الطريق إلي الأمام هو عنوان تقرير لجنة بيكر - هاملتون. ومع هذا فإن التناقض الشديد بين العنوان والمحتوي شديد الوضوح. فهو يطلب من أمريكا ببساطة العودة إلي ما قبل 11 سبتمبر. ومن المؤكد أن بيكر - هاملتون لم يستمعا إلي أغنية أم كلثوم التي تقول فيها لحبيبها: عايزنا نرجع زي زمان. قول للزمان ارجع يا زمان. والتناقض يمتد إلي ما هو أبعد من العنوان والمحتوي. فالتقرير يطلب وبالنص من جورج بوش بدء هجوم سياسي جديد للتعامل مع مشاكل العراق والمنطقة قبل 31 ديسمبر الراهن. وأول ما قام به بوش بعد المناقشات الموسعة. أجل الإعلان عن أي استراتيجية أمريكية جديدة في العراق إلي العام القادم. وكأن الرئيس يريد أن يبقي صاحب الكلمة الأولي والأخيرة. ولا يخفي كراهيته للتقرير وصاحبيه. والتقرير الذي أجمع علي تأييده الحزبان الكبيران في أمريكا. يقدم لبوش 79 نصيحة أو توصية عليه الأخذ بها. ويبدو أن التدخل المدني في شؤون العراق سيصل إلي درجات غير مسبوقة. فالتقرير ينص علي أنه علي وزارة الخارجية تدريب موظفيها لتولي مهمات مدنية مرتبطة بعملية استقرار معقدة خارج السفارة.والتقرير لا يتكلم سوى عن الموقف الأمني في العراق. ويطالب بزيادة رجال المخابرات الأمريكية في أكثر من بند. ومن المؤكد أن العراق يعاني من حالة فلتان أمني. ولكن الأمن والاستقرار يرتبطان بأمور أخري. مثل توفير متطلبات الحياة من تعليم ومسكن ومواصلات واتصالات وخدمات يومية. وغياب كل هذه الأمور يهدد الأمن. ولكن مشكلة التقرير أنه يتكلم من وجهة نظر المحتل. وينظر إلي العراق باعتبارها مستعمرة وليست دولة ذات سيادة.التقرير يؤكد. أن أي أمة يمكنها ومن وجهة نظر دبلوماسية (كان لابد من القول من وجهة نظر ميكيافيلية) أن تتعامل مع خصومها وأعدائها. والحوار مع الخصوم يجب أن يتم دون شروط مسبقة. ولابد من وجود حوافز لسوريا وإيران. كما حدث ذلك بنجاح مع ليبيا. وعند الكلام عن إيران فإن التقرير يطلب ترك الموضوع النووي لمجلس الأمن. علي أنه ينبغي تكرار التعاون الإيراني الأمريكي في أفغانستان. لتطبيقه علي الحال العراقية. ثمة فجوات في التقرير. فهو لا يتكلم عن الحوافز التي قدمت لليبيا. وأيضاً لا يشرح التجربة الأمريكية الإيرانية في أفغانستان. وإياك أن تتذكر كلام بوش الصغير السابق عن محور الشر. فبوش الصغير يحاول الآن محو هذا الكلام. وليس مجرد نسيانه.ينص التقرير علي إعادة إسرائيل الجولان إلي سوريا. مع ضمانات أمريكية لأمن إسرائيل يمكن أن تضم قوة دولية علي الحدود. بما في ذلك قوات أمريكية. إذا طلب الطرفان ذلك. عند الكلام عن القضية الفلسطينية يطلب التقرير. دعم وقف إطلاق النار. ودعم حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية. وعقد مفاوضات تعالج قضايا الوضع الخاص بالحدود. والمستوطنات والقدس وحق العودة ونهاية الصراع. وفي هذا الكلام ما قد ترفضه إسرائيل. ولا تقبل حتى مجرد الكلام فيه. مثل قضية عودة الفلسطينيين. بالنسبة للوضع المتفجر في لبنان. فإن التقرير يكتفي بالنص على ضرورة إجراء مفاوضات مباشرة بين لبنان وإسرائيل بشرط الاعتراف المسبق بحق إسرائيل في الوجود. ومن أجل هذا يطلب التقرير عقد اجتماعات بين سوريا ولبنان وإسرائيل من جهة. والفلسطينيين وإسرائيل من جهة أخري. بغرض التفاوض حول السلام. كما حدث في مدريد في العام 1991م علي أن يكون التفاوض علي مسارين منفصلين. أحدهما سوري ولبناني. والآخر فلسطيني. ولا أفهم هذا الربط بين سوريا ولبنان من قبل أمريكا. التي حاربت الوجود السوري في لبنان طويلاً. وعن أفغانستان يطالب التقرير بتقديم الدعم لأفغانستان في حالة نجاح أمريكا في الانسحاب من العراق.ودعم الحكومة العراقية مرتبط بقدرتها علي إحداث تقدم. وإن فشلت فالوضع واضح. تخفيض الدعم لها. أما مصير أهل العراق لا يهتم به أحد. وينص التقرير صراحة على عودة البعثيين والقوميين العرب إلى الحياة الوطنية. مع رموز نظام صدام حسين. وكذلك عودة العراقيين من السنة والشيعة والأكراد الذين كانوا قد استبعدوا إلي الحكومة. وزيادة مشاركة قادة عن الميليشيات في العملية السياسية والتحدث إليهم وإلى مقتدى الصدر. وأن تكون الحكومة سخية في العفو عن المسلحين. لم يكن ناقصاً على التقرير سوى أن يطلب عودة صدام حسين نفسه. وهناك كلام خطير عن مراجعة الدستور العراقي. على أن تقوم به الأمم المتحدة. لخبرتها في هذا المجال. واقتسام عائدات نفط الشمال حسب السكان. والمساعدات الأمريكية للعراق ستكون خمسة بلايين دولار سنوياً. على أن تنسحب كل القوات الأمريكية من العراق بحلول سنة 2008. ما لم تحدث تطورات غير متوقعة.الجديد في تقرير هذه اللجنة هو النص بصراحة علي أنه لا تقدم في العراق وحدها. ولكن لابد من التقدم - بالمفهوم الأمريكي طبعاً - في المنطقة كلها. إن التوصيات شاملة. ومن الضروري تطبيقها بشكل منسق. ويجب عدم الفصل بينها أو تطبيق بعضها بمعزل عن الآخر. إن أهمية القوى المحركة في المنطقة بالنسبة للعراق هي بنفس مستوي أهمية القوى المحركة داخل العراق. وإن كان هذا الإدراك لهموم المنطقة وأهمية حلها. قد اتضحت هكذا في أذهان من وضعوا التقرير. فأين السودان؟! وأين الصومال من هذا التقرير؟عندما كنت أقرأ تلخيصاً للتقرير كانت صورة ميكيافيللي تملأ خيالي. يبدو أنه هو الذي يحكم واشنطن الآن. على أن أخطر ما في التقرير هو النص على التعامل مع القوات الأمريكية العائدة من العراق. إنه يتطلب إعادة تأهيلها وتثقيفها لإعادة انتشارها في أماكن أخرى من العالم. وهذا معناه أن الأمريكي لم يتعلم الدرس جيداً. وأننا سنسمع عن احتلالات أمريكية قادمة لأماكن أخرى من العالم. من يدري ربما كانت لدول عربية في نفس المنطقة. الكاوبوي الأمريكي لا يريد أن يلقي سلاحه.[c1]نقلا عن / صحيفة (الراية) القطرية [/c]
أخبار متعلقة