عبدالقوي الأشولعند متابعة سيرة حياة الشاعر أبي القاسم الشابي نجد اهتماماً منصباً على تعليم اللغة العربية منذ الصبا إذ التحق شاعرنا في طفولته الباكرة بمدرسة تحفيظ القرآن وأمكنه حفظ القرآن من ثم شجع ذلك والده على تلقينه مبادئ علوم العربية والعلوم الدينية، ويعود الفضل لوالده الأزهري في تلقينه تلك العلوم فضلاًعن توجيه اهتمامات ابنه لبعض القراءة التي كان يرى فيها تدعيماً لموهبة الابن ليس ذلك فحسب بقدر ما توجه الشابي بعد ذلك إلى جامعة الزيتونة “بتونس” وبعد تسعة أعوام من الدراسة أخذت اهتمامات شاعرنا تبدو جلية بالقراءات الشعرية ما جعله يكتب الشعر وهو لم يكمل الخامسة عشر من العمر ثم تجلت لديه موهبة التأمل العميق في الحياة وناسها والكون ومعجزات الخالق المبثوثة في جمالياته المدهشة. وأكثر ما يقال عنه إن لديه نزعة صوفية معتبراً إياها مقدسة بل هي روح هذا العالم من هنا كانت قصائده ممعنة في التأملات الروحية نشوة بدت جليلة في أشعاره بما اكتسبت من قوة تارة على هيئة تساؤلات وحيناً تتظمن تساؤلاته في ما يراه هو الصواب وظل يقدم هذا النمط الشعري الفريد الرصين باقتدار تام ولغة شعرية مخملية تستمد من الوجود محاسنه وإعجازا ته وسألت الليل والليل كئيب ورهيب[c1] *** [/c]شاخصاً بالليل والليل جميل وغريبأترى أنشودة الرعد أنيناً وحنيناً[c1] *** [/c]رنمتها بخشوع مهجة الكون الحزينأم هي القوة تسعى باعتساف واصطخاب[c1] *** [/c]يتراءى في ثنايا* صوتها روح العذابإذ نجد في خضم تجربته الشعرية قدراً من التكامل الرائع بل يغوص عميقاً في ثنايا الصورة الجمالية بيستشف الجمال المعنوي أكثر من هيئة وصورة الجمال الظاهر في الشكل فهو عندما ينظر إلى امرأة فاتنة حسناء المظهر يتجاوز ملامح العيون وسحر البيئة إلى جمال الروح وهو مبعث الإحساس والنشوة والوصف إذ يقول ما فائدة الحسن والفتنة في جسم مظلم الروح معتم السريرة.وقلوب وضيئة كنجوم الليـــل[c1] *** [/c]ضواعه كغصــــن الورودأم ظلام كأنـه قطــع الليـــــل[c1] *** [/c]وهــو يشيب رأس الولـيـدوخضم يموج بالإثم والمنكــرر[c1] *** [/c]والشـــر والظـــلام المديـدإنه يبحث عن ما وراء الفتنة الجسدية المثيرة، عن النفوس التي تشرق بالجمال.غير باق في الكون إلا جمال الروح [c1] *** [/c]غصناً على الزمان الأبيدإلا إن صلوات في هيكل الحب تبدو أكثر من رائعة في تجسيد فلسفته الشعرية وإظهار قدر ملكته الشعرية التي نضجت وهو في شرخ الشباب ولكنها ذهبت مع روحه إلى ملكوت الرحمن في سن مبكرة إلاَّ أن إرث الشاعر بدا أقوى على الصمود والبقاء ومبرراً باهتمامات النقاد والباحثين.عذبة أنت كالطفولة كالأحلام[c1] *** [/c]كاللحن كالصبــاح الجديــــــدفكم أستوقفت هذه الرائعة الشعرية محبي الأدب الشعري وذواقته إنها وبحق لوحة ناطقة بقدر هائل من الجمال مجسدة له بعناية ودقة وإقتدار وبنفس شعري أصيل وعميق منزع بشفافية الإحساس ثم إنه في روائعه الشعرية الأخرى يبدو في تفاوت مستوياتها كمن لديه كنوز من معادن نفيسة لا يستطيع أن يشير إلى أي منها أكثر نقاوة ودقة وأثمن مكانة لأنها بمجموعها منحوته من معادن صخور صلدة نفيسة ومن مناجم رائعة كهرباء الغرام في الأعين النجل[c1] *** [/c]وتيـارهـــا يســلك الجفـــــونيرســل الحـظ للقلوب كنــــــوزا[c1] *** [/c]فـإذا مسهـــا فنــار المنـــــونفــإذا ما انجلى نقــاب الأمانـــي[c1] *** [/c]صار صبا مـدلهــاذا فنـــــونيقــرع السن حرقـــة وابتهــــالا[c1] *** [/c]ويصير الحبور ليــل شجــــوننسمة هبت على ضوء القمــــر[c1] *** [/c]نفخت في ناي أحزانه الخلــــدضاق صدري من جواها واستعر[c1] *** [/c]وأرق الوجـــد أســـار الجلـــــدكيف لي بالصبر والصبر اندثر[c1] *** [/c]تحت أقدام الجوى لمـا اتقـــدفي حين نجده في صور شعرية أخرى محاطاً بالظلام الكثيف وربما قدر من التوجس والتشاؤم والشعور بأن الحياة لا تمنح المرء فرصة تجاوز عقباتها ومفاجآتها غير السارة إلاَّ أن المثير حقاً هي قدرته على تجاوز هذا الظلام الكثيف وتلك العدمية المطلقة إلى مساحة تبدو فيها نفسه وروحه أكثر إشراقاً وجمالاً.
أخبار متعلقة