أفكار
لكم تدمى قلوبنا ونحن نودع عاما ونستقبل جديدا بينما رائحة الدم المسفوح في غزة تنتشر في الأجواء، والأحوال لا تبشر بالخير مع عام وليد.. الأهم دعونا الآن عن المسؤول واللوم لمن المسؤول عن ماذا ولنطرح »السبب« الأصيل فيما يجري ولا نستغرق في »النتائج« والتفاصيل...ولنكن واضحين فإننا بحاجة إلي من يصارح الرئيس المنتخب أوباما بالحقائق الماثلة الآن على الأرض في فلسطين، فنحن لا نتوقع ولا نثق في أن يطلعه عليه فريقه المختار... يجب أن يعلم بالحقائق التالية و« من الآخر»:لقد ثبت عملياً أن جميع الساسة الإسرائيليين، من كل الأحزاب، لا يؤمنون ولا يعملون واقعيا لإيجاد حل للصراع القائم علي أساس إقامة دولة للفلسطينيين.. بمعنى دولة متكاملة بالنحو المفهوم... الحقائق على الأرض تشهد بأن عام 1993 وقت أن وضع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات «الذي اغتالوه» يده في يد اسحق رابين «الذي اغتالوه» هو الآخر، وبدأ ما سمي بعملية السلام كان عدد سكان المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة قد بلغ 109 آلاف مستوطن.. والآن بعد خمسة عشر عاما من بدء المسماة بعملية السلام أصبح عدد المستوطنين 275 ألفا...»!!« أما القدس العربية أو الشرقية فيحيط بها اليوم حلقة من المستوطنات الإسرائيلية... أي المنطلق الوحيد الذي يمكن أن يقوم عليه حل نهائي للصراع القائم، وهو إقامة دولة فلسطينية متماسكة على الأرض تحول علي أيدي إسرائيل إلي ما يشبه المستحيل.. سياسة «تهويد» منتظمة تمارسها الحكومات الإسرائيلية تباعا في الضفة الغربية المحتلة ومنذ بدء عملية السلام هذه وحتى الآن... إذن مادامت لم تنسحب من الضفة فهي ماضية تزاول المزيد من اختلاس الأرض الفلسطينية وهذه هي العلة وليست في حماس ولا في الصواريخ الخايبة التي تطلقها حماس... فكيف نلوم الفلسطينيين عندما يغلي أتون الغضب ومشاعر الإحباط هم أو غيرهم من الشعوب حقهم شرعا وقانونا أن يعبروا عن المعاناة ويضربوا الطغاة بأي ما تصل إليه أيديهم، طوبة كانت أم صاروخاً خايباً اقرب إلي «زلطة» في سوق السلاح... ألعاب نارية يلهو بها الأطفال مقابل الحصار والتجويع والتشريد وطائرات إف 16 التي تقذفهم بوابل الدمار!إنما لابد هنا أن يخطر تساؤل منطقي: لماذا تضرب إسرائيل في هذا التوقيت تحديدا وتفجر الموقف بهذا النحو الآن وتدعي أنها تدافع عن مواطنيها؟ يقال إنها حسبة «انتخابية» لدي الإسرائيليين. ويقال أيضا لتدمير حماس وهذا هو الأرجح إنما هذا يعني أن إسرائيل لم تستوعب الدرس بعد، فكلما حاولت أن تدمر عدوها فهي في واقع الأمر تقوية وأقرب مثال هو حزب الله في لبنان... أما هذه المجزرة وما قد تجره من تداعيات فقد دفعت بالقضية الفلسطينية إلي أعلى قائمة الأولويات لدي الرئيس المنتخب الجديد، أي بالضرورة فتحت أمام أوباما الباب علي وسعه ليمارس «التغيير» الذي قامت عليه «دعامة» حملته الانتخابية..وهذا هو التحدي الأكبر أمام أوباما وليس الأزمة المالية الاقتصادية التي تتعرض لها الولايات المتحدة لأن عقول الخبراء والمتخصصين من الاقتصاديين سيضعون أمامه الحلول... أما التحدي الحقيقي أمام الرئيس المنتخب فهو هذه المنطقة المعضلة... فأن تكون أمريكا صديقة لإسرائيل وهذه حليفة لها هو شيء، وأن تتركها مطلقة اليدين بهذا النحو شيء آخر، والمنتظر من أوباما إثبات أن واشنطن تستطيع أن تواجه حليفتها بالعلة الحقيقية. وهي أنها أي إسرائيل هي السبب الأصلي في كل ما تجره الأحداث الحالية من تداعيات... الاحتلال والتوسع ببناء المستوطنات واختلاس الأرض هو السبب والعلة وكل ما عدا ذلك من قبيل »النتائج«! من هنا بدء حل العقدة الأساسية التي تراكمت فوقها باقي الصراعات في المنطقة كلها وأساسها وجذرها القضية الفلسطينية والأسلوب الأمريكي إزاء هذا الصراع.فكيف تتصرف الإدارة الجديدة في عهد التغيير إزاء نوازع التوسع الإسرائيلي وأعوام التغاضي عما يجري علي الأرض وكيف يعيد التوازن ولو بنحو ما إلي الوساطة الأمريكية التي كانت علي عهد الرئيس الأسبق كارتر وإلي حد ما علي عهد كلينتون... هل يتمكن الرئيس المنتخب أوباما أن يحقق ما لم تتمكن الإدارة السابقة من تحقيقه أو ما لم يريدوا تحقيقه؟...لو لم يفعل وترك الأمور بين نوايا وأيدي من تناسبهم الأحوال الراهنة من أعضاء فريقه الذين قد لا ينهجون لأكثر من استمرار الأوضاع علي ما كانت عليه.. في هذه الحالة لسوف يقوض هذا الرئيس المنتخب بكل التوقعات والأماني المعقودة عليه... خصوصا ومع المشاكل المعقدة التي تواجه أمريكا والغرب عموما فإن آخر ما يراد الآن مزيد من عدم الاستقرار بكل ما يجره من إنفاق عسكري وعمليات إرهاب والعودة إلي مصير غامض لواردات »الطاقة« البترول... كلها مشاكل مركبة ضاربة الجذور: قضية إقامة دولة لشعب يصارع قوة غاشمة تتوسع وتتمدد وتبتلع الأرض مع مرور الوقت وكل ما عدا ذلك هراء... هذا هو لب الموقف لا هو في حماس ولا في صواريخها الخايبة!لابد ونوصل بأي سبيل إلى الرئيس المنتخب أوباما أننا نحن شعوب المنطقة أصبحنا أقرب إلي مرضى غضب مقيم وشعور مزمن بالإحباط وفاض بنا الكيل إزاء التوحش الإسرائيلي في المنطقة.. نحن لسنا بعاجزين عن المواجهة وان لم يكن بالسلاح وبإراقة الدماء فقادرون بأدوات أخرى لا تقل فعالية عن مقاتلات « إف 16» التي تطيح بها إسرائيل في الخلق.. استعراضات القوة التي تمارسها بهذا النحو من الوحشية يجب أن توضع لها نهاية ولو أن قوة أخرى في المنطقة كان لديها قوة موازية لما طاحت في المنطقة بهذه الوحشية ولترددت كثيرا قبل أن تقدم على ما أقدمت عليه و... لو واصلت الإدارة الجديدة السياسة السابقة فهذا ما قد يدفعنا دفعا لان نتحول إلي مؤيدين لإيران في تحقيق برنامجها النووي فلن تكون أكثر بطشا من إسرائيل.. فلا تدفعونا دفعا إلي ذلك! [c1]* عن/ صحيفة «أخبار اليوم» المصرية [/c]