الجزء الاول
أ. عبدالملك علي شرف الدين[c1]المشكلة السكانية : [/c]كان الهاجس الظاهر لدى كثير من الناس في اليمن، وربما في المنطقة العربية في المرحلة السابقة للعقد الثامن من القرن الماضي، هو الاهتمام بزيادة عدد السكان دون إدراك الانعكاسات التي ستترتب على ذلك من ضغوط على الموارد الطبيعية وتأثيرها سلباً على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسكان.ولعل الظروف السياسية المسيطرة حينها في المنطقة والنزاعات المستمرة فيها قد ساعدت وأسهمت في ترسيخ وتعزيز مفهوم النمو السكاني بدوافع المبررات السياسية، لتلك المرحلة والتي كانت نابعة من منطلق (الغلبة للكثرة).وبعد نمو الاتجاه نحو الاستقرار السياسي في عقد الثمانينات وما بعدها بدأت الإشكاليات السكانية تبرز بشكل واضح وتبرز معها التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتولدت معها الأزمات الاقتصادية والصعوبات المواكبة لها والمتمثلة في ضعف في النمو الاقتصادي وظهور اختلال في الموارد والدخول وارتفاع معدلات التضخم وانتشار ظاهرة الفقر عمّت غالبية البلدان النامية وبالذات الدول الأقل نمواً ومنها بلادنا.[c1]حجم السكان واتجاهاته :[/c]شهد حجم السكان في اليمن نمواً ملحوظاً حيث تضاعف أكثر من ثلاث مرات في مدة زمنية أقل من 50 عاماً، حيث كان عدد السكان في عام 1950 مقدرة بـ 4.3 ملايين نسمة، وارتفع إلى 15.8 مليون نسمة في العام 1994م وإلى 19.7 مليون نسمة عام 2004م.وكان معدل النمو السكاني قد شهد ارتفاعاً غير مسبوق خلال المرحلة بين منتصف الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي حيث وصل إلى 3.7 سنوياً ووضع اليمن في صفاف الدول ذات السرعة الفائقة في النمو السكاني في حين كان هذا النمو بطيئاً في المدة من 1950 - 1980م بسبب الارتفاع العالي في عدد الوفيات خلال تلك المرحلة.وتشير الإسقاطات الحديثة أن يصل حجم السكان إلى 35.3 مليون نسمة في عام 2025م على أساس فرضية الوصول إلى خصوبة 3.3 في العام نفسه.[c1]السياسة السكانية :[/c]هي عبارة عن جملةٍ من التدابير المباشرة وغير المباشرة الهادفة إلى التأثير الكمي النوعي على السلوك الديموغرافي وفي الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للسكان وفي إيجاد التوازن بين المتطلبات السكانية والتنمية المستدامة.ففي العقد الأخير من القرن الماضي ظهر اهتمام ملحوظ بالمشاكل السكانية وبدأت الحكومة تعطي هذا الموضوع حيزاً كبيراً ضمن هموم واهتمام التنمية الشاملة.ففي العام 1990م تمّ إعداد أول إستراتيجية وطنية للسكان للمدة 90 - 2000م.وفي العام التالي تمّ إقرار هذه الإستراتيجية مع الخطة التنفيذية الأولى لها (برنامج العمل السكاني 91 - 1995م وفي العام 1992م تمّ إنشاء المجلس الوطني للسكان أعقب ذلك في العالم التالي إنشاء أمانته العامة كسكرتارية فنية للمجلس تتولى تسهيل مهام المجلس وتقوم بالأعمال التخطيطية والتنسيقية للأنشطة والبرامج والمشاريع السكانية ومتابعة تنفيذ أهداف الإستراتيجية الوطنية للسكان وتقييمها.وفي العام 1996م تمّ تحديث برنامج العمل السكاني للمدة 96 - 2000م، ومع بدء هذا القرن تمّ إعداد السياسة الوطنية للسكان طويل الأجل (2001 - 2025م) لتتوافق مع الرؤية التنموية طويلة المدى (2001 - 2025م) وتحتوي الإستراتيجية الوطنية للسكان على الوثائق الآتية1 - الإشكاليات والتحديات.2 - المبادئ والأهداف والمنطلقات (2001 - 2025م).3 - برنامج العمل السكاني (2001 - 2005م).استوعبت السياسة الوطنية للسكان أهم القضايا المرتبطة بهموم المجتمع والمستجدات بالجوانب السكانية، وانعكس في برنامج عملها للمدة من 2001 - 2005م غايات مشتركة مع إستراتيجية التخفيف من الفقر 2003 - 2005م.[c1]الفقر وعَلاقته بالسكان :[/c]على الرغم من التقدم المذهل الذي شهده العالم في الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية خلال النصف الثاني من القرن الماضي، إلا أنّ ظاهرة الفقر تعتبر من المشاكل الرئيسة التي برزت بشكل ملحوظ خلال هذه المدة حيث تفاقمت وازدادت حدتها خصوصاً في العقد الماضي، ولا تزال تنمو عاماً بعد عام.والفقر وفقاً لإستراتيجية التخفيف من الفقر، يعتبر ظاهرة نتاج لمجموعة من العوامل الطبيعية والبشرية والسياسية المحلية والعوامل الخارجية التي تتضافر جميعها لتكون بيئة مواتية لانتشار الفقر وزيادة حدته.كما أنّ الفقر يعني حرمان السكان (الناس) من مستوى معيشي معين تؤثر على قدراتهم الاقتصادية (كالقدرة المعيشية والعمل المناسب)، وقدرتهم البشرية (كالتدني في المستوى التعليمي والصحي وغيرهما)، وقدرتهم السياسية (كالحقوق في التمكين والحرية والتعبير) وقدرتهم الاجتماعية والثقافية (كالحقوق في الكرامة والحماية والمكانة).لذا :فالفقر هو حالة من النقص الشديد في تلبية احتياجات السكان في جوانب الغذاء والتعليم والصحة والمسكن والتنقل وغيرها من الاحتياجات.وقد ارتبطت هذه الظاهرة في بلادنا بضعف الأداء الاقتصادي والصراعات الخارجية (حرب الخليج الثانية إقليمياً - والعولمة دولياً) والداخلية (آثار مرحلة ما بعد الوحدة وحرب 1994م وآثار برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري) التي تعرض لها الاقتصاد.الفقر والفقير وخطوط الفقر :[c1]فقر الغذاء :[/c]هو يعني القصور في الدخل لتلبية الحاجات الغذائية الأساسية وفي كل الأحوال تحتسب هذه الحاجات على أساس كلفة الحصول على السُعرات الحرارية اللازمة للفرد في اليوم الواحد.الفقر المطلق (الأعلى) :ويعني قصور الدخل عن تلبية الحاجات الغذائية وغير الغذائية من ملبس ومسكن وخدمات تعليمية وصحية ونقل.[c1]خط فقر الغذاء :[/c]وفقاً لمسح ميزانية الأسرة لعام 1998م يقع خط فقر الغذاء عند (2101) ريال للفرد في الشهر على المستوى الوطني حيث تمثل قيمة احتياج الفرد بما يعادل (2200) سُعراً حرارياً.[c1]خط الفقر المطلق (الأعلى) :[/c]يقع خط الفقر المطلق عند (3210) ريالات في الشهر.[c1]وضع الفقر في بلادنا :[/c]أجريت خلال العقد الماضي ثلاث مسوحات لتشخيص وتتبع تطور ظاهرة الفقر (عم 1992، 1998 و1999م)، إلا أنّ النتائج تظهر عدم القابلية للمقارنة لأسباب منهجية وفنية.ففي المسح الذي جرى في عام 1992م لم تتوافر فيه الأوزان المستخدمة، ولم يكن المسح شاملاً للتأثيرات الموسمية في العام 1993م في حين أنّ مسح ميزانية الأسرة للعام 1998م يعتبر الأساس لتقدير فقر الدخل وإجراء المقارنات المستقبلية اعتماداً عليه.وقد أظهرت نتائج هذا المسح أنّ 17.6 من سكان البلاد يعيشون تحت خط فقر الغذاء في حين أنّ 41.8 من السكان لا يمكنهم الحصول على كامل احتياجاتهم الغذائية وغير الغذائية (مثل المأكل والملبس والمسكن والصحة والتعليم).وتبيّن مؤشرات هذا المسح خطورة الأوضاع والمعيشة لما يقارب 6.9 ملايين نسمة، يعانون من الفقر وأبعاده المختلفة في حين أنّ أعداد أخرى تعيش حول خط الفقر، وتخشى من الانزلاق تحت الخط.كما أنّ فجوة الفقر مقدرة بما يقارب 13.2 وحدة الفقر بالغة 5.8.وتظهر بيانات هذا المسح وجود تفاوت في توزيع الدخل وتأكيداً لفجوة الفقر، وذلك لاستحواذ 10 من السكان الأعلى دخلاً على أكثر من 25 من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي. ويستحوذ 6 من السكان الأعلى دخلاً على 20 من إجمالي الإنفاق في حين يتجاوز ما ينفقه 50 من السكان الأعلى دخلاً 73 من إجمالي الإنفاق.لذا فإنّ القدرة الشرائية للشريحة الأعلى دخلاً تعادل 2.7 مرة تقريباً القدرة الشرائية للشريحة الأقل دخلاً وهو ما يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.ويمكن القول إنّ مشكلة ظاهرة الفقر وتطورها في البلاد يمكن الاستدلال عليها من خلال مؤشرات اقتصادية واجتماعية عددية دون قصر ذلك على مظاهر خطوط الفقر، فضعف الأداء الاقتصادي لمرحلة النصف الأول من التسعينات انعكس سلباً وبشكل ملحوظ ببروز مجموعة من الصعوبات الاقتصادية متمثلة في عجز الموازنة العامة، وكذا عجز ميزان المدفوعات، بالإضافة إلى التدهور في احتياط النقد الأجنبي وسعر العملة المحلية، وكذا الاختلال الإداري والتنظيمي وكان من أهم العوامل المؤثرة في النمو الاقتصادي الضعيف غياب إستراتيجية واضحة للتنمية وتضارب السياسات المطبقة وتدني الاستثمارات.خصائص الفقر [c1]وتوزيعه الجغرافي :[/c]تبيّن المؤشرات والبيانات التي ارتكزت عليها إستراتيجية التخفيف من الفقر وقوع الفقر في الغالبية العظمى من سكان الريف، ويقل عدد تواجده كلما اتجهنا نحو الحضر.وتؤكد هذه المؤشرات إلى أنّ الريف يحتضن ما يقارب 83 من الفقراء ويعاني 87 من سكانه البالغ 4/3 السكان من فقر الغذاء.ويصل عدد الفقراء ما يزيد عن 45 من سكان الريف مقابل 30.8 من إجمالي سكان الحضر.وعلى أساس ذلك يتفاوت عدد توزيع الفقراء بين الريف والحضر على مستوى المحافظات حيث يتمركز نصف الفقراء في أربع محافظات هي : تعز التي تحتضن 18.7 من إجمالي الفقراء تليها إب بما يشكل 16.2 من إجمالي الفقراء ثمّ محافظة صنعاء بما يشكل 11.9 من إجمالي الفقراء أخيراً الحديدة بما يشكل 10.2 من إجمالي الفقراء.كما تظهر المؤشرات أيضاً أنّ أعلى عدد في الفقر على مستوى سكان كل محافظة هي محافظة تعز فهي تشكل 56 من إجمالي سكان المحافظة وتليها إب بواقع 55 من سكانها، وأبين بواقع 35 من سكانها، بعد ذلك لحج بواقع 52 من سكانها، ثمّ ذمار بواقع 49 من سكانها.أما محافظات حضرموت والمهرة وشبوة فيصل إلى ما يشكل 43 من السكان في كل منها، في حين نشاهد انخفاضاً في عدد الفقراء في كل من عدن بواقع 30 من السكان فيها، وصعدة ونلاحظ تدني هذا العدد في محافظة البيضاء حيث يصل العدد إلى ما يشكل 15 من سكانها.[c1]ومن الخصائص الاقتصادية :[/c]- يرتفع عدد الفقراء وبشكل حاد كلما كبر حجم الأسرة فيصل العدد إلى ما يشكل 50 بين الأسر التي يتكون أفرادها من 10 أفراد وما فوق ويتدنى هذا العدد ليصل إلى ما يشكل 1 بين الأسر المكوّنة من فرد واحد أو اثنين.- يرتفع عدد الفقراء مع خاصية ارتفاع معدل الإعالة من الأطفال إلى البالغين من الأسرة فكلما زادت الإعالة من الأطفال ارتفع عدد الفقراء، ويقل كلما زاد العدد من البالغين، فهو يصل إلى ما يشكل 66 عندما تكون نسبة الإعالة من الأطفال إلى البالغين أكبر من أربعة وتنخفض إلى 50، بين الأسر التي تبلغ نسبة الإعالة من الأطفال إلى البالغين بين 2 إلى 3 وتتدنى إلى 35 بالنسبة للأسر التي يزيد فيها عدد الإعالة من البالغين عن الأطفال.