[c1]خيرالله خيرالله[/c]حقق "حزب الله" نجاحاً عظيماً في لبنان. نجح في تعطيل الحياة الأقتصادية في قلب بيروت، وكأنّ تعطيل الحياة في المدينة هدف بحد ذاته في سياق سياسة واضحة المعالم تستهدف القضاء على كلّ ما هو حضاري في لبنان. المطلوب بكلّ بساطة تغطية جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما تلاها من جرائم، آخرها اغتيال الشهيد بيار أمين الجميّل الذي كان يجسّد لبنان المستقبل وقدرة شباب لبنان على استعادة وطنه والمحافظة عليه والعودة الى أرضه والعيش فيها بأمان بدل الهجرة منها.نعم، حقق "حزب الله" نجاحاً منقطع النظير بسعيه الى القضاء على الحلم اللبناني وتكريس لبنان "ساحة" للقوى الإقليمية التي سعت الى المتاجرة بالبلد وشعبه وتأكيد أن ليس في استطاعة اللبنانيين أن يحكموا أنفسهم عن طريق التوافق والديموقراطية. على العكس من ذلك، سعى الحزب الى إثبات أنّ لا بدّ باستمرار من أن يكون هناك نظام وصاية هو بالتحديد النظام السوري الذي اضطر الى الخروج عسكرياً من لبنان نتيجة اغتيال رفيق الحريري.نجح "حزب الله" في إعادة لبنان ما يزيد عن عشرين عاماً الى الخلف، الى مرحلة كانت فيها منطقة "سوليدير" التي استهدفها في تحرّكه الأخير منطقة مهجورة وخطوط تماس وخنادق بين اللبنانيين. أراد الحزب، الذي وظّف كلّ امكاناته في حربه على لبنان، تأكيد أن لا مستقبل للبلد في حال لم يكن تحت الوصاية وفي حال أصرّت الحكومة اللبنانية على المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستنظر في قضيّة اغتيال الرئيس الحريري. يفعل ذلك تأكيداً لنظرية تروّج لها دمشق تقول إن النظام السوري دفع ثمن الجريمة، كما دفع سلفاً ثمن الجرائم الأخرى التي ارتكبها في لبنان وذلك عندما نفّذ انسحاباً عسكرياً من أراضي البلد الجار. أكثر من ذلك، تقول النظرية ذاتها أن ثمن دم رفيق الحريري ليس سقوط النظام السوري ولا يمكن أن يكون كذلك...في كلّ الأحوال، يبدو واضحاً أن "حزب الله" استطاع تنفيذ جزء أساسي من الانقلاب الذي أعدّ له منذ فترة طويلة والذي بدأ بعملية الثاني عشر من تمّوز الماضي عندما أقدم على خطف جنديين إسرائيليين من خلف "الخط الأزرق" موفّراً المبررات المطلوبة لإسرائيل لشن حربها التدميرية على البلد. وما يفعله حالياً يمثّل بكل بساطة امتداداً للانقلاب الذي قضى على الموسم السياحي في الصيف ويتكفّل حالياً بالقضاء على موسم الشتاء. هل هناك إنجاز أكبر من هذا الإنجاز يخدم النظام السوري الذي لا يستطيع التخلّص من عقدة لبنان ومن عقدة بيروت المزدهرة ذات القلب النابض التي يتطلّع ألأخوة العرب وحتى الأجانب الى الإقامة فيها؟كان مطلوباً تعطيل الحياة في بيروت وإثارة النعرات والغرائز. وفي الإمكان القول أن "حزب الله" أنجز ما يريده في هذا المجال متناسياً أن الخراب الذي حلّ ببيروت لا يمكن أن يستفيد منه أي لبناني بغض النظر عن طائفته أو منطقته.تبدو نظرة الى ردود الفعل على الاعتصام الذي ينّفذه "حزب الله" في بيروت أكثر من كافية للتطلع الى المستقبل ببعض التفاؤل. في الإمكان التفاؤل، ولو بعض الشيء، بسبب الطريقة التي ردّ بها اللبنانيون على الاعتصام. قبل كلّ شيء، صمدت الحكومة الشرعية ولم ترضخ للمنطق الانقلابي. أمّا الأمر المهم الآخر فإنّه يتمثّل في التعبئة الشعبية في وجه الانقلابيين. أظهرت هذه التعبئة أن في بيروت وأن في الجبل والشمال والبقاع اكثرية اللبنانيين على استعداد للتصدي للانقلاب والانقلابيين وأن في استطاعة الحزب المسلّح الوحيد في لبنان تعطيل الحياة الاقتصادية في بيروت، وحمل آلاف الشباب من كلّ الطوائف على الهجرة، لكنّه لا يستطيع كسر إرادة اللبنانيين الرافضة لأن يكون البلد مجرّد امتداد للمحور الإيراني ـ السوري و"ساحة" له. سيدفع لبنان ومواطنوه غالياً ثمن صمودهم في وجه الذين يريدون إلغاء البلد. لكنّ النصر سيكون في النهاية الى جانبهم، لا لشيء سوى لأن قضّيتهم قضية محقة وأن منطق التاريخ معهم ومع قضيّتهم. هل انتصرت برلين الشرقية على برلين الغربية، أم حصل العكس؟ لا يمكن لقوى التخلّف الانتصار على قوى التقدم مهما طال الزمن.هناك ظلم كبير لحق بلبنان واللبنانيين. الأكيد أنّ هذا الظلم لا يمكن أن يستمرّ الى ما لا نهاية لا لشيء إلا لأن ليس في الأمكان تغطية الجريمة بجريمة أخرى. هناك خوف حقيقي من تدهور الوضع، ذلك أنّ ليس أمام "حزب الله" سوى التصعيد لتغطية الفشل الذي منيت به "غزوة بيروت". ولكن يبقى السؤال الكبير الى أيّ حدّ يمكن أن يذهب في تصعيده؟ صحيح أن لبنان المزدهر المليء بالحياة آخر همومه... ولكن هل هناك قرار دولي بإلغاء لبنان ووضعه مجدداً تحت الوصاية السورية؟ مثل هذا الأمر مستبعد ما دامت الأكثرية الساحقة من اللبنانيين لا تزال متعلّقة بثقافة الحياة... نعم نجح "حزب الله" في الانتصار على لبنان، لكن نجاحه مؤقت وذلك لسبب في غاية البساطة هو أن ثقافة الموت لم تنتصر على ثقافة الحياة، حتى في ألبانيا أنور خوجا. من يتذكّر أنور خوجا وتاريخ ألبانيا في مرحلة لم يمرّ عليها الزمن بعد! ـــــــــــــــــــــــــــــ[c1]* عن صحيفة (المستقبل) اللبنانية
أخبار متعلقة