عواصم / متابعات ذكرت مجموعة أوكسفورد للأبحاث المختصة بقضايا التسلح في تقرير لها أعدته في منتصف فبراير الماضي ونشرته صحيفة "صنداي تليجراف" البريطانية أن أي عمل عسكري ضد إيران تشنه الولايات المتحدة أو إسرائيل، لا يمثل خيارا يمكن التفكير فيه مهما كانت الظروف ، وأضاف التقرير أن ضرب إيران عسكريا سيدفعها إلى الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وتسريع برنامجها النووي وتكثيف دعمها للمسلحين بالعراق ولحزب الله بلبنان، مشيرا إلى أن ذلك سيغذي أكثر فاكثر مشاعر الكراهية تجاه أمريكا بالعالم.وتزامن نشر هذا التقرير مع تزايد تحذيرات دول الشرق الأوسط من العواقب الوخيمة لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، والتي اكتسبت غداة نشر هذا التقرير زخما إضافيا بعد أن ظهرت في الغرب نفسه ، حيث حذر خبراء عسكريون بريطانيون من شن أي هجوم جوي على المفاعلات النووية ومؤسسات عسكرية بإيران، مؤكدين أنه سيقتل آلاف الأشخاص وسيشعل حربا طويلة الأمد بالمنطقة ، كما سيدفع طهران إلى تسريع برنامجها النووي.وجاء بالتقرير أن الهجوم الأمريكي الإسرائيلى المحتمل سيتم من خلال قصف متزامن لأكثر من 20 منشأة نووية وعسكرية، بهدف شل قدرات طهران النووية والدفاعية وهو ما من شأنه إزهاق أرواح آلاف البشر ، وأشارت صحيفة "صنداي تليجراف" إلى أن التحذير جاء بعد أن تسربت تقارير من داخل وزارة الدفاع الأمريكية مؤخرا تكشف أن خبراء استراتيجيين أمريكيين يعكفون حاليا على وضع خطط لشن هجوم على إيران ليكون السبيل الأخير لثنيها عن سعيها لامتلاك سلاح نووي ، وأضافت الصحيفة أن التقارير المسربة تظهر أن القيادة الأمريكية والمخططين الإستراتيجيين حددوا أهدافا معينة وهم يعملون على المسائل اللوجستية بهدف شن عملية عسكرية . ويرى مراقبون أن أزمة البرنامج النووى الإيرانى دخلت منعطفا خطيرا جديدا بعد موافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على إحالة ملف إيران لمجلس الأمن وبعد تردد إيران في قبول مقترح روسي بنقل تخصيب اليورانيوم إلى روسيا ، محذرين من أن إسرائيل ، التي تدعو باستمرار لضرب المنشآت النووية الإيرانية ، لن تفوت هذه الفرصة ، مشيرين الى أن إسرائيل وبدعم أمريكى قد تشن هجوما بالصواريخ على إيران في الربيع ، بعد تزايد الدعوات داخل إسرائيل إلى توجيه ضربة "قاضية" لإيران وتدمير مفاعلها النووي بشكل كامل.ويعيد هؤلاء المراقبون الى الأذهان اختلافات المواقف بين كوريا الشمالية وإيران ، حيث أن بيونج يانج تنطلق فى تشددها من امتلاكها أسلحة نووية فعلا وهو الأمر الذى تعرفه واشنطن جيدا ولذلك تحرص على عدم تصعيد التوتر في شبه الجزيرة الكورية ، كما أن جيران بيونج يانج يرفضون فرض عقوبات عليها ويفضلون الحل السلمى لتلك المشكلة خوفا من اندلاع حرب نووية ، وهو الأمر الذى تفتقده إيران التى لا تمتلك أسلحة نووية حتى الآن وتضغط دول فى الشرق الأوسط لاجبارها على التخلى عن طموحاتها النووية وخاصة إسرائيل، وبالتالى فإن أى تهديد يصدر عنها لن يصبح بقوة نظيره الكورى الشمالى . ووفقا لتلك الرؤية ، فإن مجرد بدء إيران برنامجا لتطوير أسلحة نووية، أو الاعتقاد بذلك، كاف لحث دول أخرى على السعي لتطوير أسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل أخرى لمعادلة توازن الردع النووى وأنه ربما تكون إيران ذاتها قد سعت إلى امتلاك برنامجا للأسلحة النووية لتحييد برامج مماثلة كان يعتقد أنها قيد التطوير فى العراق المجاور وفى إسرائيل، ولذلك فإن الغرب لن يقف مكتوف الأيدى أمام المعضلة الإيرانية خاصة وأنه توجد دول فى المنطقة تعتبرها واشنطن معادية لها لأنها لاتسير فى فلك السياسة الأمريكية.وفى مواجهة الرؤية السابقة ، حذر مراقبون آخرون من عواقب كارثية في حال توجيه ضربة عسكرية غربية ضد إيران وأن إيران قد تنتقم باستهداف قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية فى العراق ، ما يوسع نطاق الحرب .وأوضح المراقبون أن قضية إيران مختلفة عما حصل مع العراق عام 1981 حين وجهت إسرائيل ضربة إلى المفاعل النووى العراقى ، حيث أن ذلك المفاعل كان هدفا واحدا فقط، فى حين أن البرنامج النووى الإيراني ممتد على أهداف متعددة ، مستبعدين أن تقرر الوكالة الدولية للطاقة الذرية إحالة الملف الإيرانى إلى مجلس الأمن،وقيامها بتوجيه تحذير شديد اللهجة إلى طهران يطلب منها العودة إلى تعليق نشاطاتها الحساسة .وأضاف المراقبون أن إقناع أعضاء الوكالة الدولية ومجلس الأمن بفرض عقوبات على إيران قد يكون أمرا غير سهل لأنه لايتوافر دليل على النوايا العسكرية الإيرانية ولا الخطر الذى قد تشكله تلك النوايا،واستشهدوا بتقرير استخباراتى أمريكى صدر مؤخرا أشار إلى أن إيران لن تتمكن من الحصول على أسلحة نووية قبل عشر سنوات ، ويدعم موقف إيران المتشدد، النهج الذى تسير عليه علاقات الولايات المتحدة مع دول تمتلك أسلحة نووية،حيث تساءلت إيران مرارا لماذا الولايات المتحدة مستعدة لتحسين علاقاتها مع بلدان أخرى، مثل الهند وباكستان، وهما البلدان اللذان حازا على أسلحة نووية ضاربين عرض الحائط بالضمانات الدولية، بينما تعامل إيران كبلد منبوذ رغم التزامها بعدم تطوير أسلحة نووية. وتبقى أيضا ترسانة إسرائيل النووية التى لاتخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية،نقطة فى صالح إيران نظرا لما تشكله تلك الترسانة من خطر لشعوب الشرق الأوسط ، وما تتطلبه من وجود رادع نووى،فيما يصفه المراقبون بسياسة " توازن الرعب النووى". وفى النهاية ، طرح البعض سيناريوهات لمستقبل العلاقات بين الغرب وإيران، منها أن تقدم أوروبا المزيد من الحوافز لإيران لمنع تفاقم الأزمة ومنع واشنطن من امتلاك بوقا دعائيا مفاده أن أوروبا لاتستطيع حل أى من الأزمات الدولية دون الرجوع إليها والحصول على مباركتها، أو أن تعرف إيران أن اتباع نهج التشدد للحصول على أكبر مكاسب ممكنة، قد تسبب لها نتائج كارثية وتفقد من خلالها المزايا التى كان يمكن أن تحصل عليها لو اتبعت سياسة التفاوض .ومن السيناريوهات أيضا أن تسلك إيران منحى كوريا الشمالية الذي انتهجته في يناير 2004 بالانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووى، في ظل غياب أى تنازلات جديدة جوهرية من جانب الاتحاد الأوروبي وبعد طرح ملفها النووى على مجلس الأمن ، وبالتالي تصبح إيران غير ملزمة بالإعلان عن منشآتها النووية أوالسماح لمفتشين تابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارتها ، الأمر الذى يدخل أزمة الملف النووى الإيرانى فى نفق مظلم لايعرف مخاطره إلا الله سبحانه وتعالى.[c1] بداية الأزمة [/c] بدأت الأزمة مع بدء العمل في أول مفاعل إيراني في بوشهر فى سبتمبر 2002 ومع نشر صور التقطت بالأقمار الصناعية لموقعين يشتبه فى تطويرهما أسلحة نووية فى مدينتى آراك وناتانز، ما دفع الاتحاد الأوروبى للتحرك وأخذ زمام المبادرة لحل الأزمة سلميا وتجنب اندلاع حرب جديدة في المنطقة ، وتم في نوفمبر 2003 توقيع اتفاق بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيران وافقت طهران بموجبه على تجميد عمليات تخصيب اليورانيوم وعلى عمليات تفتيش أشد على منشآتها النووية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وجمدت إيران بالفعل عمليات التخصيب وفقا لاتفاق باريس الذى وقع في أكتوبر 2004 بين إيران والترويكا الأوروبية والذى التزمت طهران بمقتضاه بتعليق التخصيب فى انتظار مقترحات أوروبية تشجيعية ، إلا أنه فى عام 2005 تصاعدت الأزمة بين إيران والغرب بشكل خطير يخشى المراقبون أن يؤدى فى النهاية إلى فرض عقوبات دولية على طهران خاصة وأن إيران يحكمها الآن المحافظون المتشددون، كما أن أمريكا تبحث عن أى خطر جديد وإن كان واهيا لحشد الرأى العام فى الولايات المتحدة حول سياسات إدارة بوش بعد أن غرقت فى المستنقع العراقى. وتصاعدت الخلافات بشدة بين إيران والغرب مع استئناف طهران فى الثامن من أغسطس 2005 دورة تحويل الوقود النووى فى منشأة أصفهان بعد أن علقت فى نوفمبر 2004 ، وجاء هذا القرار بعد أن وصفت إيران التشجيعات الاقتصادية والتجارية،التى قدمتها أوروبا فى الخامس من أغسطس 2005 والتى تتضمن السماح لها بتطوير منشآت نووية لأغراض مدنية،وضمان حصولها على مصادر بديلة للوقود النووى من أوروبا وروسيا، بأنها غير ذات شأن،مؤكدة أنها استأنفت تحويل الوقود النووى وليس تخصيب اليورانيوم،الذى يمكن استخدامه فى صناعة قنبلة نووية. ولم تكتف إيران بهذه الخطوة بل أرفقتها بخطوة أخرى أثارت غضب الغرب وهى قيام الرئيس أحمدى نجاد بتعيين علي لارجاني،مدير هيئة الإذاعة والتلفزيون سابقا،مسئولا عن الملف النووى في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، ليخرج الملف من يد حسن روحاني الذي طالما نظر إليه الأوروبيون على أنه معتدل والذى قاد المفاوضات منذ 2003، ليصبح فى يد لارجانى المعروف بقربه من مرشد الثورة الإيرانية على خامنئي وبتشدده فى الملف النووى ورغم الجهود التى بذلتها ما أطلق عليها ترويكا الاتحاد الأوروبى المؤلفة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وحكومة الرئيس الإيرانى الاصلاحى المنتهية ولايته محمد خاتمى لنزع فتيل الأزمة التى تصاعدت حول البرنامج النووى الإيرانى، وصل الجانبان مع تولى المحافظ محمود أحمدى نجاد مقاليد السلطة فى إيران فى بداية شهر أغسطس إلى مرحلة الصدام والاتهامات المتبادلة ، وفي اجتماعها السنوى في فيينا ، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى 24 سبتمبر 2005 قرارا يهدد بإحالة ملف إيران لمجلس الأمن الدولى .وفي 9 يناير 2006 م أعلنت إيران عن استئناف أبحاثها حول الوقود النووى وإزالة الأختام التى وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مراكز البحث النووية فى مدينة ناتانز قبل عامين ، رغم دعوة المجتمع الدولى لها بالامتناع عن ذلك ، الأمر الذى دفع ترويكا الاتحاد الأوروبى للمطالبة بعقد اجتماع طارىء للوكالة الدولية للطاقة الذرية في 2 فبراير لبحث إحالة ملف إيران لمجلس الأمن رغم أنه كان مقررا أن يبحث مجلس الأمن ملف إيران في مارس 2006م. [c1]البرنامج النووى ضرورة ملحة [/c]تصر إيران على امتلاك برنامجا نوويا وتؤكد أنه يهدف إلى توليد الطاقة لأغراض سلمية، وتنفى بشدة المزاعم الأمريكية والإسرائيلية حول سعيها لامتلاك قنبلة نووية ، وحذرت إيران أكثر من مرة من أنها ستستأنف نشاطاتها النووية المجمّدة وستوقف عمليات التفتيش المفاجئة التي تستهدف منشآتها النووية إذا أحيل ملفها الى مجلس الأمن. وينص البروتوكول الإضافي لمعاهدة منع الانتشار النووى الذي تلتزم به إيران على السماح للمفتشين التابعين للأمم المتحدة بالوصول الى المواقع النووية الإيرانية في الوقت الذي يرغبون به وبشكل مفاجئ. وتعهد الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد إثر فوزه فى الانتخابات الرئاسية التى أجريت فى يونيو 2005 بأن حكومته سوف تتبنى إجراءات جديدة فى سياستها الخارجية والنووية ، منتقدا المفاوضين بحكومة سلفه خاتمى لإخفاقهم فى الإمساك بزمام المبادرة فى محادثاتهم مع الأوروبيين ، ويشير مراقبون فى هذا الشأن إلى أن التيار المحافظ فى إيران وقف بقوة خلف مرشحه نجاد فى انتخابات الرئاسة لايصال رسالة للغرب مفادها أن عصر المهادنة قد انتهى وأن إيران ستسلك نهجا متشددا بشأن الملف النووى، خاصة فى ظل ضعف المزايا التى تقدمها أوروبا لبلادهم للتخلى عن برنامجها النووى .وأوضح المراقبون أنه ساعد إيران على اعتماد نبرة التشدد،مايلمسه الإيرانيون من محاولة أمريكا استرضاء كوريا الشمالية بأى شكل للتخلى هى الأخرى عن برنامجها النووى وتقديمها التنازل تلو الآخر لبيونج يانج،فى الوقت الذى ترفض فيه كوريا الشمالية تقديم أية تنازلات وتتمسك بتطوير ترسانتها من الأسلحة النووية، مؤكدين أن الغرب وعلى رأسه أمريكا هو الذى بارك امتلاك إيران برنامجا نوويا في عهد امبراطور إيران محمد رضا بهلوى الذي كان مواليا له ، وذلك قبل قيام الثورة الإسلامية وما تبعها من ظهور العداء بين الجانبين.
أزمة البرنامج النووى الإيرانى .. إلى أين ؟
أخبار متعلقة