أضواء
نقف على حافة الهاوية، نخطو فوق خطوط حمر خطيرة. لقد اختلطت الحسابات وانقلبت الموازين ووصلنا إلى مرحلة تعتمت فيها الرؤية تماماً.أين تقف الحرية وأين هي الحدود العامة لتحكم الدين؟ من ينطق باسم الدين ومن يحكم باسمه في المجتمع؟ الأهم، أي دين سيحكم ويتحكم؟ تحت أي مذهب ومن أي منظور أو رؤية؟ وماذا لو لم يختر الإنسان النهج الديني لمسيرة حياته؟ هل يحق للغير إجباره عليه؟ الإنسان في الأديان مخير، وهذا ما يميزه عن الملائكة مثلاً المجبولة على الخير، وبالتالي ليس لها فضل في خيرها، وعليه ليس لها حسنات ولا تقع تحت طائلة الثواب والعقاب. الإنسان مخير، وعلى أساس خياره يحوز ثواباً أو يعاني عقاباً، والمسألة أعقد بالطبع من تلك الصورة المبسطة بكثير، فأحياناً يأتي الإنسان آثاماً عديدة ثم حسنة مميزة تنقذه من كل ما سبق، وهذه نظريات ثيولوجية موجودة في الأديان بمعظمها.في السماء، وعند الخالق الإنسان مخير، في الأرض وعند إسلاميي الكويت الإنسان مسير غصباً عن أنفه. عند إسلاميينا الإنسان يحصد الحسنات ولو كره، ويجتنب المعاصي (من وجهة نظرهم) ولو على قص رقبته. «مو بكيفه» الإنسان في الكويت، لا أحد يأتي معصية والجميع يمشي على الصراط، ولو أضمروا غير ما أظهروا، لم؟ لأن إسلاميينا يحملون سيوف الحق، وهم فيما يبدو وكأنهم أشد وأكثر حزماً من رب العالمين. فالله تعالى وضع نظام الثواب والعقاب على أساس حرية الإنسان في الاختيار، وهم وضعوا نظام القمع الأخلاقي على أساس أن الإنسان (أي أحد غيرهم) أحمق لا يعرف مصلحته، وبالتالي حريته «حامض على بوزه».بالأمس صوّتوا لإعادة «تشغيل» لجنة الظواهر السلبية التي ستمنعنا من إتيان تلك الظواهر، وتضعنا على الطريق القويم، وبعده قامت الدنيا ولم تقعد بسبب برنامج (ستار أكاديمي)، واليوم يقلبون الدنيا بسبب حفل خاص لمستشفى ليس له أي صفة رسمية.أستغرب - والله - ردود الفعل الصادرة وأولها رد فعل المستشفى و«التبريرات» المقدمة منهم، ليكن ما حدث في الحفل بعلم المستشفى، وليكن المشاركون من الكويتيين والأجانب وليكن هناك رقص وغناء، ما شأن النواب الإسلاميين بذلك؟ هل دخلنا بيوتهم واقتحمنا جلساتهم الخاصة لنعرف ما يدور فيها ونحاسبهم عليها؟ هل يحق لنا ذلك؟ بأي حق يحال الفندق الذي استضاف برامج (ستار أكاديمي) للجنة التصنيف لاتخاذ اللازم؟ والسؤال الأكثر إلحاحاً، ما علاقة وزارة التجارة بذلك؟ أين سيقف الجماعة وما الذي يكبح جماح هجومهم الشرس على أهل الكويت؟أود هنا أن ألفت نظر من يساند مثل هذا التوجه أن دوره قادم، فليس من الممكن أن يتفق هو والقمعيون في كل الآراء، وعندما يختلف معهم سيحين دوره، وسيشعر بمرارة التكميم، بألم الطعن في أخلاقياته وتوجهاته وآرائه، من يؤمن بالرأي الأوحد، لابد أن يأتي يوم ويطغى برأيه حتى على مؤيديه ويقمعهم، ولنا في تاريخنا العربي والإسلامي من الأمثلة ما لا يعد ولا يحصى.وبعد، في نيتي أن أقيم حفل تخرج لابني الذي أنهى المرحلة الثانوية هذه السنة، سيكون الحفل في بيتي، وسيكون الحفل مختلطاً، وستكون هناك موسيقى صاخبة، على ألا تزعج الجيران، وقد أؤدي أنا رقصة «الإحراج» كما يسميها أولادي والتي أتعمد تأديتها في كل حفل بهيج للأولاد لأحرجهم أمام أصدقائهم من باب الدعابة الأمومية، وقد أجر الأولاد والبنات ليشاركوني جنون فرحي الراقص، ولأضمهم لقلبي،ولأفرح بهم وبابتساماتهم وضحكاتهم وصخبهم واحداً واحداً، هؤلاء الصغار الذين أصبحوا جميعاً صغاري بعد السنوات العديدة التي جمعتهم بأولادي دراسياً، هل يجب أن أقلق أيها السيدات والسادة أم أذهب وأولادي لنحتفل في البحرين أو الإمارات؟ والله زمن أسود أصبحنا فيه، مثل البعض الذين انتقدناهم منذ زمن، نغادر بلدنا الذي هرم على أياديهم، لنذهب ونعيش لحظات أكثر شباباً، وأكثر تقبلاً للحياة، على أراض أكثر تراضياً مع الدنيا وأكثر رحمة ببهجة الإنسان، متى وصلنا هنا؟[c1]آخر شيء[/c]عتبي على الأربعة في مجلس الأمة الذين هم «حيلتنا» في هذه الدنيا بعدما أشاحوا بوجههم عن الكويت، كان يجب أن يكون رد فعلكم أقوى وأعنف بكثير، فالمسألة مسألة حقوق دستورية إنسانية، وإن كان لابد من كلمة ثناء واجبة في حق النائب صالح الملا الذي أعلى صوته في وجه التصويت للجنة الظواهر السلبية، شكراً لشجاعتك.أما البقية الذين صوتوا إجماعاً على لجنة الظواهر السلبية، فلا عزاء لنا بتصويتكم وبمداهناتكم للجماعات البرلمانية المرعبة، صوتوا إجماعاً مستقلين، شعبيين، شيعة وسنة على اللجنة أبعد الله عنكم العين، قلناها قبلاً، لا أدري لم يستذبح الناس لإيصال نواب شيعة أو آخرين سنة، في النهاية هم يصوتون بذات الاتجاه، على الرغم من أن ضوابطهم لا يمكن أن تتباعد أكثر، وأما النواب الآخرون، من يسمون بالمستقلين والشعبيين «فجمع مع الناس عيد»..متى يحين موعد الانتخابات الجديدة؟؟[c1]عن / صحيفة “أوان” الكويتية[/c]