حكاية ابو زائر
وداد البرغوثي هذا العنوان ليس تلاعبًأ بالكلمات والألفاظ، وليست فيه أية تورية أو فذلكة، ولا حكاية من الخيال. إنّه حكاية كاملة. إنّه حكاية "أبو زائر" الأسير الفلسطيني الذي لم يزره أحد منذ أربعة أعوام. إنّه حكاية أم خليل التي لا استثنائية فيها. أما الحكاية وكيف جاء هذا العنوان فأتركها لمن يرغب في القراءة.فقد عادت أم خليل من مكتب الصليب الأحمر في رام الله، كانت تحمل في حلقها غصة، وفي قلبها خيبة أمل، وفي عينيها نبعًا من الدموع، حاولت أن تمنعها من السقوط فأبت وانحدرت على خديها سيلاً حارًا لاهبًا.أم خليل هي عزيزة قرعوش من دير بلوط، وتعمل في جامعة بير زيت، وشقيقة السجين مصطفى قرعوش القابع في السجن منذ ستة عشر عامًا. ذهبت إلى الصليب الأحمر لتسأل عن تصاريح الزيارة لها ولأمها ولشقيقتها؛ لكن التصاريح رفضت بدعوى عدم وجود صلة قرابة بين المتقدمات بطلب التصريح وبين الأسير.إذًا، عادت أم خليل بخفي حنين، وبعد أن ذرفت بعضًا من الدموع الحبيسة، طلبت مني وأنا قريبة أحد السجناء في نفس السجن "بئر السبع" أن أنقل رسالةً عبر والدة قريبي الأسير إلى شقيقها "أبو زائر" مفادها أنّ التصاريح رفضت، ليدخل أخوها عامه الخامس دون أية زيارة، وقالت : إذا لم يكن قريبك يعرف اسمه ربما سيعرفه إذا قلتم له إنّ اسمه "أبو زائر".كتبت الاسم على قصاصة ورق وكتبت تحته "أبو زائر"، وأكملته بتعليق : أبو زائر الذي لا يزور ولا يُزار.وتوقف السؤال على لساني : ترى هل كان أبو زائر يدرك أنّه سيقع أسيرًا وأنّ الزيارة بالنسبة له ستكون أمنية تكاد تكون مستحيلة؟ هل كان يحس بذلك فاختار اسم "زائر" لولده، أم هي مجرد مصادفة؟ أسئلة كثيرة راودت ذهني وحبستها حتى لا تنطلق دموع أم خليل.وقصة "أبو زائر" ليست قصة نادرة أو غير عادية، ولا هي خارجة عن مألوف الأخلاقيات الإسرائيلية؛ فحينما تعييهم الحيلة أو يبدو منع أم عجوز، تتنقل على كرسي متحرك من الزيارة، أو منع طفل لاعتبارات أمنية مخلاً بمنطق الأشياء، فإنّهم لا يعدمون حجة تتمثل في "عدم وجود صلة قرابة."إنّها قصة الآلاف، إنّها القاعدة في السياسة الإسرائيلية، ولنقل في الوقاحة الإسرائيلية، وأية وقاحة أكبر من نفي صلة القرابة بين الأم زواج وغير ذلك من الوثائق.هم يحاولون أن يجدوا نسبًا وصلة قرابة بين نبي يهودي ولد قبل ألفي عام وبين مومس روسية ولدت قبل عشرين عامًا، ولا يعيقهم ذلك ويصدرون الوثائق ويرسمون هذه القرابة المزعومة على الورق وكأنّها قرابة من اللحم والدم. وربما يحفرون الأرض ليجدوا أية قطعة يدعون أنّها ذات عَلاقة بالأمر، يمنحونها الحق في العيش والعمل والإقامة، بينما ينكرون قرابة أخ من أخيه، وُلد أولهما في مطلع العام ووُلد الآخر في نهاية العام نفسه، في الغرفة ذاتها، وعلى الحصيرة ذاتها. لا صلة قرابة. ما أوقحها من حجة وما أوهاها، لا تتسع لها أية وقاحة في العالم سوى الوقاحة الإسرائيلية!