أضواء
قرأت مرة لأحد الكتاب في دول الخليج مقالة كان أبرز ما جاء فيها تلك الحقيقة التي توصل إليها الكاتب من واقع خبرته ومعايشته لطلاب الجامعات، حيث ذكر أن 25 % فقط من طلاب الجامعات العربية يستطيعون إكمال دراساتهم وتخصصاتهم الجامعية، بينما يتوجب على البقية أن تبحث لها عن مجالات عمل وخيارات مستقبلية أخرى!! ويومها أعتبر رأي الأستاذ متحيزاً ضد الطلاب غير المتفوقين، بينما قال كثيرون إن الرجل يضع يده على الجرح تماماً في أزمة التعليم وتوجهاته وأهدافه وخططه في الوطن العربي، وإن هؤلاء الـ 75 % الذين يطالب الأستاذ بإخراجهم من الجامعات قد يكونون أعلى ذكاء وقدرات من أن تستوعبهم المناهج الجامعية الموجودة !! .إنها قضية في غاية الأهمية، وتحتاج إلى نقاش هادئ وصريح جداً، فالقضية ليست شخصية، إنها تتعلق بمستقبل أمة تعتقد بأن مستقبلها يصنع في الجامعات، بينما تعاني هذه الجامعات من إعاقات حقيقية، ومن نقاط ضعف جعلتها عاجزة عن مواجهة تحديات الواقع المعاصر في كل جوانبه، فبينما يخترع طلاب الجامعات الغربية والشرقية الكثير من المخترعات لا نسمع شيئاً عن طلاب جامعاتنا العربية، وبينما صنفت كثير من الجامعات الدول الغربية والشرقية باعتبارها من أفضل 500 جامعة في العالم، لم يكن لأي بلد عربي أي نصيب في هذا التصنيف، وهنا نحن لا نتحدث عن دولة أو عشر دول ، نحن نتحدث عن 21 دولة عربية !!.الخلل يبدأ على مقاعد الدراسة المدرسية حين تعجز آليات التربية والتعليم والإدارة والتوجيه هناك عن اكتشاف مواهب وتوجهات وقدرات وحتى إعاقات الطلاب بشكل مبكر وهنا فإنه من الطبيعي جدا أن يفقد الطالب سنوات من عمره متخبطاً بين فصول دراسية لا يعرف لماذا يأتي إليها كل يوم ولا كيف يتخلص منها، فيظل مستمراً في رحلة عذاب دراسي لا نهاية له، يدفع هو حياته ثمناً لها، وتدفع الدولة الكثير ، بينما تتحمل الأسرة الوزر الأكبر، بينما يضيع عمر التنمية والتطور هدراً، وفي نهاية الرحلة يكتشف الجميع - وبعد فوات الأوان - أن هذا الطالب فاشل دراسياً وعليه أن يفتش عن شيء آخر يفعله، وساعتها يكون خط الرجعة قد صار بعيداً جداً أو لم يعد له أثر، هنا من نسائل يا ترى؟ من المسؤول ؟أنا متأكدة أنه ليس الطالب وليست والدته أو والده !! لنبحث اذاً عن المسؤولين عن هذا الهدر الخطير لموارد الثروة الإنسانية قبل أن نبدأ في توصيف الخلل وتبادل الاتهامات !!.في مدارسنا، وفي كل مدارس الوطن العربي، هناك طلاب كثيرون جداً لا يطيقون البقاء على مقاعد الدراسة بالطريقة التقليدية التي هي الآن ، ذلك لا يعني أن نجعلهم ينفلتون في الشوارع بلا تعليم، لكن علينا ان نجرب ان نضيء شمعة بدل أن نلعن غباء وكسل وشيطنة هؤلاء الطلاب، علينا ان نجرب مدارس مختلفة، وأنظمة تعليم مختلفة، ومناهج مغايرة، معلمين مختلفين عن جماعة تجار الدروس الخصوصية والطبشورة والسبورة، قياسات ذكاء، برامج اكتشاف المهارات والقدرات، فهناك مليارات من الدولارات يمكن إنفاقها كاستثمار مربح، لأن هذه الملايين من الطلاب لابد من يوجد بينها موسيقيون ورسامون وعباقرة فيزياء ورياضيات وميكانيكيون و... اذا اكتشفناهم مبكرا ربما استطعنا ان نكون نواة مستقبل علمي لهذا الوطن العربي الذي لا يزال نائما - اقصد نامياً منذ 100 عام !!.[c1]*عن / صحيفة (الاتحاد) الإماراتية[/c]