أضواء
حسن بن سالم منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ميلادي تعالت العديد من الأصوات والمطالبات بأهمية إعادة النظر في المناهج الدينية التي تدرس في مدارسنا وذلك على مستوى جميع المراحل الدراسية وضرورة تنقيتها من عدد كبير من المفاهيم والمعاني التكفيرية التي احتوتها تجاه الآخرين, فأعدت في سبيل ذلك العديد من الكتابات والمقالات والأبحاث وعقد لأجل ذلك العديد من المؤتمرات واللقاءات وصدرت العديد من القرارات في ذلك السياق وصرفت المبالغ والميزانيات من اجل تطوير المناهج التعليمية لدينا, حيث أعلنت وزارة التربية والتعليم قبل سنتين استعدادها لإطلاق مشروع كبير لتطوير التعليم وحينها صرح نائب وزير التربية لصحيفة الحياة بتاريخ 9/1/2007 بأن الوزارة قد انتهت من تطوير المناهج ووصف العام الدراسي 1428- 1429هـ «بأنه المنعطف المهم في مسيرة التعليم السعودي»!ونحن الآن في العام الدراسي 1430هـ - 2009م وكما هو مفترض فإن مناهجنا التعليمية خصوصا الدينية منها قد تم الاستكمال من تطويرها وإلغاء وتعديل كافة المفاهيم والمعاني المتطرفة والمتشددة التي تضمنتها في وقت قد مضى , ولكننا وبنظرة سريعة للمواد الدينية الموجهة للنشئ واعني بهم طلاب المرحلة الابتدائية والتي يفترض منها أن تقوم بدور كبير في تلك السن المبكرة بغرس مفاهيم التسامح ومعاني المحبة للآخرين نفاجئ بأن من ابرز المفاهيم التي يُتطلب من المعلم تعليمها وتوضيحها للطالب في الصف الأول الابتدائي كما في مادة التوحيد ص28» إيضاح أن من الإسلام محبة المسلمين وبغض الكافرين» ولكل واحد منا أن يتخيل ما هي المفاهيم التي سيقوم المعلمون بإيصالها لأذهان الطلاب في تلك المرحلة من خلال تلك العبارة المتضمنة لمعاني البغض والكره لكل أحد كائنا من كان طالما أنه غير مسلم وبحسب وصف المنهج لهم «بالكافرين».فإذا كانت المدارس وهي احد أهم المحاضن التربوية تقوم بغرس مثل تلك المفاهيم في عقول أبنائنا وبناتنا وهم في تلك السن تجاه غير المسلمين وتوجب عليهم كرههم وبغضهم فكيف سينشئ ذلك الطفل وتلك الطفلة في محيطها الصغير في التعامل والنظرة تجاه غير المسلمين من عامل أو خادمة أو سائق أو غيرهم ومستقبلا مع عموم غير المسلمين او الكافرين والمشركين كما يحلو لمناهجنا تسميتهم بذلك!! وجاء في منهج التوحيد للصف الثالث الابتدائي ص12 في درس إيضاح معنى الإسلام عبارة «عدم محبة المشركين» وجاء من ضمن الأهداف المطلوب من الطالب تعلمها من الدرس «أن يذكر التلميذ بعض صور البراءة من المشركين» ولعل ابرز صور البراءة من المشركين التي يتعلمها أبناؤنا وبناتنا في مدارسنا هي أهمية عدم التشبه بهم ووجوب الهجرة من ديارهم وبيان ماهم عليه الكفار من باطل وضلال وكفر , فياترى أي إسلام هذا الذي نطمح أن ننشئ أطفالنا عليه وهو يرتكز وبشكل رئيسي في تعريفه على غرس مشاعر الكراهية والبغضاء لغير المسلمين!وجاء في منهج التوحيد للصف السادس ص 16 من ضمن درس نواقض الإسلام عبارة « محبة الكفار ومناصرتهم ومعاونتهم على المسلمين ومن يفعل ذلك فانه يكون مثلهم عدوا لله ودينه « ولعل من المفارقات الغريبة أن يطالب المنهج في احد الدروس بكراهية وبغض الكفار والمشركين وفي الوقت ذاته المطالبة بحسن التعامل معهم وهذه معادلة عجيبة ومتناقضة فمشاعر الكراهية والبغضاء لغير المسلمين السبب الوحيد لها هو مجرد اتصفاهم بصفة الكفر بغض النظر عن حال هذا الكافر فطالما أنه غير مسلم فيجب علينا كراهيته حتى لوكان يتصف بأرقى وأجمل المعاني والقيم الإنسانية , فكيف يطالب بحسن معاملته وهو يحمل تجاهه كل معاني البغضاء؟! إن مناهجنا واخص الدينية منها خصوصا في هذه المرحلة هي غنية بالطباعة الجميلة وبالألوان المتنوعة الزاهية وبالتنسيق والتنظيم الرائع ولكنها وبكل أسف لا تزال فقيرة لتكريس مفاهيم المحبة والتسامح والعطاء مع الآخرين واحترامهم وإحسان معاملتهم على وجه الحقيقة والصدق لا على صورة متناقضة كما هو الحال الآن.إننا بحاجة ماسة أن ننشئ أطفالنا على تعليم ديني تنويري يتحقق من خلاله الاتصاف بأعلى القيم الإنسانية والإيمان بحقوق الآخرين والتسامح معهم لا أن يكون تعليما هدفه من التعامل مع الآخرين وبكل اختصار كما هو الواقع مجرد البغض والكره لهم.[c1]* كاتب سعودي[/c]