المتعلقة بالعمل الشرطي، فضلاً عن المهارات التقنية من استخدام الأدوات والوسائل الفنية التي تمكنها من ممارسة عملها، وأيضا التدريب على اكتساب المهارات السلوكية، بحيث تكون قادرة على التعامل الايجابي والمتوازن مع الأطراف المعنية.
|
ومجتمع
دخول المرأة الخليجية في العمل الشرطوي مابين مطرقة ((القدرة على الفعل)) وسندان ((العادات والتقاليد))
أخبار متعلقة