سعود الحارثيلا يتميز رمضان عن بقية الشهور الأخرى التي تتشكل منها السنة الهجرية من حيث عدد أيامه وحركة دقائقه وساعاته، فلا هو أقصر منها في الأيام ولا أطول منها في الزمان وإن رآه المؤمن الملتزم قصيرا فأحس بخفته فتمنى أن تصبح السنة كلها رمضان، صياما وعبادة وأخلاقا ومشاعر إيمانية صادقة، أو شعر في المقابل المقصر الكسول بثقله وطول أيامه وساعاته فأراده لو كان الأمر بيده أن يكون أقصر من ذلك بكثير، فذلك الإحساس إنما ينشأ وفقا لعمق الارتباط برمضان.وبمدى إيمان المسلم بمضامين هذا الشهر المبارك وإدراكه لمغازي وأهداف الصوم ودرجة تأثيره وتجاوبه مع الأجواء الرمضانية ورغبته أو حاجته إلى تعزيز الجوانب الروحية والإيمانية التي تلعب الشعائر الدينية دورا أساسيا في تنميتها ومنها الركن الثالث من أركان الإسلام، ويختلف رمضان عن الشهور الأخرى في الالتزام وفي العلاقة وفي المضمون وفي الأثر والنتائج، فالعلاقة بين المسلم ورمضان تقوم على قاعدة الالتزام بصيام نهاره وفق الضوابط والأسس التي حددها الإسلام والامتناع عن كل ما حرم القيام به ونهى عن إتيانه والحرص على مضاعفة أعمال الخير والعبادة وتنمية الشعور بآلام الآخر والالتزام بالمبادئ الأخلاقية في المعاملة التي تعزز الجانب الروحي وترقى بفكر المسلم وبسلوكه وأعماله المختلفة وبهذا التكامل والتوافق والتناغم تتحقق النتائج المرجوة من الصيام، النتائج في المضمون والتأثر الإيجابي في جوهر الإنسان لا في الشكل والقشرة.وما يحدث في رمضان وللأسف الشديد وكما نراه في أكثر من مشهد إنما يتجلى في اهتمام المسلم بالجوانب الشكلية والتغافل عن المضمون في الأهداف، التهافت على الأسواق قبيل دخول الشهر الفضيل بأيام وتعبئة عربات التسوق بأشكال وألوان من المواد الاستهلاكية، تخزين المواد الغذائية المختلفة، الإسراف في الطعام الذي ينتهي الكثير منه في براميل القمامة، فجعلنا من رمضان شهر أكل وطعام وتبذير لا شهر صوم وعبادة وأخلاق، التركيز على العبادات وتجاهل أعمال الخير الأخرى المرتبطة بالصدقات ومساعدة الآخرين والإحساس بآلامهم والتجاوب مع معاناتهم... يتنافس المسلمون على موائدهم الدسمة في أصناف الطعام المقدمة نوعا وكما والجودة في الطبخ، ويتراجعون منكسرين عندما تفتح أبواب الصدقات وينكفئون منهزمين في ساحة العطاء وفي فعل الخير والشعور بمعاناة إخوانهم، ويتفاخر المسلمون فيما بينهم في عدد مرات ختم القرآن الكريم وفي عدد الركعات وفي ساعات البقاء في المساجد وفي الدعاء، ولكنهم ينسون ما تضمنته الآيات القرآنية من حث على الخلق وعلى المعاملة الحسنة، وعلى الحوار المتكافئ المتوازن والموضوعي مع الآخر وإبراز صورة المسلم مشرقة مشرفة تعكس حقيقة الإسلام وتأثيره، وعلى التدبر في ملكوت الله واستلهام العبر والدروس ومن دعوة إلى إخراج زكاة المال والصدقات.. رمضان شهر مبارك حصاده، ذاك لمن أحسن العمل وقدر قيمته وأدرك المرامي والأهداف وأخذ بالمضمون والجوهر في التعاطي مع المناسبة، والعمل في رمضان وفي غير رمضان ينبغي أن يتسم بالتوازن والتكامل في إقامة الشعائر وفي إخراج الأموال التي تخفف من معاناة الناس وتعيد البسمة والتفاؤل إلى الوجوه، وفي الإحساس بآلام الآخرين والحرص على الصدقة حتى ولو بكلمة طيبة تدخل السعادة والسرور إلى القلوب، نسأل الله جلت قدرته أن يعيد هذه المناسبة على الأمة الإسلامية بالخير العميم وأن يوفقهم إلى طريق الوحدة والسداد، اللهم آمين.[c1]عن صحيفة “الوطن” العمانية[/c]
|
رمضانيات
رمضان لمن يحسن العمل
أخبار متعلقة