الأديب أحمد مثنى وديوانه:
يعد الأديب و الكاتب والروائي والشاعر أحمد عبد الله مثنى من جيل السبعينات في الكتابة،وربما يكون قد بدأ الكتابة قبل ذلك ولكن البداية الأكثر ألقأ وتتابعاً قد بدأت بظهور مجلة ((الكلمة))التي اصدرها الدكتور محمد عبد الجبار في الحديدة مطلع السبعينات وتحديداً عام1971،وكذلك مجلة((اليمن الجديد))التي صدرت عن وزارة الثقافة أيضاً مجلة((الحكمة))مجلة اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين،والمجلات الثلاث قد صدرت في أوقات متقاربة واللافت للنظر أن كثيراًمن الادباء والكتاب والمثقفين قد سطع نجم عطائهم مع صدور هذه المجلات إضافة إلى ((الثقافة الجديدة))-عدن.ولابن المثنى كتابات متواصلة عبر مجلة ((الشرطة))،((الحراس))صنعاء وكذا((الثقافة الجديدة))التي أصدرها مع الأستاذين الجليلين محمد الربادي ومحمد الحداد والأستاذ عبد الإله البعداني والأستاذين الجليلين أحمد المقدم ومقبل حين أسسا معاً فرع اتحاد الادباء والكتاب في اللواء الأخضر في الثمانينات وفي تلك المرحلة تنامت اهتماماته بالمدارس الأدبية العالمية وقد أبدع في الكتابة حول المدرسة البنيوية حيث أعاد مراحل تأسيسها كما ذهب إلى ذلك العديد ممن أحاطوا بأدب العلامة الإمام عبد القاهر الجرجاني الذي كان باعهُ طويلاً في الإحاطة بأسرار اللغة العربية،ومفرداتها.الملمح الأهم في عطاء المثنى اهتمامه بالمفردة العامية((التهامية))تحديداً فروايته المنوه بها لا تخرج عن هذا التوجه كما أن العديد من قصائد ديوانه هي الأخرى من بئر العامية اليمنية ولعل ارتباط العميد بالحياة الشعبية واندماجه فيها في مختلف مناطق تهامة قد مكنه من استيعابها وإدراك أسرار بلاغتها ومدى ملاءمتها للتعبير عن أخيلته وصوره البديعة والرائعة. والملمح الثاني الذي لايقل أهمية هو التحرر من قيود العمود الشعري،وهو مانجده عند رواد القصيدة الغنائية الشعبية عند الفضول والمحضار وعبد الله سلام ناجي ومطهر الأرياني ونصيب وعلي بن علي صبرة وعباس الديلمي وجحاف وعشرات غيرهم.وقد مكنه أيضاً تعاطيه الدائم والمستمر مع العود بالاحتفاء بالغنائية والتركيب الغنائي لقصيدته الممزوجة بالنكهة الشعبية ذات العبق الغنائي وهي نكهة أصيلة في الأدب الشعبي اليمني منذ آماد متطاولة خصوصاً رواد الحميني:- ابن شرف الدين، والقارة، والمزاح، حنكاس، والآنسي، والعنسي وعشرات غيرهم.وقصيدته "طير أم سواحل" نموذج لهذا اللون من الغناء الشعبي الذي يستوعب المفردة العامية ويعبر عنها أجمل تعبير.ياطير يارايح لمسواحل [c1] *** [/c]سلم لي على أمطير أمنقش باتلقاه في العشاق نازل [c1] *** [/c]أو في الغدير وردة فتشووشوشة في النحر والأنامل [c1] *** [/c]وذكره بالضباب حين ارتبش والشاعر يمزج العامية بالفصحى في تركيب إبداعي رائع وتسعفه معرفته الناقدة والموسيقية في بناء ذات النفس الغنائي في الدغم.ولعل تعاطي الشاعر الناقد وسعة إطلاعه على القصيدة الحمينية المولعة بالعامية التهامية إما بسبب الريادة والأصل كما عند الحنكاس، وابن فليتة، والمزاح، والعلوي، والعيدروس، وحاتم الأهدل.أو بسبب الإقامة كما هو الحال بالنسبة لابن شرف الدين المتأثر بالمزاح أو عبدالرحمن وأحمد شرف الدين أما صاحب وادي الدور فقد عاش قضايا في زبيد ومهر في استخدام العامية التهامية،وادير ما شا ولا ديرك[c1] *** [/c]دير أمجبل والنبي قصديوقد امتد تقليد توشية الحمينية بالمفردة التهامية من جيل الرواد إلى عصرنا الحالي فالشاعر الكبير حسن عبدالله الشرفي، وعبدالرحمن جحاف، وعثمان أبو ماهر يعولون كثيراً في قصائدهم الحمينية المغناة على تطويرها بالمفردات العامية التهامية كما فعل أسلافهم من رواد الحميني اليمني.والواقع أن أتباع هذا التقليد الرائع بحاجة أحياناً إلى قاموس في نهاية القصيدة أو الديوان يوضح هذه المفردات التي تكون موغلة في محليتها وغير شائعة الاستخدام بعد تراجع اللهجات المحلية بحكم التطور العام وسيادة لغة تداول وسطى بين مختلف اللهجات اليمنية، وهو ما نلمسه في قصيدة المثنى "الطل الذي ضمه ولثمه":يا طير لمه بالفشر والبرطمة[c1] *** [/c]ونظرتك للناس تطفح بالغرورحتى السلام يا طير ما عاد تنظمه [c1] *** [/c]ولا عاد في رمشك نغمة أو سرورلمه جالس للخصام والهنجمة[c1] *** [/c]وأنته لطيف وسيد كل الطيوركنك نسيت الحلم والورود الحالمة [c1] *** [/c]كان أسال خدودك والنحوروأسأل رياح الصبا الناعمة [c1] *** [/c]ذي وزعت شمك على كل العطور والأغنية الرائعة تعتمد العامية السائدة في اليمن ومفرداتها لا تبعد عن الفصحى كما انها تعتمد الوزن والقافية وهو ما تمثله قصيدة الحميني عند الرواد في قصيدته "الجولبة" وهي القصيدة التي غناها الفنان الكبير جابر علي أحمد تلحظ أن الشاعر يرنو بعيني زرقاء اليمامة إلى المستقبل والآتي، ولا يقف عند تخوم اللحظة الصدئة والعابرة ويغني بأسى مفعم بالأمل:يا جولبة تجملي وشلي حبي وأشواقي لخليوانثري زهراً وعطراًانثريه ولا تملي ولا تنسي يا جولبة شعوب عيبانوامطيور امساجعة في رأس غمدانوروضة أحمد ما بالها حزينةوالدمع منثور على امسماه واموجانوما بال امنسيم محجوب بغيمةوكيف امهوى وامغيد بنعمانوهل مازالت هناك نجيمةوخبريني عن حال رسيانوكمان يا جولبة لا تبخليفامبن وامقات لا تهمليولا تنسي صبرومن هناك لشمسانأما قصيدة النثر فقد تعامل معها ابن المثنى في وقت مبكر حيث يرجع تاريخ قصيدة "حبيبتي والحلم الأخضر" إلى السبعينات في وقت كانت فيه قصيدة التفعيلة لا تزال محل انتقادات واسعة وعدم قبول بانضمامها إلى صف الشعر وخاصة في يمننا العزيز حيث يقول أحمد مثنى:حبيبتي يا غيثاً كان للأطفال فيه حلم الاخضرارفاتنة كانت وحين أطالتارتسمت على وجناتها أنفاس الزهر الحالمبغد تنمو فيه وتتعملق كل شجيرات البن والرياحينحبيبتي ما بال الحلم أضحى نبتاً قزماًوما بال شذاه لم يمتدليعانق منهم حلموا بالطلو«حبيبتي والحلم» تنوس بين التفعيلة وقصيدة النثر وهي أقرب للقصيدة النثرية منها للتفعيلية وهو ما أشار إليه الشاعر المثنى في مقدمته.وهناك ومضات شعرية تنتشر في ثنايا قصائد الديوان، ففي قصيدة (عاشق من أزال) لعلها من بواكير قصائد الديوان يختتم الشاعر قصيدته الطويلة نسبياً:يا شاطئ النهاريا حلماً يراود النسيميدغدغ الصغار لا نزال في انتظار أن تمرفعامر وذو يزنقد همسا لنقم وجبل ظفارسيأتي الربيعولسوف يطلع النهارفالمقطع ذو نفس غنائي عذب ونبؤه بالآتي وفي قصيدته "ليل الليل"نقرأ:وددت يا ليل أن أشكو إليكأن اهمس في أذنيك أدق باب صدرك الكبيرومثل هذه الومضات تصل تخوم ذرى الإبداع سواء في غنائيتها أو شفافية تصويرها العميق لمناجاة الشاعر.وكما هو الحال في القصيدة:قالوا ما قالوا يا ليل وتمادوا وطالوالكنا يا ليل كبرنابعد سبات طال أفقناوأفاقت معنا جذوع الكرمنفضت عنها ما زعمواوالترميز بجذوع الكرم لنفض ما زعم المعادون للحب المشككون في الإبداع غاية في الروعة وعمق الرؤية.وقصيدته "الحلم والحيرة" لون من استشراف المستقبل برؤية واعدة بالفرح:حائرة مثلي وفي عينيك نهروفي لماك خير مثل بحروتحت أهدابك رقد الحلم المنتظروالروائي الشاعر أحمد مثنى إنسان بسيط ومتواضع ويمتلك خبرة بالقراءة والحياة والناس مكنه من انتزاع أخيلته الشعرية من هذا النسيج الإنساني المتعدد والمتابع فهو يعبر عن عواطفه النبيلة بقدر من العفوية، وانسياب التداعي.فالدفق الشعوري العفوي رغم جذبه لا يساعد على تجويد الصورة والتركيب البنائي كما عند المحنكين. وحقا فإن السرعة عدوة الفن كقراءة المفكر المتعدد المواهب الجاحظ، ويظل الصفاء وعمق الرؤية وصدقها حد البداهة هي الملمح المهم في تجربة تعد بالازهى وتخرج بين الفصحى والعامية وبين قصيدة التفعيلة والنثر.إن المثنى الآتي من تجربة السبعينات يقدم صوته الخاص المميز - عبر أكثر من لون - ويمزج العامية بالفصحى ذات الجذر العميق في الشعرية اليمنية يمتد لعدة قرون وقد مهر فيه الرواد من أبن فليته والمزاح والآنسي والخفنجي والقارة وعشرات غيرهم.وقصيدة المثنى بحاجة إلى دراسة أوفى وأعمق.