عندما يعلن المبدع الاعتزال
سماء جدة ملبدة بالغيوم كل شيء هادئ .. الناس هاجدة رايقة في مواقعها ومرتاحة فقد تجاوز الزمن منتصف الليل في عقارب الساعة .. والليل أبو الأسرار يسدل ستاره على الوسائد والأحلام .صوت هاتفي الجوال يعلو .. لم التفت إلى الرقم والمتصل .. العبارة التقليدية تطلب من الطرف المتصل الاستمرار في الكلام .. نبرات صوته المعروفة تقدمه بلا استئذان .. انه صديق من الاحقاف التاريخية والخامسة (حضرموت) الأصالة والإنسانية سليل ارض اليمن أصل العروبة السعودي الانتماء والمعيشة في أفضل البقاع (مكة المكرمة) حيث أكرمه الله بالعيش والمعايشة والعمل .انه الشاعر والملحن الفنان جنيد باوزير .. وبعد السلامات والاطمئنان والسؤال عن آخر أخبار إبداعاته في سماء الوطن والشعر والفن . جاء رده محزناً وانطلق في الحديث وكأنه كان ينتظر من يسأله عن الحال ليطلق مع آهات الأنين حرقة الم واحتجاج على الحال والإحباط الذي يعيشه هذه الأيام .سلامات يافنان قلتها حتى اخفف من ردة فعله .. ولكنه استمر في الكلام وحزنت من السرد (والسالفة) والمزيد من الإيضاح وعلامات الاستفهام على الشفاه .انه يشعر بالإحباط بعد رحلة 20 عاماً مع الشعر والموسيقى والإبداع بدأت من العام 1992م مع قيام الوحدة اليمنية المباركة أمل الشعب اليمني على امتداد تاريخه بعد التشطير الظالم والاستعمار البريطاني الذي احتل الجنوب لـ 129عاماً انتهت مع ثورة 14 أكتوبر المجيدة وثورة الشعب الشريفة والاستقلال في 30 نوفمبر والإمامة والكهنوت الظالم الذي حكم الشمال بالتخلف وانزاح مع ثورة 26 سبتمبر واكتمل عنقود الفرح بالوحدة .. التي أطلقت مع قدومها وأفراحها عبقرية العطاء في أعماقه وأنطلق من خلالها في تنظيم الشعر الشعبي المرتبط بالفرح واهازيج الشعب الواحد وبألحان من التراث تحمل الأصالة الشعبية اليمنية الغنية بالألحان من البحر الى الجبل والوادي .وكان الحصاد 45 أغنية وطنية واكثر من 5 اوبريتات تغنى بها اكثر من فنان يمني من الشباب والرواد كالفنانين مع حفظ الالقاب والترتيب الهجائي (نايف عوض ، عبدالرحمن حداد، عبد الرحمن الاخفش ، محمد بيور ، احمد الحبيشي، حسين بن عثمان ، رمزي محمد حسين، علي العطاس ، يوسف البرجي ، رانيا رياض ، جميلة سعد ، عبود الخواجة ، وغيرهم) .وأعمال لاتحضرني أسماؤها كاملة وسوف اختار بالذكر بعضها من الذاكرة :(زعيم أرض السعيدة ، حب الانتماء، هادي اليمن ، أصل العروبة ، تمت لنا الدنيا ، من اجل اليمن ، مصدر عروبتنا، هنا الجزيرة ، مهد الحضارة ، صدق المشاعر ، حب الانتماء ، جنة الدنيا) .وهذا جزء من فيض ابداعته فقد فجرت الوحدة ينابيع الإبداع في العديد من المثقفين اليمنيين الشباب .. وقدر قائد الوحدة وصانعها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح حفظه الله موهبته وعطاءه فقدم له تقديراً أول وسام للوحدة وهو يفخر به ويضعه على صدره اعتزازاً ويضع في مقدمة صالون منزله العامر أمام الناس شهادة الاستحقاق .وبدلاً من أن يكون ماقدمه وماناله من تقدير من أعلى المسئولين ومنهم وزير الثقافة الأسبق الرويشان نظير ماقدم من أعمال والحان وطنية توج بها التلفزيون والإذاعة برامجهم شفيعاً لإبداعه الاهتمام جاء التقدير بصورة عكسية.. فلم تلق أعماله ذلك الزخم الكبير والاستقبال المراد رغم ماحوت من تميز وموضوعية وإبداع .فهل تتصورون أن أوبريت (حب الانتماء) الذي ضم أكثر من ثمانية مطربين بأصواتهم المعروفة والذي قدمه الفنان جنيد باوزير بلحنه الجميل وتوزيعه الرائع في القاهرة بتسجيل موسيقي راق والذي يقول في كلماتها :[c1]قالها الشعب وحدة أو تموت قالها الشعب من صعدة إلى حضرموت طول هالكون وعرضها مايساوي شبر من أرضها [/c]هل تصدقون ان هذا العمل الوطني لم يلق ذلك الاهتمام الكبير رغم توجيهات الكبار بعرضه .. فقد عرض لمرتين فقط في التلفزة اليمنية على امتداد كل هذه السنوات الأمر الذي جعل مؤلفه الشاعر الفنان جنيد باوزير يصاب بإحباط شديد ويقرر أن يعتزل الشعر والألحان مرة واحدة ويتفرغ لعمله الخاص الذي أهمله بعد أن اتجه إلى الفن وأهله .ويعلن الخبر الذي أزعجني في ذلك المساء الحزين لانقله لكم بدوري كإعلامي ولمن يهمه الأمر من المسئولين من إعلام وثقافة بلدة (اليمن) والفنانين والمثقفين والمهتمين .. فهل هذه نهاية المبدعين في يمن العطاء والتاريخ .. تجاهل ونسيان لهم وأعمالهم في الوقت الذي يتم فيه إذاعة أعمال لاتتفق والحياة الفنية اليمنية التي أصبحت عالية المستوى والأهداف بعد الوحدة واليمن الجديد والجمهوية ومن فرح يفرح (؟!).لقد أحزنني ما أسمع .. واختياري كصديق ومحب للفن والثقافة اليمنية لانقل هذا الخبر الحزين لمريديه والمحبين ومن يتابعون أعماله وإبداعاته من عشرين عاماً حتى الآن الذين سوف يستاؤون من قراره ويحزنون لحزنه .ماذا أضيف ففي عز الكلام سكت الكلام .. ولا أجد ما أقول سوى التمني أن يرجع الشاعر الفنان “جنيد باوزير” عن قراره الخطير في الاعتزال والعودة عنه .. واتخاذ الإجراءات التي تحول دون إكمال مخططه .. وان يكون الرد والمنع من خلال إعادة أعماله الغنائية الوطنية إلى الصدارة والنشر والظهور على الشاشة الفضية والإذاعة والناس .. ليقدم جديده الإبداعي بدل التوقف اللارادي .. وسلامتكم ! [c1] صحفي وناقد سعودي . عضو هيئة الصحفيين السعوديين [/c]