فــي أقاصـــيد نثريــــة
قراءة : نادرة عبد القدوسقال عنه الشاعر العربي سعدي يوسف أنه من الأصوات الشعرية الجديدة المهمة في تونس ، ويكفي الشاعر التونسي الشاب عادل المعيزي هذه الشهادة من أديب وشاعر كبير مخضرم هو سعدي يوسف أو من الشاعر الكبير عبد الإله الصائغ الذي قال عنه أنه مشروع شعري عربي أكيد .. والشاعر التونسي عادل المعيزي يجتهد كثيراً في رسم أحلامه بنفحات موسيقية شاعرية جميلة تنساب بعذوبة إلى آذاننا ، فتعبُر شغاف قلوبنا ونحفظها نصاً إبداعياً جميلاً يعبر عن مكنوناتنا ويحفزنا على الاعتراف بحاجتنا إلى الحرية والانطلاق نحو آفاق الحياة المثلى في وطننا العربي. «الخطاطيف» التي حملت الشاعر المعيزي «إلى ما وراء الغيوم» وتطير به في السماء التونسية البعيدة ، تحملنا كذلك ومع أحلام الشاعر تطير وتحلق في السماء البعيدة ، لكنها سماء وطنك أنت كحالم من أي بلد عربي .مجموعة شعرية تستحق القراءة : عندما أهدتني الصحفية التونسية سلمى الجلاصي ،زوجة الشاعر، مجموعته الشعرية الأخير «أقاصيد» والتي أطلق عليها «الخطاطيف تطير بي » ، كعنوان يعبر عن خلجاته ، وذلك في إحدى الفعاليات التي أقيمت في صنعاء منذ أشهر قليلة ، كنت أظنني سأقرأ طلاسم تسمى شعراً ـ لأننا كثيراً ما نقرأ نصوصاً يرى أصحابها بأنها قصائدً نثرية وهم لا يفقهون معنى ذلك ، فنجدهم يتخبطون في الوصف ويتعثرون في مسالك النحو والقواعد والبلاغة ، ويتيهون في هذيانهم فلا هو شعر ولا هو نص مفهوم ـ وجدت نفسي ، وأنا حقيقة مقلة في قراءة الشعر ، ألتهم الكلمات المنثورة في المجموعة إلتهاماً ، وفي ساعة واحدة أكملت قراءتها ، ولكني عدت مرة أخرى في اليوم التالي لأستزيد في قراءتها تمعناً ، ذلك لأن «خطاطيف» الشاعر عادل المعيزي حملتني كذلك إلى آفاق رحبة ووجدت نفسي في دائرة أحلام الشاعر ولكني من هنا أحلم في اليمن . كيف لا أحلم ولا أغني مع الشاعر وهو يقول في نثريته الشعرية «أكتوبر»:بهوائه .. أكتوبرُ العذبُ النقي بهوائه البحري يلثُمُ راحتي ويؤجّج الشوقَ الكفيفَ إلى انكسارات الكتابةِ أو إلى الذكرى إذا جاءتْ مع الأمواجِ لو شاءت طفتْ وهاهو يفسر لنا سر حبه للخطاطيف في نثريته الأخرى «لأني أحب الخطاطيف « إذ يقول: أُحبُّ المساجد والصومعاتْ وأعشقُ ذَنب القِبابْ القبابُ نهودُ النساءِ اللواتي فقدنا ! أُحبُّ الكنائس والراهبات وأعشقُ لون الغيابْ الغيابُ سوادُ الفساتينِ حزناً على ...مَلَلٍ في انتظار المسيحِ الذي ينتظرنَ ونحلق معه في حبه للربيع والأزقة وسواد الليل والسماء الملبدة بالدعاء إلى أن يصل بنا إلى تفسير حبه للخطاطيف قائلاً : أُحب النجاةَ من البحرِ لَولا قوارب موت الحروف وأعشقُ وجهكِ حينَ أرى حاجبيْكِ جَنَاحَيْنِ مِن فَرط دَهشةِ مجرى الهواءِ يحومانِ حولي لأني أرى فيهما من قديم الزمانِ بهاء الخطاطيف ولا يخفي عادل المعيزي مشاعره التي يلفها الغموض في أقاصيده التي بين ايدينا والتي حاولنا فك رموزها بعدة قراءات ، فهو يتساءل بحزن دفين وبصوت عالٍ : من أنا أمسِ ..حين عَبَرتُ إلى غَيمةٍ في يدَي مَن أنا في غَدي رُبَّما احتشَدَتْ قصةٌ دونما سبب رُبما .. الشاعر عادل المعيزي ينعش ذواكرنا ويهز مشاعرنا بمشهديات الأزمات العربية العربية والعربية الصهيونية بكلمات حزينة تؤجج فينا نار الغضب على الواقع الراهن وتدفعنا للخروج من سرادق العزاء العربي والمضي نحو الثأر لتاريخنا الذي نبكي على أطلاله : مرّة في محنة القَرن الجديد رَجع العُربُ بلا خُفّينْ والحزن شديد وسمعنا الرب الأحباب يبكون رجالاً كالنساءْ ويسترسل في التعبير عن الوجع العربي قائلاً : حافياً مات حُنَين ربما لم يَبقَ شيءُ بعده لا فرحة بالنصر لا أعناقنا تُعلى الغنيمة ربما من متحف آخر أخرجنا سواه ليظلّ الوهمُ مرفوعاً ومنصوباً ومجروراً بأرواحٍ عقيمة بيد أن الشاعر من حقه أن يحلم يحلم كغيره من الشعراء الشباب في الوطن العربي وكأي مواطن عربي يحلم بغدٍ أجمل ويؤمن بأن حلمه لا يُكذبه وأن الانتصار على الشر حتماً سيتحقق لا يُكذبني حلمي أبدأ !.. يَرسُبُ العقل في ثِقلِ الواقعيِّ ..» ويؤكد بحدس الشاعر : « أراني أطيرُ خفيفاً ، وأعلُو على سَرْوَةِ الحَيِّ أعلى مِنَ الصومعات وأعلى من المفردات وأعلى من الابتهاج وأقربَ من نشوة لا تضاهَى